«جرائم المستقبل» والوجه المعتم للعالم الافتراضي وهشاشة شاشات تدير حياتنا

«الأجهزة المباركة».. هل تطعن الجميع في الظهر

صورة

الفتى «عبقرينو»، المحاط بشاشات ذكية وشبكة توصيلات وعلب الكولا الفارغة وأعقاب السجائر، والقادر على اختراق البيانات السرية أو سرقة بعض الحسابات؛ لم يعد بتلك «البراءة» التي صورته بها بعض الأعمال الهوليوودية.. إذ صار قراصنة منظمين في جهات العالم الأربع، ودولاً مارقة، ومحاربين بالوكالة وإرهابيين يحاولون تسخير كل ما أنتجته التقنية لنشر الخراب، لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.. كما يبرز صاحب كتاب «جرائم المستقبل.. كل شيء متصل وما من أحد حصين، فما عسانا نفعل؟» مارك غودمان.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/06/70934_EY_01-06-2016_p30-p31-1.jpg

• عنوان الكتاب: جرائم المستقبل.. كل شيء متصل وما من أحد حصين، فما عسانا نفعل؟

• المؤلف: مارك غودمان.

• ترجمة: أحمد حيدر، مراجعة وتحرير مركز التعريب والترجمة.

• الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون.

• عدد الصفحات: 559.

المؤلف.. الشرطي التقني

عمل مارك غودمان مع شرطة لوس أنجلوس، والـ«إف.بي.أي»، والاستخبارات الأميركية و«الإنتربول». وغادر القطاع الحكومي وانتقل إلى وادي السيليكون، لكي يستزيد علماً حول ما هو قادم، على حد تعبيره: «انغمست في وسط المبدعين التقنيين، لكي أتفحص أثر آخر اكتشافاتهم العلمية على المواطن العادي»، مضيفاً «تجربتي الشخصية في تكبيل المجرمين بالأصفاد، والعمل مع قوات الشرطة في أكثر من 70 بلداً، خلفا لديَّ وجهة نظر حول إساءة الاستخدام المحتملة للتقانات الناشئة، التي غالباً يرحب الأبرياء في كل مكان بدخولها إلى حياتهم اليومية دون مساءلة. لهذه الغاية، أسست معهد جرائم المستقبل، حيث كان الهدف هو استغلال تجاربي الخاصة كشرطي ميداني ومحقق ومحلل دولي لمكافحة الإرهاب».

140

مليون حساب من مجموع 1.3 مليار مستخدم، على موقع «فيس بوك»، هي حسابات مخترعة، وفقاً لتقرير عام 2014.

90 %

من كلمات السر يمكن فكها وكسرها خلال ساعات فقط، ومنظمات الجريمة؛ مثل سايبر فور الروسية جمعت أكثر من 1.2 مليار اسم مستخدم وكلمة سر، يمكن استخدامها لفتح الحسابات عند رغبتها.

يبرز المؤلف الوجه المعتم للعالم الافتراضي، وهشاشة الشاشات التي تدير حياتنا، وشرور الهواتف الذكية التي وصفها الراحل ستيف غوبز بالأجهزة المباركة، وكذلك «خبث» محركات البحث ومواقع التواصل التي لا تمنح أحداً شيئاً مجاناً، فلكل مستخدم ثمن تحدده عقود المعلنين، لذا يطالب مارك غودمان بقليل من الشك في الإيمان بالشاشة، وببعض الحذر من التقنية، وأن ينتبه المستخدم (فرداً كان أم جهة أم حتى دولة) إلى كل تلك التقنيات، ولا يعني ذلك أنه يريد أن يحول الجميع إلى مبرمجين ومهندسي اتصالات ومتخصصين في علوم المستقبل، بل ينبه إلى ضرورة توافر الحد الأدنى من العلم بما نحمله في جيوبنا أو بين أيدينا، حتى لا تأتينا الطعنة من الظهر على حد تعبيره.داعياً إلى معرفة كيفية حماية التقنية، مسلحين ببعض المعرفة.

الحكاية أعقد

لا يخفي صاحب الكتاب (الذي بدأ حياته المهنية شرطياً في لوس أنجلوس، وتنقل بين جهات عدة، وعباقرة وادي السيليكون) أن الهاجس الأمني يسيطر عليه، وأن المخاوف من المهووسين بالتكنولوجيا، هي شغله الشاغل؛ لأن الحكاية أعقد من مجرد تحصين هاتفك بكلمة سر صعبة، أو تأمين حاسبك الشخصي بأحدث برنامج لمكافحة الفيروسات، فبياناتنا المالية وهوياتنا وصور أطفالنا وشبكات الطاقة كلها عرضة للخطر، معتبراً أنه مازالت هناك «مطبات لا يستهان بها تنتظرنا على الطريق، وهي مطبات لم ترصد لها الحكومة أو الصناعة ما يكفي من الموارد لمعالجتها أو محاربتها، فإنني أميل إلى الإيمان باليوتوبيا التقنية التي وعدنا بها وادي السيليكون. هذا الكتاب هو قصة المجتمع الذي نبنيه بأدواتنا التقنية، وهو يروي كيف يمكن أن تستخدم هذه الأدوات بالذات ضدنا، فكلما وصلنا أجهزتنا وأجزاء من حياتنا بشبكة المعلومات العالمية؛ سواء عبر الهواتف النقالة أو الشبكات الاجتماعية، وسواء كانت المصاعد أو السيارات الذاتية القيادة، قل تحصيننا أمام أولئك الذين يعرفون كيف تعمل التقانات المستخدمة، وكيف يستغلونها لمصلحتهم، أو للإضرار بالمواطن العادي. باختصار، حينما يصبح كل شيء متصلاً، يصبح الجميع أقل حصانة».

ويشدد المؤلف على ضرورة إعداد خطة احتياطية للبشرية في عالم التواصل الشبكي، بعدما اعتمدت الحياة كلها على الحواسب، ويعترف بأنه للأسف ما من خطة حاضرة.

جواسيس رقمية

ورغم تشبيه مارك غودمان الهواتف بأنها جواسيس رقمية في الجيوب؛ وتركيزه منذ البداية على الجانب المجهول من عالم الإنترنت والتقنية بشكل عام، إلا أنه يعدّد حسنات التواصل الشبكي، وينفي عن نفسه أن يكون داعية إلى تحطيم الأجهزة والمشي عكس السير، بل يعتبر نفسه أقرب إلى المتفائل، بل ربما إلى المتفائل المتهور: «يمكنك اليوم تفعيل مشغل الفيديو الرقمي وأنت على الطريق السريع، وتشغيل السيارة من غرفة المعيشة، وتستطيع الطابعات الثلاثية الأبعاد إخراج قطع السيارات والملابس ومواد البناء، بينما مضخات الأنسولين وأجهزة النبض، وأجهزة ضبط الرعشان القلبي المزروعة، تتصل بالإنترنت وتنقل إلى طبيبك بالزمن الحقيقي بيانات قد تنقذ حياتك. بل بإمكان الأطباء إجراء عمليات جراحية عابرة للأطلسي بواسطة الروبوتات الجراحية الوكيلة، ليصل الجراحون إلى قرى لم يسبق لأحد أن زارها من قبل. وبإمكان البشر اليوم أن يتحكموا بأشياء على الطرف الآخر من الكوكب بطرق كانت في ما مضى ستعتبر مستحيلة لا يمكن تخيلها».

ويرى أنه «لا يمكن إعادة جني التقنية إلى قمقمه»، ولكن ينبغي السيطرة عليه وترويضه، ومعرفة خططنا لو امتلك ذلك المارد أعداء الحياة، وحاولوا السيطرة على «سياراتنا وعلى نظم المواقع الجغرافية والأجهزة الطبية المزروعة وأجهزة التلفاز والمصاعد والعدادات الذكية وأجهزة مراقبة الأطفال وخطوط التجميع»، في عالم تدير فيه الحواسب جميع نظمنا وبنانا التحتية.

ويؤكد المؤلف أنه «ليست الخلاصة بالطبع أن التقانة شريرة، فالنار، وهي التقانة الأصلية، يمكن استخدامها لتدفئتنا ولطبخ طعامنا أو لحرق القرية المجاورة. وقد يحمل السكين جراح أو قاتل. وفي يد أولئك ذوي النيات الحسنة ستأتي تقاناتنا السريعة التطور على العالم بازدهار هائل. أما بين يدي انتحاري فيبدو المستقبل مختلفاً تماماً».

يخلص المؤلف، أو بالأحرى يعيد القول دوماً، إلى أن الأشياء الصغيرة تأتي بمخاطر كبيرة جداً، محاولاً وصف سبيل النجاة من وجهة نظره، ومن خلال خبراته الطويلة - أمنياً وتقنياً - يضع ما يشبه خريطة طريق للسلامة في زخم التقدم، وحتى يسيطر الطيبون والخيرون، وليس سواهم، على الأجهزة التي «رحبنا بها في منازلنا ومكاتبناومدننا، بل في أجسادنا».

ويرى أن من بين سبل النجاة لحماية مستقبلنا؛ الابتعاد عن البرمجيات الرديئة، التي تنهار ببضع ضربات على لوحة المفاتيح، وينصح بـ«توجيه الحوافز باتجاه ضمان التشديد على الحاجة الملحة لأمن الحوسبة»، وضرورة تقليص تضخم البيانات، واستعادة الخصوصية، وألا يختار «معظم مستخدمي الإنترنت طواعية أن يشاركوا بعض التفاصيل الأكثر حميمية في حياتهم عبر الشبكات الاجتماعية»، داعياً إلى حماية البيانات وتقديس الخصوصية، وكذلك تعميم التشفير لأن معظم البيانات اليوم ضعيفة الحماية، وسهلة القراءة.

كما يشدد المؤلف على ضرورة محو «الأمية التقنية»، في عالمنا الذي يعج بالهواتف والحواسب والأجهزة القابلة للارتداء والشرائح، بينما لا تتوافر سوى لقلة من البشر فكرة عن الطبيعة الفعلية لعمل هذه الأجهزة.

تويتر