معرض جماعي بالتزامن مع « الليلة الأوروبية للمتاحـف » في أبوظبي

الإمارات بعيون فرنســـية

موضوعات متعددة تظهر جماليات الإمارات وتطورها الاقتصادي والاجــــــــــــــــــــــــــــــــتماعي. تصوير: إريك أرازاس

ستة فنانين فرنسيين وشغف واحد. الشغف هو بالإمارات المكان والزمان والمعنى، اجتمعوا معاً في معرض «الإمارات بعيون الفنانين الفرنسيين.. لمحة من الإمارات»، الذي افتتح أول من أمس، في المركز الثقافي التابع لوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في أبوظبي، ويستمر حتى 25 مايو الجاري.

قد لا يكون الموضوع جديداً؛ تلك العلاقة التي ترتبط بها الإمارات مع قاطنيها من مختلف الجنسيات، وتخرج فيها من الإطار الضيق لمفهوم المكان، إلى معانٍ لا محدودة تخلق من هذا التعدد والاتساع قدرتها على التجدد والاختلاف من فنان إلى آخر، وهو ما بدا واضحاً خلال المعرض الذي يقام بالتزامن مع «الليلة الأوروبية للمتاحف»، وهي الأمسية التي يتم فيها فتح أبواب متاحف أوروبية للجمهور بشكل استثنائي في الوقت ذاته ومجاناً في أغلب الأحيان، بداية من وقت الغروب وحتى ما يقرب من الواحدة بعد منتصف الليل، وتعتمد منذ انطلاقتها عام 2005 بمبادرة فرنسية، على مفهوم المشاركة والفرح المشترك بين أكبر عدد من الجمهور.

وجوه عدة بدت في أعمال الفنانين؛ طغى عليها التجريد بنسب واتجاهات مختلفة، ففي أعمال الفنانة كارين ووش كان البناء المعماري الحديث لدبي وأبوظبي، هو الموضوع الأبرز، خصوصاً مع الطابع الهندسي الذي سيطر بخطوطه المستقيمة على مساحة لوحات الفنانة، مشكلاً مجموعات من الأبراج المتراصة في لوحة، بما يشير بوضوح إلى ما تتميز به الإمارتان من كثافة معمارية، وطابع عمراني حديث، ولكن سريعاً وفي اللوحة التالية يبرز عنصر جديد حاملاً إضافة لمضمون اللوحة ومفهوم المدينة بها، عندما يبرز بين البنايات المرتفعة بناء لمسجد يقع في المنتصف، مذكراً بأن المدينة لا تقوم فقط على العمارة الحديثة، فهناك مجتمع يحمل قيمه وثقافته وتكوينه الخاص. اللوحة التالية للفنانة تحمل أيضاً عنصراً جديداً للمشهد العمراني، فرغم كثافة حضور الأبراج الحديثة بواجهاتها الزجاجية اللامعة، تتصدر مجموعة من الأغصان المورقة المشهد لتخطف عين المشاهد بالوانها الطبيعية الزاهية «الأخضر والأحمر»، معلنة عن اكتمال صورة المدينة لدى كارين ووش، إذ يظل للطبيعة مكانها بين الكثافة العمرانية الحديثة، رغم الصحراء التي تقف على حدود المكان، ومن هذا التناقض تكتسب أبوظبي ودبي طابعهما الخاص.

الإمارات أرض العجائب

بعيداً عن العمارة والبناء؛ تأتي أعمال الفنانة كريتش؛ التي تتحول الإمارات في لوحاتها إلى «أرض العجائب»، فهي مملوءة، لمن يفكر في الغوص في أعماقها، بكل ما هو «غير متوقع»، خصوصاً في ظل التنوع الكبير الذي تحتضنه أرض الإمارات في الثقافات والجنسيات والأفكار التي يتعايش أصحابها معاً بصورة تدعو إلى الدراسة والتأمل، هذا العالم الذي اختصرت كريتش شخوصه في وجه متداخله، بأسلوبها المميز الذي تتداخل فيه التجريدية مع التكعيبية برمزية عالية، بينما تبدو المثلثات عنصراً متكرر الظهور في أعمال الفنانة التي غالباً ما تكون طولية، في حين تظهر أصولها المصرية في تداخل عناصر التراث برمز متقن مع موضوع اللوحة.

تنوعت موضوعات الفنانة إيزابيل ريو تيسيير، والمفردات التي اختارتها للتعبير عن الإمارات، فظهرت مجموعات من الخيول في بعض اللوحات، ومجموعات من الأبل في لوحات أخرى، كما جسدت الأزهار وغيرها من مشاهد الطبيعة الصامتة، أظهرت فيها الفنانة مهارة عالية في استخدام الألوان المائية التي منحت اللوحات أبعاداً جمالية أخرى، بينما حمل الوجه لدى الفنانة مسحة استشراقية، فبدت ملامح رجل ملثم في بورتريه لها غريبة، في الوقت الذي جاء لثامه أقرب إلى ما يرتديه الطوارق في صحراء إفريقيا.

«الضياء» هو الموضوع الذي شغل الفنانة بينديكت جيمونيت؛ واختارته ركيزة لرؤيتها للإمارات، ولمجموعتها الفنية «الشمس»، التي تعبر عن نور المشرق، وثقافة الشرق الأوسط، في هذه المجموعة تجد الفنانة في حالة بحث دائم عن مصدر الضوء بين أشكال وتكوينات تظهر مثل الكواكب والأقمار، تسبح في سماء بلون الصحراء ورمالها الذهبية، أو شموس تسطع في سماء أكثر سطوعاً طغى عليها جميعاً اللونان الأحمر والذهبي.

تشكيل الفراغ

من ناحيته، اختار الفنان بونوا روندار، البشر عنصراً رئيساً لأعماله التي تميزت بقدر كبير من التجريد والرمزية، تداخلت فيها الملامح، وبدا الفنان كأنه يشتغل على إعادة تشكيل العلاقة بين الكتلة والفراغ في فضاء اللوحة، مجبراً المتلقي على تأمل العمل لتبين ملامح هذه العلاقة الملتبسة بينهما. وقد تضمنت مشاركة الفنان في المعرض 16 لوحة متكاملة، اتخذ من اللون الترابي خلفية لشخوصه الذين ظهروا مثل هالات بيضاء غير محددة الملامح، تبتعد حيناً أو تقترب من الشكل الإنساني المعتاد، ولكن يظل هناك دائماً شعور بالحركة وبانفعال ما يصدر عنها ليصل إلى المتلقي.

بينما كانت الفنانة فرجيني تروا هي المصورة الفوتوغرافية الوحيدة بين الفنانين المشاركين في المعرض الذي جسدت خلاله بصورها ملامح من العمارة في الإمارات، مع إضافات خاصة بها لم تترك للصورة مجالاً للحياد، إذ تحولت المباني إلى ما يشبه أشعة من الضوء الملون تتقاطع معاً، أو تتداخل، أو حتى تتوازى، لكنها في جميع الحالات تنطلق بسرعة شديدة في حركة تمنح المتلقي أحاسيس مختلفة، وتعيد ترتيب الفضاء بنمط شخصي.

تأثير متبادل

مدير إدارة الأنشطة الثقافية والمجتمعية في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الدكتور حبيب غلوم العطار، أشار إلى أن المعرض يمثل حالة نوعية مميزة، إذ يشارك فيه فنانون تشكيليون من فرنسا مقيمون في الإمارات، وقال «لأن الإمارات ساحرة بجمال طبيعتها ومكوناتها، دفعت هؤلاء الفنانين للتعبير عما يجول في أنفسهم، وما يرونه من سحر هذا البلد، الصغير بعدد شعبه، الكبير بعطائه، فالجمال لا يتوقف، والعطاء مستمر، ولا يقتصر على شيء دون الآخر، بل في كل نواحي الحياة والطبيعة». لافتاً إلى حرص الوزارة على دعم مثل هذه المعارض معنوياً وفنياً، كما تؤكد من خلاله دعمها لكل الفنانين والمثقفين الذين يعيشون على هذه الأرض، مؤمنة بأن الفن رسالة إنسانية مخلدة يجب إعطاؤها كل مقومات النجاح.

وأشاد السفير الفرنسي لدى الدولة آلان أزواو، بالعلاقات بين البلدين، ودعم وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع لهذا المعرض، وقال إنها مبادرة جديدة لا تنكر مدى تأثير الإمارات العربية المتحدة وسحرها لمواطنينا الفنانين.

وأضاف أن افتتاح هذا المعرض يصادف الليلة الأوروبية للمتاحف، وهي مبادرة فرنسية في الأساس، شهدت نجاحاً شعبياً لايزال مستمراً منذ عام 2005 إلى اليوم، يطمح إلى تسليط الضوء على النظرة التي يرى بها هؤلاء الفنانون الفرنسيون بلد إقامتهم الثاني الإمارات الذي يعيش فيه مجتمع إماراتي متعدد الثقافات، مطبوع بقيم وبإرادة للإثراء المتبادل.

تويتر