يناضل للبقاء في عصر الحاسوب والتكنولوجيا ثلاثية الأبعاد

السيرك.. فن المفاجآت وإبهار الجمهور

صورة

إذا كانت بداية القرن الـ20 شهدت ظهور السينما الذي هدد السيرك، فإن ما يعرف بـ«مسرح الأحلام» حاليا، يناضل للبقاء على قيد الحياة في عصر الحاسوب والتكنولوجيا ثلاثية الأبعاد.

فعلى الرغم من التطور التكنولوجي ومجالات الترفيه الحديثة والمتنوعة التي سحبت البساط من غيرها الكلاسيكية، لا يستسلم السيرك ويحاول التكيف مع عصره، وهي ليست مسألة عناد، لكنها مسألة إيمان بأن الإنسان لم يفقد القدرة على المفاجأة.

وفي هذا الصدد تقول المديرة العامة للأكاديمية الوطنية لفنون السيرك في روسيا فالنتينا سابينا، إن «السيرك هو فن المفاجأة، لذلك فإنه لن يموت أبدا».

ولايزال السيرك في روسيا يحظى باحترام وتقدير كثيرين، عن أي مكان آخر في العالم، حيث تنظم المدارس الروسية لجميع المراحل زيارات للسيرك، كما تضع وكالات السفر والسياحة ضمن رحلاتها للسائحين المحليين والأجانب زيارات، للاستمتاع بالمهرجين والألعاب البهلوانية.

يقول مروض الحيوانات، أندري شيروكالوفيتش إنه «إبان عصر الاتحاد السوفييتي، لم تكن هناك وسائل كثيرة للترفيه أو للتسلية أو مال، لذلك كان السيرك مشهورا للغاية لدينا عن دول أوروبية أخرى، مؤكدا أن «السيرك هو الواقع، فالحياة ليست واقعية تماما مثل السيرك».

حتى أن أكثر المتشائمين من المشاهدين، لا يمكن أن يقاوم إغراء الاستمرار في مشاهدة سحر السيرك، ففيه تتلاشى الحيل التي تخفيها شاشة السينما والسحر به حقيقي ومباشر.. على الأقل هذا ما يحدث في سيرك «نيكولين»، الذي تأسس عام ،1880 والذي أعيدت تسميته بهذا الاسم لتكريم يوري نيكولين، احد المهرجين والكوميديين الأكثر شهرة في العهد السوفييتي.

مسرح أوبرالي

مفاجآت

 

تقول المديرة العامة للأكاديمية الوطنية لفنون السيرك في روسيا بالنتينا سابينا، «السيرك هو فن المفاجأة، لذلك فإنه لن يموت أبدا».

يؤكد متحدث باسم فرقة السيرك الحكومية الروسية (روسجوستريك)، أن الأزمة المالية أثرت بشكل كبير في عالم السيرك، لكنه أعرب عن اعتقاده أن مستقبل السيرك لن يكون قاتماً للغاية، كما يرسمه حاملو لواءات التكنولوجيا الجديدة.

يرى مدير سيرك نيكولين، ماكسيم نيكولينلاس، أن فنون السيرك تمثل جزءا مهما من الثقافة الروسية، «لأن شخصية الطفل تتشكل مع السيرك».

«نيكولين» ليس مجرد سيرك تقليدي مقام تحت خيمة، فهو أشبه بمسرح أوبرالي، حيث يجلس الجمهور أمام المسرح ويكون قريبا للغاية من الفنانين، ويقوم مدير المهرجانات بتقديم الابطال الذين يرافقهم أوركسترا، وتعتمد بقية الاجراءات على فن ومهارة السحرة والمهرجين ومنفذي الالعاب البهلوانية ومروضي الحيوانات الشرسة.

وتستمر الإثارة لأكثر من ساعتين حيث تفتتح الأحصنة البيضاء الحفل، في مشهد ننتقل معه بأناقة تلك الخيول إلى قصص السحرة والخيال، ويسير منفذو الالعاب البهلوانية على أحبال دقيقة مشدودة على ارتفاع 25 مترا، ومن دون وجود أي شباك لحمايتهم من السقوط.

«لقد قلت لك إنه أفضل من ألعاب الحاسوب»، هكذا أكد أحد الآباء، الذي اصطحب ابنه لمشاهدة العرض، بينما كان يشاهد الألعاب البهلوانية التي تحدث بسرعة كبيرة.

وأظهرت الدببة، أحد النجوم التقليدية في السيرك، قدرتها على تنفيذ بعض المهارات التي يتمتع بها الكائن البشري، وتتجول بالمسرح على متن دراجات بثلاث عجلات، وأخرى بعجلتين وسيارة، وسط تصفيق حار من الجمهور.

ولا ينتهي العرض عند هذا الحد، فيحين دور الكلاب الألمانية التي تقدم حيلا ومهارات عدة باتباع تعليمات سيدة جميلة، ثم تتبعها فقرة مروضي الفهود والنمور، ولا يستخدم مروضهم اليكسي سوطا في ذلك، لكنه يعول على عصا صغيرة لتذكيرها بحركاتها، التي تقدمها وسط تصفيق وتهليل الحضور.

ويقول اليكسي «أريد أن أثبت أن النمور ليست وحوشا شريرة وخطيرة، النمور أذكى بدرجة كبيرة من الفهود، لكن مع الفهود ينبغي تكرار الاشياء لها مرات عدة»، مؤكدا أن ترويض الحيوانات الشرسة «أكثر مهنة لا تحظى بالتقدير في السيرك»، كما أن المدافعين عن حقوق الحيوانات لا ينظرون بعين الرضا إلى المعاملة التي تتلقاها الحيوانات المتوحشة في السيرك، على الرغم من أنه يؤكد أنه يعاملها بشكل جيد.

السيرك والتكنولوجيا

يوجد في روسيا 43 سيركا ثابتا، اثنان منها في موسكو، وواحد في سان بطرسبرغ، والعديد منها تحت إدارة الدولة، غير أن أشهرها في روسيا هو «نيكولين»، و«بيرنادسكي»، اللذان يتبعان شركات خاصة، لكنهما يواجهان صعوبات عدة لدى البحث عن رعاة.

ويؤكد متحدث باسم فرقة السيرك الحكومية الروسية «روسجوستريك» أن الأزمة المالية أثرت بشكل كبير في عالم السيرك، لكنه أعرب عن اعتقاده أن مستقبل السيرك لن يكون قاتماً للغاية كما يرسمه حاملو لواءات التكنولوجيا الجديدة.

وقال «من الصعب اليوم تصور السيرك دون استخدام تكنولوجيا الأبعاد الثلاثية (3)، الشركة الوطنية للسيرك تعاقدت بالفعل مع مانفريد ماير، المهندس بشركة كرافتويرك الألمانية، لتزويد السيرك بهذه التكنولوجيا، في محاولة للخلط خلال العروض بين الفنان وصورته بصورة ثلاثية الأبعاد». غير أن مدير سيرك «نيكولين»، ماكسيم نيكولين، يرى أنه يجب على الدولة أن تدعم بشكل أكبر فنون السيرك، لأنها «جزء مهم من الثقافة الروسية»، وقال «مع السيرك يبدأ تشكيل شخصية الطفل، ومع المهرجين ومروضي الحيوانات الشرسة ترتبط الذكريات الجميلة بالطفولة».

كما يؤكد نيكولين أن الإيجارات الباهظة التي تطالب بها الدولة تمثل مشكلة خطيرة، تُصعب من زيادة نشاط الشركات الراعية للسيرك، كما أعرب عن أسفه لاهتمام التلفزيون والصحافة برياضات لا تحظى بشعبية كبيرة، وعدم التفاتها إلى إنجازات السيرك الروسي الذي يحصل على جوائز دولية.

وعلى الرغم من ذلك، فإن التفاؤل هو السمة الغالبة على نيكولين، الذي تتم دعوة سيركه لزيارة دول مختلفة حول العالم مثل إسبانيا والصين وفرنسا واليابان، ويؤكد أن «منفذي الألعاب البهلوانية الروس يصنعون معجزات بأجسادهم، يوجد نوع روسي من الألعاب البهلوانية لم يمارسه أحد قط، والآخرون يخشون تنفيذها فليس هناك تأمين طبي، والفنانون يواجهون خطر الوفاة».

كما تكهن نيكولين بعودة السحرة إلى السيرك، لأن «الجمهور يحب المفاجأة»، مشيرا إلى أن الساحر الأميركي دافيد كوبرفيلد أضر كثيرا السحرة بكشفه عن جميع أسرار المهنة على شاشة التلفزيون، قائلا «لا أفهم هذا الأمر، فالسيرك يجب أن يكون به سحر وخيال، ويجب أن تحدث به أشياء غير معقولة».

وتتعلق آمال بقاء السيرك الروسي بالأكاديمية الوطنية لفنون السيرك في روسيا، والتي تم تأسيسها عام ،1927 وشروط الالتحاق بها صعبة للغاية مثل الجامعة، حيث يكون على الطلاب تقديم شهادة طبية ويجب ان يكونوا بصحة جيدة، وتشير فالنتينا سابينا، مديرتها العامة إلى أن المتقدمين للالتحاق بالاكاديمية «يجب أن يكونوا على قدر من الوسامة».

وتقول سابينا إن «السيرك فن يحتاج لموهبة وجهد كبير أيضا، ويثبت قيام الأكاديمية بالتكفل بنفقات الدراسة وإقامة الطلاب أهمية السيرك في روسيا، كما تدعو الأكاديمية طلابا أجانب، لكنهم يقومون بدفع النفقات».

وأخيرا تقول سابينا إن «السيرك هو أكثر الفنون ديمقراطية وهو لكل العالم، السيرك أكبر بكثير من الابعاد الثلاثية، الفن الحقيقي لا يحتاج إلى كلمات».

تويتر