قالت إن الحشمة والثقافة والإجادة ثالوث خريطتها الفنية

بلقيس: بعض الفـنانـات « فقاعات صابون »

بلقيس: لست نتاجاً لوساطة فنية. تصوير: مصطفى قاسمي

كان لافتاً بالنسبة للوسط الفني أن ترافقها والدتها أثناء تسجيل أحد الأعمال في استوديوهات فايز السعيد، تماماً كما كان لافتاً تمسكها بعباءة ذات أكمام طويلة، في معظم المرات التي وصلت إليها فيها كاميرات المصورين، في حين أن الخامة الصوتية للفنانة الشابة بلقيس، كانت هي الأكثر جذباً بطبيعة الحال لفنانات تصادف وجودهن أثناء إجرائها حواراً صحافياً مع «الإمارات اليوم»، بل بعضهن فضل الإنصات أثناء استعراض صوتها من دون مرافقة الموسيقى.

بلقيس التي ترعرعت في بيت فني -فهي ابنة الموسيقار اليمني أحمد فتحي- بدت شديدة الثقة في غدها الفني، لكنها في الوقت ذاته حرصت على التأكيد بأن «ظروف النشأة، والعوامل المساعدة ليست هي كل ما وضعها على بداية الطريق». وأضافت «بعض الفنانات والمتابعين يختزلون كل شيء في كوني محظوظة، وهذا تجنٍ شديد على مفردات أخرى أسهمت في تحقيقي نجاحات لم أكن على المستوى الشخصي أتوقعها في تلك المرحلة، ولازلت أتمثل نصائح والدي بأن تجويد أدوات الفنان والتزامه الوقار وتسلحه بالثقافة، ثالوث رشتة فنية يجب ألا تغيب عني».

صوت منافس

قالت الفنانة اليمنية الشابة بلقيس إنها لا تعتبر نفسها صوتاً منافساً لأي مطربة خليجية عموماً، أو إماراتية خصوصاً، مضيفة: «لكل فنان بالضرورة بصمته الخاصة، ولا أعتزم الغناء باللهجات الشعبية، رغم أنني أجيد هذا اللون، لكن الطرب الكلاسيكي هو مسلكي وخياري الذي أظن أنه الأكثر مناسبة لإمكاناتي الصوتية».

بلقيس التي صعدت أسهمها بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، أكدت أنها غير مشغولة بالمنافسة، مشيرة إلى حرصها على إقامة علاقات طيبة مع مختلف الفنانات، بعيداً عن معادلات المنافسة، وكشفت بلقيس أنها تستعد للغناء مرة أخرى من اشعار سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، وهو العمل الذي سيجمعها، حسب تصريحها، بألحان فايز السعيد أيضاً، لكن عبر ثنائية غنائية تؤديها هذه المرة مع الفنان حسين الجسمي.

ونفت بلقيس أن تكون الشهرة السريعة التي حققتها هي حصيلة مجاملات فنية لعلاقة والدها الموسيقار أحمد فتحي، مؤكدة أن «تلك العلاقات فتحت لها الباب فقط، لكنها غير قادرة بالضرورة على فرضها، سواء على الجمهور أو الشعراء والملحنين، وجهات الإنتاج المرموقة».

وقالت بلقيس لـ«الإمارات اليوم»: «تشبعت بثقافة فنية غير محدودة من والدي، وكان يتيح لي فرصة الاستماع بأذن فنية لأعمال جيل العمالقة، سواء في الأغنية الخليجية أو المصرية أو السورية، وكان ينصحني دائماً بالتدريب على الغناء، وعدم الابتعاد عنه، لكنني كنت حريصة على تلبية رغبة الوالدة الشديدة بالحصول على شهادة مرموقة، لذلك اتخذت قراراً غير معلن، بأن تكون الدراسة الأكاديمية هي همي الأول، فأتبعت دراستي الجامعية برسالة ماجستير أرضيت بها طموح والدتي، فيما أسعى الآن لإشباع شغفي الذاتي بالطرب والغناء».

ثقة

بلقيس التي بنت جسراً من الثقة مع الجمهور بغنائها من أشعار سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، تمتلك نسقاً قيمياً أيضاً تسعى إلى أن يكون دليلها في الوسط الفني، حيث تعتبر أنه يجب على الفنان منذ اللحظة الأولى التي طرح فيها أعماله للجمهور، أن يثبت وفاءه لذلك الجمهور بصيغ مختلفة، «على رأسها احترامه لقيم وتقاليد ذلك الجمهور، وألا يكون سبباً أو عاملاً لاهتزازها، فالفنان يصبح، بعيداً عن الألقاب الشرفية، سفيراً وصورة إما سلبية أو إيجابية لمجتمعه، لذلك فإن ما يعتبره البعض حرية شخصية، قد لا يكون كذلك حقيقة».

وأضافت بلقيس «لهذا السبب أصبحت أكثر حرصاً على أن تكون ملابسي متمتعة بالحشمة، على نحو ينسجم مع ثقافة مجتمعاتنا المحافظة، ويدعمها، وإلا تحولت إلى معول هدم، بدلاً من أن أكون وسيلة بناء وإبداع ثقافي وحضاري».

انطلاقاً من هذه القناعات ترى بلقيس أن «الفنان يجب أن يكون مثقفاً، ولم يعد هناك مجال لفكرة أن المطرب هو خامة صوتية جيدة، ومقدرة استثنائية على تسويقها وترويجها، فمقدار تأثير الفنان في مجتمعه أضحى متعاظماً، ولكي يكون هذا التأثير إيجابياً يجب أن يكون الفنان ملماً بأولويات مجتمعه وتحدياته، من أجل أن يكون قادراً على تقديم الرأي ووجهة النظر المناسبين حينما يطلب منه ذلك، لتجنب التأثير السلبي الذي توقعنا فيه ثقافة شوهت الوجود الفني وخلطته بثقافة الفيديو كليب بنسخه المشوهة».

ورغم أن إحدى أهم النصائح التي استقتها من والدها، خصوصاً في بداية مشوارها الفني، هي «دعك من دوائر القيل والقال، وادخري هذا الوقت الذي تستنزفه تلك الدوائر في تجويد أدواتك الفنية، والبحث عن المشروعات الأكثر مناسبة لك»، إلا أن الفنانة الشابة لم تخف صدمتها من تدني المستوى الثقافي للكثير من الفنانات، واصفة بعضهن بأنهن «'أشبه بفقاعات الصابون، التي يكون لها حيز مكاني، دون أن يكون لها تأثير ملموس، بسبب اتكائها في الحقيقة على فراغ في المحتوى».

شكل

اعتبرت بلقيس أن «شكل الفنانة مرآة لما ستقدمه، بل الأكثر مرارة أن الابتذال ربما يصرف نظر المتلقي عن وجود موهبة صوتية حقيقية، وإذا راجعنا أشهر التجارب في مجال الخلط بين الأغنية المصورة التي تستفيد من الصورة من أجل رؤية فنية وإخراجية واضحة، والنوع الأشهر المعتمد على الابتذال والعري، سنجد أن الأخير عمره الفني محدود جداً، وربما كان مقبرة حقيقية للمنضويات تحته».

وأكدت بلقيس أن غناءها من أشعار «فزاع» مثّل بالنسبة لها النقلة الأكثر تأثيراً في مستهل مشوارها الفني، كشفت أن أول تجاربها الحقيقية بدأت عبر إذاعة صوت الخليج القطرية، من خلال تسجيل صوتي أسند إليها ضمن «أوبريت» بعنوان «بر وبحر»، كان زاخراً بالكثير من المقامات الصوتية التي لا تخلو من صعوبات فنية، مضيفة أن «أحد أهم الداعمين لبداياتي الفنية أيضاً الفنان فايز السعيد الذي قام بتلحين قصيدتين لسمو الشيخ حمدان بن محمد، هما «ديوان الشعر»، و«مسألة سهلة»، من أجل أن أقوم بغنائهما، وفي حين كان غناء الأولى مع الفنان أبوبكر سالم بمثابة مكافأة قدرية لي في مستهل طريقي الفني، فقد فوجئت بأن الأغنية الثانية حصلت على المركز الأول في مقياس الطلب الجماهيري لدى إذاعة «إم بي سي- إف إم»، وكلا الأمرين، بما في ذلك الغناء من أشعار (فزاع)، هو بمثابة انطلاقة مثالية بكل تأكيد لأي فنان».

تويتر