الكاتب الروسي رحل عن 78 عاماً إلا يوماً

راسبوتين.. مُدافع عن الكلمة والأرض

في قرية على نهر أنغارا بمقاطعة أركوتسك في سيبيريا، وفي تاريخ يصادف 15 مارس، ولد الكاتب الروسي فالنتين غريغوريفيتش راسبوتين، وبين تاريخَي الميلاد والوفاة 78 عاماً إلا يوماً، إذ رحل راسبوتين في 14 الجاري، بعد أن ترك ثروة أدبية جعلته واحداً من أهم الكتاب في بلاده، لينضم إلى سلسلة من المبدعين الذين تخطوا حدود روسيا، وطافت كلماتهم الواقعية الشرق والغرب.

في أقاصي روسيا، حيث سيبيريا، التي كانت منفى للمعارضين، رأى راسبوتين النور، ليعيش طفولة يتيمة، بعدما حُرم من الأب الذي اعتقل وقضى نحبه في السجون، لكن الصبي تعلّق بموطنه وتقاليده، واختزن انطباعات النشأة الأولى، ونقشت في وجدانه حكايات الجدة، لتظهر بعد ذلك في قصصه الأولى التي لفتت نقاداً رأوا في قلم صاحبها بشارة، وفتحاً جديداً لأدب دستويفسكي وغوغول وتولستوي وتشيخوف.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

راسبوتين الذي نعاه وعزّى أسرته الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بدأ حياته مراسلاً صحافياً، بعدا أنهى دراسته الجامعية في جامعة أركوتسك بكلية الآداب والتاريخ، وأعلن عن قلمه الأدبي عبر أولى مجموعاته القصصية التي كانت بعنوان «نسيت أن أسأل ليوشكا» في عام 1961.

بين الأدب والسياسة والدفاع عن «أمنا الأرض»، عاش راسبوتين، إذ إنه كان أحد المدافعين بضراوة عن البيئة، خصوصاً كنوز وموارد سيبيريا، وعلى رأسها بحيرة بايكال، إذ هبط إليها وهو شيخ سبعيني في غواصة، كما ذكر الكاتب عبدالرحمن الخميسي، ملقياً بعدها إحدى خطبه واصفاً ما رآه فيها: «شاهدت على عمق 500 متر حياة مذهلة لم يتعرف إليها العلم بالكامل بعد، لكنها حياة غنية، لا مثيل لها في الأعماق القريبة، ولا على سطح الأرض».

لم يكن ذلك جديداً على راسبوتين الذي ألّف من قبل أكثر من كتاب يخلد تلك الجماليات السيبيرية، ويطالب بالاهتمام بها، ومن بينها كتب مبكرة على رأسها «مصيري سيبيريا» (1969)، و«ذكريات عن نهر» (1971)، إذ نشأ فالنتين راسبوتين في قرية على ضفاف نهر أنغارا، ذلك النهر الذي يطالع القارئ في رواية راسبوتين الأشهر، وهي «وداعاً ماتيورا» التي تحتفي بالذاكرة القروية، وتبرز تلك العوالم، وتحذر من زوالها.

توالت إصدارات راسبوتين بعد ذلك؛ إذ ظهرت مجموعته الثانية «إنسان من العالم الآخر» عام 1965، وصدرت له ثلاثة كتب تضم مقالات عن سيبيريا وحياة الجيولوجيين وعمال البناء. حاز راسبواتين صيتاً كبيراً بعد روايته الأولى التي كانت بعنوان «نقود لماريا» عام 1967، وتوالت أعماله الروائية «المهلة الأخيرة» (1970)، و«عش وتذكر» (1974)، و«وداع ماتيورا»، والأخيرة تحديداً منحته جائزة الدولة في بلاده، وجعلته واحداً من أهم الكتاب الروس الذين يخلدون القرية، ويكتبون عن ناسها المنسيين وعوالمها القصية.

رغم الاختلافات الكبيرة بينهما سياسياً؛ هنأه الرئيس الروسي السابق، بوريس يلتسين، عام 1997 في برقية: «أنتم أكبر كاتب روسي، واسمكم مكتوب بحق في تاريخ الأدب الروسي والعالمي. وقد أصبحت أعمالكم الأولى حدثاً في الحياة الثقافية والاجتماعية للدولة، إنكم بشجاعة وبصوت ينذر بالخطر قد تحدثتم عن أصعب قضايا حياتنا. والقراء يجدون في أبطال أعمالكم أفضل ملامح وصفات الطابع القومي الروسي ــ قوة الروح والكبرياء والضمير. وأنا أعرفكم كإنسان محب لروسيا. وبصرف النظر عن اختلاف وجهات نظرنا، إلا أنني أنظر باحترام بالغ إلى أعمالكم الإبداعية وإليكم شخصياً».

«المهلة الأخيرة» من روايات راسبوتين التي ترجمت إلى العربية (عام 2000 عن المركز القومي للترجمة في مصر، وترجمها الدكتور أشرف الصباغ) وتختصر الرواية روح شخصيات راسبوتين وفلسفته وكيفية بنائه لأعماله القصصية، فثمة أمّ تحتضر في أقاصي البلاد، سيبيريا، بينما أبناؤها متفرقون في أنحاء مختلفة، يراسلهم الابن الأصغر، من أجل العودة، والمشاركة في وداع الأم، لكن حينما يأتي الأبناء، تدب الحياة من جديد، لتتذكر حياتها، ولا يلبث الأبناء أن يعودوا إلى أماكنهم البعيدة، وفي تلك اللحظة تحديداً، تودع الأم في نهاية مفتوحة، لا يعرف القارئ هل عادوا للمشاركة في جنازة الأم، أم تركوها كما عادتهم منذ زمن. رأى نقاد في بطلات راسبوتين العجائز، والشخصيات التي ينهشها المرض بضراوة، إسقاطاً ما على واقع بلاده، والحالة الروسية، كما أشار المترجم أشرف الصباغ الذي نقل أكثر من عمل لراسبوتين، وكانت له مع الراحل حوارات، مضيفاً أن «المرض يأخذ عند راسبوتين أشكالاً كثيرة.. المدهش أن مجمل هذه الحالات تم توصيفها جميعاً بأنها حالة روسيا الفعلية وحالة المجتمع الروسي في الأزمة».

تويتر