معرض لأبوالنجا وديبا في «موجو» بدبي

«ذاكرة منتـــهكة».. حوار فني بين شمال إفـريقـيا وغربها

صورة

تتجاور أعمال الفنان المصري محمد أبوالنجا مع أعمال السنغالي فييه ديبا، تحت عنوان «ذاكرة منتهكة»، حيث يقدم كل منهما ما تحمله الذاكرة من هموم وهواجس، وكذلك قضايا تعلق على «الكانفاس»، لتشكل ما يشبه التنقيب في الماضي، لتعكس صورة تكون شديدة الالتصاق بالحاضر. يأتي كل منهما من القارة الإفريقية ليعكس واقعه بأسلوبه الخاص، عبر تقنيات وأدوات مختلفة، وكذلك وفق منهجية مغايرة، بحيث نجد التقشف في اللون عند أبوالنجا، بينما يستعين الآخر بالكثير من المواد لتكثيف اللغة البصرية، الأمر الذي يعزز الحوار بين الأسلوبين في المعرض الذي افتتح، أخيراً، في «موجو غاليري» بدبي.

فييه ديبا
ولد الفنان السنغالي فييه ديبا عام 1954، وهو يدرّس الفن في الجامعة منذ 25 سنة. تلقى علومه الأولى في الفن بالمدرسة، ثم تابع بعض الدراسات الفنية في روما. يتوجه إلى البيئة ليستلهم منها أعماله، ويأخذ من موادها بشكل أساسي. قدم مجموعة من المعارض الفردية في بلده، كما كانت له مشاركات في مجموعة من البيناليات، إلى جانب مشاركات في معارض جماعية بمصر والبرتغال وإيطاليا والمكسيك، وأميركا وإسبانيا والأردن. نال مجموعة من الجوائز الفنية في أميركا والسنغال وفرنسا.

محمد أبوالنجا
ولد الفنان محمد أبوالنجا في مصر عام 1960، وتخصص في الفن التشكيلي، وهو بروفيسور يدرس الفن، كما أنه يعمل كقيّم على مجموعة من المعارض، إلى جانب عمله كقيم في مركز قطر للفن البصري بالدوحة. ويعد أبوالنجا الفنان الشرق أوسطي، الذي حاز فرصة دراسة فن الورق من المنظمة اليابانية. تستلهم معارضه من التاريخ، وتنطلق منه إلى الحاضر. قدم مجموعة من المعارض الفردية بين مصر وتركيا واليابان، وإيطاليا، والأردن والكويت وسويسرا. له أعمال في أكثر من متحف، منها متحف الفن المعاصر في القاهرة، والمتحف الوطني في الأردن، وغيرهما. وحاز مجموعة من الجوائز، كانت آخرها من إحدى الجامعات في الأردن.

يأتي المعرض في إطار التزام الصالة باكتشاف وعرض الفن المعاصر من إفريقيا، وتسليط الضوء على علاقته وتأثيره وإسهاماته في اللغة العالمية الفنية، لذلك جاء اختيار الفنانين بعد سلسلة من المعارض جمعت فنانين من الشرق الأوسط مع فنانين من القارة السمراء. ويحمل المعرض، الذي يستمر حتى نهاية أبريل، أعمالاً مستمدة من الذاكرة بشكل رئيس، حيث يستخدم الفنان السنغالي فييه ديبا المواد الخام والمعدلة والمعاد تدويرها، فيقودنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات حول القضايا الاجتماعية والبيئية، من خلال اللوحات التي تتضمن البلاستيك والأقمشة المستهلكة سابقاً. ويعمل ديبا على الذاكرة، فتبدو كما لو أنها آلة تسجيلية تلتقط من أدوات الماضي، وكل ما يحتويه، ثم يعيد استخدامها لتكون ذاكرة بصرية حية، تمنح العمل خاصية البناء، لاسيما أن تكوينه للعمل يعتمد على القطع البارزة على «الكانفاس»، فتصبح اللوحة ثلاثية الأبعاد. يضع الأقمشة وينسج من مزجها على «الكانفاس» مع اللون حكايات لا تبتعد عن صياغة اللون، فتبدو الأقمشة المقطعة كأنها مساحات لونية، ما يجعل خاصية التناقض في الشكل الظاهر والحقيقي سمة ملصقة بلوحاته. ويمكن تقسيم أعمال ديبا من خلال تنفيذها إلى أربعة أقسام، وهي: الرسم، والحياكة، والتجميع، والتركيب. وتجتمع هذه التقنيات لتوجد عملاً غير مألوف، بحيث يصعب على المتلقي فصل التقنيات ضمنه، كأنه يعمل على إنتاج وترسيخ أسلوب جديد في البناء الفني يجمع بين ما ذكر سابقاً من أدوات دون فصلها عن بعضها بعضاً، وكذلك دون إظهار كيفية امتزاجها.

أما الفنان المصري محمد أبوالنجا، فتحمل أعماله خاصية الورق المصنوع يدوياً، ويستخدمها مضيفاً إليها سلسلة من الخطابات السياسية. يعكس أبوالنجا الحياة الدينية والسياسية، من خلال شجرة الزيتون التي تعد من الأشجار المميزة، كونها معمرة وتعيش فترة طويلة، وكذلك تثمر بطريقة طبيعية، كما أنها ذات علاقة حميمة بالثقافة العربية والإسلامية. يقدم أبوالنجا ذاكرة الشجرة، ثم ينتقل منها إلى ذاكرة الحيوان، فيجيد وصف الحالة الإنسانية للأخير، حيث يضع الشجر شاهداً على الأحداث التي تطال مجتمعنا، ثم يضع الحيوانات في حالة من الحزن، كأنها خارج الذاكرة. يعيدنا إلى البدائية الأولى وإلى حالة الصراع من خلال الحيوانات، فنجد الحيوانات التي يصورها، منها: الجاموس، والقطة، بحالة من الاشتباك، ثم لا يلبث أن يضعها بحالة بكاء نتيجة الألم الذي يثقل الذاكرة. يستعرض من خلال الرمزية واقعنا السياسي، ولكن بالعودة إلى أصل الحياة، يجرنا إلى التفكير في كل ما يحدث في العصر الحالي، من تشتت ونزاع بين الطوائف المتعددة، أو حتى الجنسيات والثقافات، فينبذ من خلال الرمزية أحادية التفكير، ليسجل موقفاً تجاهها ويدعو إلى التوحد ضمن نطاق الإنسانية.
أبوالنجا أكد، لـ«الإمارات اليوم»، أنه استخدم أوراقاً ابتكرها بنفسه من خلال مواد خاصة، كما أنه منح الأوراق تأثير الأشجارالمحروقة، من خلال معالجة لونية خاصة. ولفت إلى أنه يسعى إلى إيصال رسالة مهمة تقوم على احترام الثقافات المختلفة، فالأرض تحمل الشجر والحيوانات، ويجب ألا تفرق بين البشر أو مختلف الكائنات، فهي تجمعنا. وأشار أبوالنجا إلى أن العلاقة الحميمة مع الأرض والحيوانات تتفتت مع الوقت، كأن هناك حالة فقد للإنسانية، فهناك حالة طمع بسيطرة الثقافة الواحدة واللون الواحد، علماً بأن الحياة مليئة بالتنوع، منوهاً بأن الفنان لديه همّ، وهذا ما يجب أن يعرضه وليس الأسلوب. وأشار إلى أن التجربة مع الفنان السنغالي نتاج علاقة ودية، بدأت منذ أكثر من 10 سنوات، مشيراً إلى التخاطب والتواصل في الرؤية، من خلال المواد التي تنتمي إلى البيئة، ومنها القطن.

وإلى جانب العمل الفني، يعمل أبوالنجا كقيم على العديد من المعارض، وحول هذا العمل قال: إن «العمل كقيم على معارض أخرى أقوم به بشكل موضوعي، وأكون محايداً في عرض الجانب الآخر، فأعرض المفهوم الآخر الذي لا أرسمه، فأكمل الجانب الثقافي لرؤيتي، وأطرح وجهة نظر وتوجهاً إنسانياً وسياسياً وفنياً». ولفت إلى أن هذا المعرض هو الثاني في دبي، وأنها منصة مهمة لكل فنان، لاسيما أن الإمارات تتسع لأشكال متعددة في عرض الفن، فدبي تستقطب المعارض العالمية، بينما الشارقة لها توجه عربي إسلامي، في حين تحمل أبوظبي التوجه المتحفي، الأمر الذي يوجد حالة خاصة في السوق الفنية، وهي غير موجودة في أي بلد آخر في الشرق الأوسط.
في الختام، يبقى التأكيد على أن التداخل في المعرض بين هذين النهجين الفنيين يتيح فرصة مذهلة للمشاركة في حوار بين فنان يتحدث العربية من شمال إفريقيا، وآخر يتحدث الفرنسية من غربها، والهدف يكمن في اكتشاف دور الفن المعاصر في سد الفجوة بين الثقافات المتنوعة في عالم بات مجزأ على نحو متزايد.

تويتر