صاحب «كونغ كونغ» باع 40 ألف نسخة في أسبوعين

«أبوالليف»: لست ظاهرة غنائية مؤقتة

«أبو الليف» حقق نجاحاً في الغناء بعد سنوات فشل طويلة. أرشيفية

فجأة ومن دون مقدمات؛ ظهر «أبوالليف» ليقلب موازين وحسابات الساحة الغنائية في مصر، مثيراً عاصفة من الجدل بعد أن نجح في تحقيق أرقام قياسية سواء في توزيع ألبومه، الذي نفد من الأسواق المصرية عقب طرحه بساعات قليلة، بينما بلغت مبيعاته 40 ألف نسخة في أسبوعين، وتكرر هذا النجاح عند طرحه في الأسواق العربية أيضاً، خصوصاً الإمارات، أو من حيث حالة الانتشار الواسعة له بين الشباب من رواد الموقع الإلكتروني الشهير «فيس بوك»، الذي أصبح «أبوالليف» أول من يغني له، في أغنيته الشهيرة «كونغ كونغ». ويرفض أبوالليف اعتباره الفنان الطارئ، حيث أكد في أكثر من حوار صحافي أنه «ليس ظاهرة غنائية مؤقتة».

واللافت في الضجة الكبيرة التي أحدثها «أبوالليف» واسمه الحقيقي نادر أنور، انه لم يقتصر على اتهامه بالتسبب في موجة جديدة من الهبوط والانحطاط في مستوى الغناء العربي، والخروج على الآداب العامة باستخدامه ألفاظاً تعد في عرف الكثيرين خارجة مثل «خرونج» و«كاورك»، وهي تهمة قديمة متجددة، لازمت الغناء العربي على مر عصوره، ولم يسلم منها حتى فنانون كبار، أمثال محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وغيرهما، في بداية ظهورهم. بل امتد تأثير «أبوالليف» ليفرض ما يمكن تشبيهه بسلسلة الهزات التي تتبع الزلازل على مختلف الأصعدة. فعلى مجال سوق الكاسيت، استطاع «ابوالليف» ان «يفتح السوق» ويكسر التصنيف المعتاد لمواسم الرواج في هذا المجال، التي تعتمد على الصيف في المقام الأول باعتباره الموسم الأهم والأكثر نجاحاً لطرح الألبومات الجديدة، تليه مواسم الأعياد وفترة إجازة نصف العام الدراسي. بينما تعد الفترة الحالية، التي طرح فيها البوم أبوالليف، فترة كساد بسبب تزامنها مع اقتراب الامتحانات، وهو ما زاد من دوي النجاح الذي حققه الألبوم.

تفسيرات سياسية

ظاهرة «أبوالليف» لم تكن بعيدة عن التفسيرات السياسية، خصوصاً في ظل المناخ الذي تعيشه مصر حالياً في انتظار انتخابات الرئاسة في ،2011 ومع تعالي الأصوات المطالبة بالتغيير على مستويات عدة، فقد وجدت بعض الآراء في أبوالليف والضخة التي أحدثها، نوعاً من المؤامرة التي تم حبكها لشغل الرأي العام عما يجري على الساحة حالياً، وإلهاء الشباب عما يجري من أحداث وقضايا كبرى في الداخل المحلي والخارج العربي، بتقديم بطل من ورق يتحدث عن أفكارهم ومشكلاتهم نفسها، ثم ينتهي الأمر للا شيء. الطريف ظهور رأي آخر ربط بين ظاهرة «أبوالليف»، وبين الصعود السريع والقوي لنجم الدكتور محمد البرادعي باعتباره المرشح المقبل في انتخابات الرئاسة، مشيراً إلى ان كل عصر يخلق رموزه، وان أبوالليف من رموز الفترة المقبلة على الساحة الغنائية، نظراً لقدرته على التعبير عن هذه المشكلات بلغة الشارع المصري الآن، التي مازالت محل خلاف ورفض من البعض. كما ذهب هذا الرأي إلى أن النجاح الكبير للمطرب الشعبي الجديد، وكذلك التأييد الواسع الذي قابل به الشعب المصري البرادعي وإعلان نيته الترشح للرئاسة، إفراز طبيعي لرغبة المصريين في الحصول على المزيد من الحرية في التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم وأفكارهم.

بدائية

في المقابل؛ يرى الشباب، وهم الجمهور الحقيقي لنادر أبوالليف، ان جزءاً من النجاح الذي حصده الألبوم يعود بالفعل، كما ذهب نقاد، إلى غرابة الشكل الذي اختاره الفنان للظهور به على غلاف الألبوم، ويعتمد على نظرية النشوء والتطور، حيث يبدو مثل الإنسان البدائي. وكذلك إلى اسم المطرب نفسه. ولكن الجزء الأكبر من النجاح يعود إلى قدرة الفنان في أغنياته على ان يعبر عن قضاياهم وأفكارهم، حيث تحدثت أغنياته عن قضايا الغلاء وعدم قدرة الشاب على توفير متطلبات الزواج من شقة ومهر وشبكة، وعن غياب أخلاقيات التسامح والمحبة بين أفراد الشعب، إلى جانب سرده معاناته الشخصية قبل ان يصدر الألبوم بحثاً عن رزقه. واستخدامه الألفاظ والمصطلحات نفسها التي تنتشر بين الشباب حالياً، مثل «بينفسن» و«مهمزني» إضافة إلى كونه أول من غنى لـ«الفيس بوك»، وحصد ثمرة ذلك من خلال صفحات عدة خصصها له معجبوه، وعددهم بالآلاف، جميعها تضم أحدث أخباره، وحفلاته، ولقاءاته الصحافية والتلفزيونية، والتعليق عليها، إلى جانب روابط لأغنياته، والغريب ان عدد معجبي هذه الصفحات قارب الـ70 ألف معجب، في حين تجاوز عدد مشاهدي لقطات ابوالليف على اليوتيوب 240 ألف زائر للموقع.

نمط جديد

عامل آخر كان له تأثير كبير في التعامل مع «ابوالليف» كظاهرة، وزاد من الاهتمام به، وهو ان مؤلف كلمات أغاني الألبوم، ما عدا أغنية واحدة، هو الشاعر المعروف أيمن بهجت قمر، الذي يملك رصيداً من الأغنيات الناجحة ومقدمات مسلسلات شهيرة، جعلته في مقدمة كتاب الأغاني الشباب في مصر والعالم العربي حالياً، وبالتالي فقمر لديه من النجاح والشهرة والمكانة على الساحة الفنية ما يجب ان يجعله يفكر كثيراً في الإقدام على مثل هذه المغامرة، وكتابة أغنيات الألبوم التي اعتبرها البعض تجلياً صارخاً لحالة الإسفاف والتردي التي وصل إليها الغناء العربي. متسائلين عن أسباب اتجاه الشاعر الشاب صاحب الموهبة المتميزة إلى هذه الخطوة، خصوصاً أنه يمكن اعتبار «ابوالليف» بالشكل النهائي الذي خرج به على الجمهور؛ بمثابة صنيعة أيمن بهجت قمر، حيث لم يقتصر دوره على تأليف كلمات الأغنيات فقط، بل هو من تبناه منذ البداية، وهو الذي سانده ليعود من جديد لتقديم نفسه للساحة الفنية، كما انه صاحب فكرة اختيار اسم أبوالليف، والشكل الذي ظهر به الفنان على غلاف الألبوم. قمر أوضح ان ابوالليف كان فرصة بالنسبة له ولملحن أغنيات الألبوم محمد يحيى والموزع الموسيقي لها توما، للخروج من نمط الغناء السائد على الساحة حالياً، وهو نمط الأغنيات العاطفية والرومانسية، التي لا تتحدث إلا عن الحب والهجر والخصام، وتقديم موضوعات من الشارع المصري، وبكلمات متداولة بين الشباب، وهو أمر لن ينجح مع مطرب مشهور أصبح لديه شخصية فنية واضحة يحبها الجمهور ويرتبط بها، ولذلك كان يجب العثور على وجه جديد تكون بدايته مع هذا النمط الذي يشكل بعد ذلك شخصيته الفنية. ورفض قمر وصف كلمات الألبوم بالهابطة او الخارجة، مشيراً إلى أنه ليس أول من يستخدم كلمة «خرونج» في عالم الفن، فقد سبقه إليها بسنوات الفنان عادل إمام في مسرحيته «شاهد ماشفش حاجة» وتقبلها الجمهور بل وضحك عليها.

فنان موهوب

المنطق نفسه تحدث به «أبوالليف»، الذي يقترب من منتصف الأربعينات من عمره، مدافعاً عن نفسه، رافضاً الاتهامات الموجهة إليه باعتباره دخيلاً على الفن وعالم الغناء، فهو خريج معهد الكونسرفتوار في القاهرة، ووالده أنور جابر كان عازفا لآلة الرق مع فرقة الموسيقار أنور منسي، كما أنه يمتلك صوتاً قوياً أشاد به الكثيرون. واعتبر أبوالليف النجاح الذي حصده اخيرا، تعويض عن الإخفاق الذي قابله في محاولاته الفنية الأولى، التي تعود إلى التسعينات، حيث وقف غياب الإنتاج والإمكانات المادية خلف فشله وانسحابه من الوسط الفني، واتجاهه إلى أعمال أخرى ليس لها علاقة بالفن. ويحرص نادر على التأكيد على انه ليس مجرد ظاهرة ستختفي بعد قليل، ولكنه فنان حقيقي كان ينتظر فرصة للظهور والوجود، وسيستمر على الساحة.

مونولوج

أشار صاحب «كونغ كونغ» إلى ان ما قدمه من أغنيات في ألبومه هو نوع من المونولج بأسلوب عصري، عمل من خلاله على التعبير عن واقع اجتماعي يعيشه معظم الشباب في مصر، ومن بينهم هو نفسه، حيث عاني كثيراً للحصول على عمل مناسب، وتنقل بين أكثر من مهنة، قبل ان يسافر للعمل في ليبيا، وبعد عودته فقد أمواله في البورصة، كما انه لم يتزوج حتى الآن لعدم قدرته على توفير متطلبات الزواج. موضحاً أن الهجوم الذي شنه البعض عليه جاء قبل طرح الألبوم في الأسواق، اثر عرض الإعلان عنه. وعن بدايته أشار إلى ان أول ألبوم قدمه كان بعنوان «صيف ساخن جداً» عام 1990 وخلال هذه الفترة تعرف إلى الشاعر أيمن بهجت قمر، كما قام بغناء موال «رمش الحبيبة» في فيلم «عصفور من الشرق». قبل ان يبتعد عن الفن منذ عام ،1995 كما حاول العودة مرة أخرى للغناء من خلال الفنان محمد فؤاد، الذي تحمس له بعد ان استمع إلى صوته، وقرر أن ينتج له ألبوماً عام ،2000 إلا أن المشروع لم يكتمل بسبب ظروف إنتاجية، وإغلاق شركة الإنتاج التي يمتلكها فؤاد. في النهاية يظل أبو الليف رقماً جديداً يضاف إلى معادلة الغناء العربي، مؤكداً أنه لم تعد هناك مقاييس محددة للجيد والرديء، ولكن في الغالب أنه ستكون هناك موجة جديدة من «أشباه» ابوالليف وأتباعه في الفترة القريبة المقبلة.

تويتر