دراما المراهقين.. فـي مرمى النيران

الفنانة الأميركية مايلي سايرس. أرشيفية

رغم كثافة الإنتاج الدرامي العربي وتعدد مجالاته وأنواعه، مازالت دراما المراهقين تمثل بقعة مظلمة أو منطقة نائية عن الأعمال الدرامية العربية، مع وجود محاولات حديثة للتطرق لهذا الموضوع ولكنها مازالت محدودة.

أسباب عدة تقف وراء ابتعاد الدراما العربية عن المراهقين ومشكلاتهم، من أهمها الرغبة في «اللعب في المضمون»، إذ يفضل عدد كبير من المنتجين ركوب موجة النجاح التي يمكن أن يحققها عمل معين، ومن ثم تقليده وتقديم أعمال مماثلة. ولذلك نجد أن لدينا في الدراما التلفزيونية والسينمائية أيضاً «موجات أو هوجات» متتالية، مثل موجة أعمال المخدرات، وموجة مسلسلات الانتقام، وموجة الأعمال الصعيدية أو البدوية، أو العشوائيات، أو حتى موجة «سيت كوم» والأعمال الكوميدية. ولأنه إلى الآن لم يظهر مسلسل «خارق» عن المراهقين وقضاياهم، لم نر بعد موجة أعمال المراهقين.

سبب آخر من أسباب قلة هذه الأعمال هو سيطرة النجوم على الأعمال الدرامية المهمة، وهو ما يعززه أيضاً رغبة المنتجين، فالمنتج العربي يميل إلى الاستعانة بنجم كبير «يشيل العمل» كما يقولون، لضمان نجاحه. وبالتالي يحجم عن تقديم عمل يعتمد على ممثلين جدد دون نجم يتم تفصيل العمل على مقاسه. نجد أيضاً أن هناك حالة من عدم الوضوح لدى بعض كتاب الدراما بين مرحلتي المراهقة والشباب، فيصنف البعض الأعمال التي تتناول حياة طلبة الجامعة باعتبارها تعالج مشكلات المراهقة، رغم أن هناك فرقا بينهما.

دراما مستوردة

 

كشفت دراسة لمدرس الإعلام وثقافة الطفل بمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، الدكتور زكريا إبراهيم الدسوقي، بالاشتراك مع رئيسة قسم دراسات الطفولة بكلية علوم الأسرة بجامعة طيبة السعودية، الدكتورة صفاء عطية عبدالدايم، بعنوان «علاقة مشاهدة المراهقين للدراما الأجنبية المقدمة بالقنوات الفضائية بمستوى الطموح لديهم»، أن المراهقين يفضلون الدراما الأجنبية ذات المضمون الاجتماعي بنسبة 69.5٪، ثم دراما الخيال العلمي بنسبة تزيد على 64٪، بينما احتلت الدراما السياسية المرتبة الثالثة بنسبة 40٪، ولم يزد إقبال المراهقين على الدراما الرومانسية على 32٪، وبعدها الدراما الكوميدية بنسبة 31٪.

وأوصت الدراسة بضرورة انتقاء القائمين على استيراد الدراما الأجنبية والاهتمام بمضمونها، الذي يجب أن يتفق وظروف المجتمع العربي وثقافته وأساليب حياته، تفادياً للجانب السلبي لمشاهدة هذه الدراما، والذي يغلب عليها طابع الثراء والرفاهية العالية، والإمكانات التي تصدم المشاهد، مقارنة بالأوضاع في بعض الدول العربية، وكذلك ضرورة تقديم دراما عربية تنمي لدى المشاهد الطموح، وذلك من خلال الإخراج الجيد والمضمون الدرامي المناسب يمكنها أن تكون بديلاً ملائماً لتلك الدراما المستوردة.

لكن المشكلة الأكبر التي بدأت تظهر مع «تجرؤ» بعض صناع الدراما واتجاههم لتقديم أعمال تصنف على أنها عن مرحلة المراهقة، مثل مسلسلات «أيام الدراسة»، و«بنات ثانوي»، و«الجامعة»، و«شيفون»، وغيرها، بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذه الأعمال، تمثلت المشكلة في الهجوم الشرس الذي قوبلت به غالبية هذه الأعمال حتى قبل ان تعرض، من وسائل إعلام أو شخصيات عامة، متهمة إياها بالإساءة إلى المجتمع، وتقديم صورة غير واقعية عنه من خلال التركيز على عيوبه وممارسات بعض المراهقين التي لا تشكل ظاهرة. وهي اتهامات يمكن قبولها في بعض الأعمال التي تحمل مبالغة فعلية في شخصياتها وأحداثها، ولكن من الصعب القبول بأن تتحول هذه الاتهامات إلى «سكين» مسلط على رقبة كل من يحاول ان يناقش قضية ترتبط بهذا العمر الخطير، خصوصاً أن الدراما لها دور كبير في دق أجراس الخطر عند ظهور وانتشار بعض السلوكيات في المجتمع، لذا كان على اصحاب الاتهامات الجاهزة التريث قليلاً، وتقييم العمل الفني بموضوعية. ومن ناحية أخرى لابد ان يتحلى صناع الدراما بالذكاء الذي يمكنهم من لمس الجرح وتسليط الضوء عليه، دون ان يفقد العمل الفني جمالياته أو يتجه نحو المبالغة الممقوتة.

كل مجتمع لابد ان يحمل بداخله الخير والشر، والسلوكيات السليمة وأيضاً الخاطئة، فنحن لا نعيش في المدن الفاضلة، وليس هناك مكان على الأرض يخلو سكانه من العيوب والمشكلات. وإذا كانت القنوات الفضائية جعلت العالم كله يتابع الأعمال التي تقدم، فهذا لا يعني ان تنافس كل دولة في إظهار ما تتمتع به من مثالية خوفاً من وصم مجتمعاتها بتدني الأخلاق او الخروج عن العادات والتقاليد. من ناحية أخرى، تكرار الهجوم على الأعمال ذات الطابع الاجتماعي سيؤدي إلى انصراف صناع الدراما عن النقد الاجتماعي في أعمالهم، والاعمال الجادة بشكل عام، والاتجاه لتقديم أعمال سطحية أو تكرار موضوعات سبق أن تناولتها أعمال أخرى حتى لا يتعرضوا للهجوم وما يتبعه من منع عرض العمل أو انخفاض جماهيريته.

وفي ظل ابتعاد الأعمال الدرامية العربية عن المراهقين وعالمهم، يصبح البديل الوحيد أمام المراهق هو الأعمال الدرامية الأجنبية، التي تشهد اقبالا كبيرا من المراهقين العرب، وتحول أبطال هذه الأعمال إلى نجوم تملأ صورهم غرف أبنائنا، وتزين حقائبهم وأدواتهم المدرسية وملابسهم.

الأمر لا يقتصر على هذه الأشياء فقط، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في السلوكيات التي تتضمنها هذه الأعمال والتي قد تتعارض بشكل كبير مع العادات العربية، وفي الوقت نفسه تجذب المراهق الذي يسعى إلى التمرد والتحرر من سلطة الكبار، خصوصاً الأسرة، وأن يخوض تجارب مختلفة دون حساب ما يمكن ان تنتج عنها من خسائر أو مكاسب.

تويتر