هزاع بن زايد: الإرهاب يسعى للقضاء على ما شيدته الأمم والحضارات

خبراء في التراث: تدمير المواقع الأثـريــة اعتداء على الذاكرة الإنسانية

صورة

أكد سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، أن الإمارات جزء لا يتجزأ من الجهد الإنساني للارتقاء بالإنسانية وحماية الإرث الثقافي.

- التراث الثقافي الذي يتعرض للدمار في الشرق الأوسط طالت تبعاته المجتمع الدولي، وبدأت اليونيسكو التحرك لحمايته .

- الإسلام دفع الثمن باهظاً للأعمال البربرية التي قامت بها الجماعات الإرهابية وأجمع الفقهاء على أنها لا تمثل الإسلام.

وقال سموه خلال حضوره افتتاح مؤتمر «الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر»، الذي تستضيفه أبوظبي لمدة يومين: «إننا في اليوم الوطني الـ45 شهدنا افتتاح مؤتمر حفظ التراث المهدد بالخطر، ما يُعد رسالة عالمية تنطلق من أبوظبي بأن بناء الدول لا يكتمل إلا بحفظ إرث الإنسانية».

وأوضح سموه أن الإرهاب لا يحاول فقط تقويض المجتمعات والدول، بل يسعى للقضاء على ما شيدته الأمم والحضارات، ومن هنا تنبع أهمية أن تحتضن الإمارات هذا المؤتمر العالمي.

وكانت أعمال مؤتمر «الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر» قد انطلقت في أبوظبي أمس، بحضور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، وسمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي ولي عهد ونائب حاكم الشارقة، وسمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي ولي عهد عجمان، وسمو الشيخ محمد بن حمد بن محمد الشرقي ولي عهد الفجيرة، وسمو الشيخ راشد بن سعود بن راشد المعلا ولي عهد أم القيوين، وسمو الشيخ محمد بن سعود بن صقر القاسمي ولي عهد رأس الخيمة، والدكتورة أمل عبدالله القبيسي رئيسة المجلس الوطني الاتحادي، والشيخة لبنى بنت خالد القاسمي وزيرة دولة للتسامح، والدكتور سلطان بن أحمد سلطان الجابر وزير دولة الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» ومجموعة شركاتها، إضافة إلى عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين.

 

مواقع ومقتنيات

عرضت خارج قاعة المؤتمر مقتنيات نادرة من بينها مخطوطات ومصاحف أثرية، أنقذت من المواقع الأثرية المهددة في تومبوكتو في مالي، كما عرضت لوحات لبعض المواقع الأثرية التي تعرضت للتدمير توضح هذه المواقع قبل التدمير وبعده، مثل مدينة تدمر الأثرية في سورية والجامع الأموي بدمشق وقلعة الحصن في حلب، ومنطقة خورسباد الأثرية شمال غربي العراق.


إنشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي في مناطق الصراع قيمته 100 مليون دولار.

المؤتمر يختتم أعماله اليوم ب«ميثاق أبوظبي» ويهدف لإيجاد وسائل عملية لحفظ التراث الثقافي.

كما شارك في الافتتاح عدد من قادة الدول الشقيقة والصديقة وكبار المسؤولين الحكوميين والخبراء المختصين ونشطاء المجتمع المدني المدافعين عن قضايا حماية التراث الثقافي والإنساني، إلى جانب ممثلين عن أكثر من 40 دولة تشمل جهات حكومية وخاصة، تمثل الدول التي تعرضت كنوزها التراثية للتلف أو الفقدان جراء النزاع المسلح، والجهات المهتمة بقضايا حماية التراث الثقافي.

أعلن رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة محمد خليفة المبارك، عن إنشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي في مناطق الصراع تبلغ قيمته 100 مليون دولار، لدعم عمليات تمويل التراث الثقافي وترميمه، وإنشاء شبكة دولية للملاذات الآمنة لحماية الممتلكات الثقافية المهددة بالخطر والمحافظة عليها، وذلك ضمن مبادرة عالمية، تطرحها دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا تحت رعاية اليونيسكو، لحماية التراث الثقافي المهدد بالخطر، وسيختتم أعماله اليوم «السبت» بإعلان «ميثاق أبوظبي» الذي يهدف إلى ايجاد وسائل عملية للحفاظ على التراث الثقافي. وأشار المبارك إلى أن إطلاق هذه المبادرة بقيادة كل من دولة الإمارات وفرنسا يشير إلى عمق العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، لافتاً إلى أن العالم اليوم أمام منعطف تاريخي يحتاج فيه إلى التعاون لحفظ تراث وثقافة الدول والشعوب، وأضاف: «هذه المبادرة ستسهم في تغيير مسار التاريخ، وتؤكد التزامنا بالمستقبل».

وقال المبارك إن المجتمع الدولي حالياً لا يمتلك الوسائل الكافية لمكافحة الاعتداء على التراث الثقافي وتدميره، وما يحدث في العالم اليوم في مواقع مثل سورية والعراق ومالي يثير مخاوف دولية مشروعة. في المقابل، اشار إلى حرص قادة الإمارات على تأسيس المتاحف وإطلاق حملات التنقيب عن الآثار في مختلف أرجاء الدولة لاكتشاف تاريخ الأرض وتاريخ الأجداد. مضيفاً: «تعلمنا حب التراث من الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ونتبنى اليوم منهجه».

فهم مشترك

وشدد رئيس معهد العالم العربي في فرنسا جاك لانغ في كلمته على عمق العلاقات التي تربط دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا، والفهم المشترك للعديد من القضايا على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي. وأضاف: «تنظر كل من دولة الإمارات وفرنسا إلى قضية التراث الثقافي باعتباره حجر الأساس لبناء علاقات دولية متينة، ونحن بدورنا ننظر إلى كلا البلدين كشركاء في مجال حماية التراث الثقافي في أوقات النزاعات العنيفة». مشيداً بجهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ودولة الإمارات العربية المتحدة في مجال حماية وحفظ التراث.

ودعا لانغ المشاركين إلى العمل جميعاً من أجل تحريك المجتمع الدولي على المستويين الرسمي والمجتمعي لمواجهة التحديات في هذا المجال، والدفع بجهود حماية التراث الثقافي وترميمه في المناطق التي تهددها الصراعات المسلحة والأنشطة الإرهابية.

وأشار إلى أن دولة الإمارات تعتبر مثالاً يحتذى به في هذا المجال، «فقد نجحت دولة الإمارات بقيادتها الرشيدة، بدءاً من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في تمهيد الطريق أمام وضع وتنفيذ حلول فاعلة، وأود أن أؤكد مجدداً شكري لدولة الإمارات على قيادتها لهذه المبادرة». وأكدت المدير العام لليونيسكو إيرينا بوكوفا، أهمية المؤتمر والضرورة الملحة لاتخاذ إجراءات فاعلة وعملية. موضحة أن التراث الثقافي الذي يتعرض للدمار في منطقة الشرق الأوسط حالياً قد طالت تبعاته المجتمع الدولي، وأن منظمة اليونيسكو قد بدأت فعلياً في التحرك على نطاق عالمي من أجل حماية التراث الإنساني في مناطق الصراعات. مشددة على أن حماية التراث لا يجب أن تنفصل عن حماية حياة البشر، ولا يمكن أن ننتظر أكثر من ذلك، ومن هنا سنعمل معاً على وضع أسس ثقافية جديدة، وتوجه عالمي لحماية الثقافة والسلم والأمن الدوليين.

تعاون مجتمعي

وأكد المشاركون في المؤتمر، أهمية توافر إرادة سياسية ودعم مادي لدعم الجهود التي تبذها المنظمات والمؤسسات الدولية، من أجل حماية التراث الثقافي في مناطق النزاعات والصراعات. لافتين إلى أهمية نشر الوعي بين المواطنين في مختلف الدولة بأهمية التراث الثقافي باعتباره ذاكرة مجتمعهم وملكاً لهم، «فالإنسان لا يدمر ما يؤمن بأنه ملك له ولا يسمح لأحد بتدمير هذا التراث».

وأكد رئيس برنامج «ذاكرة العالم» التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو» والمدير التنفيذي للأرشيف الوطني لدولة الإمارات عبدالله الريسي، على أهمية التوثيق للحفاظ على ذاكرة العالم وارثه الثقافي من الضياع والاندثار، وأن هناك الكثير من المجتمعات اضاعت بوصلتها إلى المستقبل عندما فقدت ذاكرتها. مشيراً إلى ان جهود الحفظ والتوثيق تواجه تحديات عدة من بينها التهديدات مثل الكوارث الطبيعية والنزاعات.

واعتبرت رئيس المجلس الدولي للمتاحف «إيكوم» سواي اكسوي، أنه رغم اهمية الملاذات الآمنة لحماية الآثار المهددة في مناطق الصراعات؛ الا أن هناك بدائل أخرى. لافتة إلى أن هناك عنصراً مفقوداً لم يتم التركيز عليه في جهود حماية التراث الثقافي، وهو السكان المحليون في تلك المناطق، حيث دعت إلى تدريب هؤلاء السكان لخلق حالة من التوحد بينهم وبين تراثهم، بتوعيتهم بأن عمليات تدمير التراث والمواقع التاريخية هي عملية إفراغ للذاكرة الإنسانية من محتواها، بما يحفزهم على حماية ممتلكاتهم. كما طالبت بتعليم الأطفال كيفية احترام الآثار والحفاظ عليها وحمايتها.

واستعرض عدد من المشاركين تجارب المنظمات والجهات التي يتبعونها في حماية التراث الثقافي، فتحدث وزير الثقافة السابق في تونس أمين عام اللجنة العلمية الدائمة لحماية وتطوير موقع «أنكغور» التاريخي عزالدين باش شاويش، عن جهود اليونيسكو في هذا المجال، وتحول مناطق صراع إلى مناطق سلام. وعرض الممثل الإقليمي للمركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية «إيكروم» في الدوحة زكي أصلان، دور المركز الذي كان انشاؤه في عام 1965 لحظة فارقة في جهود حماية التراث الثقافي بعد الحرب العالمية الثانية. لافتاً إلى ان المركز نجح في انشاء منهجية ابداعية للتعاطي مع المواقع الأثرية في مناطق النزاعات المطولة. من ناحيته، استعرض مدير المتحف الوطني في مالي الدكتور صامويل سيديبي جهود بلده بالتعاون مع المنظمات الدولية، خصوصاً اليونيسكو لحماية المواقع الأثرية ومقتنيات المتحف خلال فترة احتلال القوات المسلحة لهذه المناطق. وقال خبير التراث الثقافي منير بوشناقي، إن الإسلام دفع الثمن باهظاً لهذه الأعمال التدميرية البربرية التي قامت بها الجماعات الإرهابية، مثل تدمير تمثالي بوذا وتدمر، وهي الأعمال التي اجمع الفقهاء على أنها لا تمثل الدين الإسلامي.

وتحدث مدير متحف المتروبوليتان توماس كامبل افتقاد خبراء الآثار في الشرق الأوسط للمعدات الأساسية لتوثيق المواقع الأثرية.

الجلسة النقاشية الثانية، التي أدارها الدكتور ريتشارد كورين، وكيل المتاحف والأبحاث بمعهد سميثسونيان، وجمعت بين الديوما ياتارا، مدير متحف الساحل في جاو (مالي)، والعقيد فابريزيو بارولي، قائد شرطة حماية التراث الثقافي، إيطاليا، ورئيس الوحدة العربية في مركز التراث العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) ندى الحسن، والرئيس التنفيذي لشركة (إيكونيم) إيف أبلمان، ورورايما أندرياني، مديرة إدارة مكافحة الجريمة المنظمة والناشئة، منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول)، برئاسة السيد جان لوك مارتينيز، رئيس ومدير متحف اللوفر.

اليوم الأول

اختتم جدول اليوم الأول بجلسة نقاشية ترأسها أليماتا سالامبيريه، وزير الثقافة السابق في بوركينا فاسو، وجمعت كلاً من السيد ماساكي مياساكو، رئيس اللجنة اليابانية لحماية الممتلكات الثقافية المنقولة، وهالي عثمان، رئيس بلدية تمبكتو، مع المهندس المعماري تييري جوفري من شركة CRATerre، وسنيسكا كادفيلج ميهالوفيتش، الأمين العام لمؤسسة يوروبا نوسترا، والدكتور فريدريك فليس، رئيس معهد الآثار في ألمانيا، والدكتور مايكل دانتي، من المدرسة الأميركية للأبحاث الشرقية. وعقدت الجلسة بإدارة فرانشيسكو باندارين، مساعد المدير العام للثقافة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والفنون (اليونيسكو).

تويتر