معرض استعادي للسعودي فيصل سمرة في «غاليري أيام» بدبي

«39».. قضايا الناس من اللون إلى الفيديو

صورة

تُعد تجربة الفنان السعودي فيصل سمرة، واحدة من التجارب الفنية الأبرز في السعودية، حيث قدم خلال مسيرته الفنية الكثير من الأعمال التجريبية التي استخدم خلالها العديد من الوسائط الفنية. يقدم «غاليري أيام» في دبي معرضاً استعادياً للفنان تحت عنوان «39»، يبرز فيه أعماله، وكيف تطور منهجه في تعاطيه مع اللون والكاميرا والأعمال التركيبية. من المعلقات والرسوم التي تحمل الكثير من الحركة الى الفيديو والتركيب، وعمله الأخير بعنوان «الربيع العربي»، حيث يبرز هذا المعرض حكاية فنان أعماله تبحث في قضايا الناس، وتتحرر من السياق الزمني لتكون حاضرة في كل زمن وصالحة لكل وقت.

فالفنان السعودي يتحرر من خاصية الزمان، ليقدم أفكاره ويعبر عن القضايا التي تكسر قيود الوقت، وتتحرر منه، فتتحدث عن المستقبل والماضي والحاضر، يبرز هذا كثيراً في اعمال الفيديو، ومنها «البقاء على قيد الحياة»، الذي يحاول من خلاله ابراز معاناة امرأة إفريقية وصراعها مع المرض على سرير المستشفى. هذا العمل الذي قدمه سمرة منذ سنوات، يبدو حديثاً ولاسيما مع ظهور «ايبولا» أخيراً، فتحاول المرأة التشبث بحياتها بعدما تبدو أنها تستسلم وتحاول الانتحار.

هذه القوة الموجودة في المرأة تتواصل في أعمال سمرة، سواء التي يبرز فيها التحدي، أو الأمل في التغيير أو حتى المستقبل الذي يصوره من خلال الجيل الصغير. أعمال سمرة متميزة في كونها تبرز للناس الحكايات التي يحرص على تضمينها في العمل، فالقضايا الخاصة بالناس مهما كانت صغيرة أو كبيرة نجدها حاضرة في اعماله. أما الأحداث السياسية فهي من القضايا التي رافقت سمرة عبر العديد من أعماله، ومن بينها العمل الخاص بالكرسي وتهديمه وإعادة بنائه، وكذلك العمل الأخير بعنوان «الربيع العربي»، الذي يبرز من خلاله موقفه من احداث العالم العربي، حيث صور ألوان الأعلام العربية عبر الأحمر والأخضر والأسود والأبيض من خلال بالونات كبيرة، وكل بالون مركز على قبر، لتبدو كأنها مقبرة جماعية.

وقال سمرة عن معرضه الذي يستمر حتى 10 يناير، «هو معرض استيعادي وأفضل أن اسميه اختياري، حيث اخترت بعض الأعمال القديمة التي تغطي أهم المراحل في عملي الى اليوم، وقد اخترت الرسوم والتخطيطات التي تعود لأيام الدراسة، وأعمالا أنجزتها في المراحل الأولى من حياتي الفنية كالمعلقات والجسد الآخر، الى جانب الشبك والرؤوس المجموعة». ولفت الى أنه حين يعمل، يختار مشروعاً وينفذه من خلال أكثر من عمل، حتى يرى أنه انتهى، ثم يتحول الى مفهوم آخر هو يحدد الخامة والشكل الفني، وقد توجه مثلا الى الفيديو آرت لأن المضامين تغيرت، كما أن القضايا التي تحدث عنها كانت تحتاج الى هذه الأدوات، ومنها عمل «مواطن عالم ثالث».

ولفت الى أن أبرز ما يميز عمله، هو أنه يقوم بتنفيذ المفهوم بشكل مكثف ومن دون ثرثرة، فالوسائل المتعددة تختصر عليه الكلام. ورأى أنه من الضروري تقديم معرض استيعادي، يجمع أعمالاً من أزمان مختلفة، لأنه من الضروري أن يتعرف الجمهور الجديد إلى العمل في ذلك الوقت، والمعرض يعطي الجمهور فكرة عن ترابط الأعمال، فيرى العلاقة والبحث المستمر وكيف بنيت الأعمال. واعتبر سمرة أن التحدي الأساسي للفنان، هو كيف يعالج موضوعات مختلفة، وفي الوقت نفسه يحافظ على شخصيته، تماماً كما الممثل يقوم بأدوار مختلفة ولكن يؤديها بروحه، وهذا فيه تحدٍ، اذ يبرز كيف يبقى الفنان على حاله ولكنه يتغير.

وحول التأثيرات الشرقية والغربية، قال سمرة «أستخدم تجربتي ومخزوني وتراكماتي، ففي العمل لا يمكننا أن نقوم بخانات، فكل التأثرات تتراكم وتهضم ثم تخرج بلغة عالمية، مشدداً على أن الفنان حين يستخدم وسائل متطورة وحديثة لا يعني أنه ينتمي الى الغرب، فكل الثقافات العالمية اندمجت مع بعضها بعضاً، والفنان هو من يصهر الثقافات ويخرجها بشكل آخر».

أما الفن المفاهيمي، فلفت سمرة الى انه يعاني سوء الفهم، فهناك اعتقاد أن العمل على الفيديو أو التركيب هو الفن المفاهيمي، ولكن في الواقع اللوحة يمكنها أن تكون ضمن الفن المفاهيمي، فالمنمنمات القديمة، وكذلك هناك أعمال لمايكل انجلو وليوناردو دافنشي كانت مفاهيمية، فقدموا لوحات تحمل خلفها موضوعاً ومفهوماً، ولكن مع تطور الوقت تطورت الوسائل والأدوات للمفاهيمية، لذا دخلت الوسائل الثانية لتنفيذ الأعمال. وأشار الى وجود تحسس من المفاهيمي، واعتباره للغرب فقط، علماً انه كلام مغلوط تماماً، ولكن لابد من تحديد ما اذا كان العمل استخدم الوسائل المفاهيمية، كاتباع للموضة أم إنها تخدم العمل. وشدد على ان اقحام الأدوات لجعل العمل معاصراً، سيبدو واضحاً سواء في التركيب أو الفيديو، فتكون وسائله كلها ضرورية، لذا فإن المتلقي يرى أن هناك إفاضة في الوسائل التي تجعل العمل يبدو في حالة فراغ، فلا يتم توصيل المضمون كما يجب.

وشغلت السياسة الكثير من أعمال سمرة، وتحدث عن الأعمال السياسية قائلاً «نفذت فكرة الربيع العربي، وهي فكرة بسيطة جداً، وكان من الممكن أن تقدم ببالون واحد، ولكن في هذه الحالة تفقد الزخم البصري». وأشار الى أن الموضوعات الجيوسياسية والسياسية تفرض نفسها على الفنان، فالفنان لا يطرح نظرية بل يصف حالة ويحلل ويزيل الغبار عن حقيقة موجودة ليخلق وعياً لدى المتلقي. وأفاد بأنه يستند الى حقيقة وواقع، ورأى سمرة أن العمل الفني يجب أن يكون عابراً للأزمنة فيتحدث عن اشياء تصلح لكل زمن، ومن الممكن في النهاية أن تطرح الرؤية التي تطبق في عصرنا، ولكن يمكن بعد 50 سنة أن تطبق الفكرة على مكان آخر.

وقدم سمرة في المعرض عملاً حول زوجته وإصابتها بسرطان الثدي، وعن هذا العمل قال «العمل الذي يلمس حياة الفنان الخاصة بالطبع يؤثر فيه، ولكن حين عرفت زوجتي انها مصابة بسرطان الثدي، اجرت الجراحة وكنا يجب ان نلجأ إلى الكيماوي، وهناك مراحل يجب ان تمر بها، عندما تفقد المرأة شعرها وتحلقه هي تعيد بناء نفسها، فهو نوع من المقاومة، فسقوط نصف الشعر فيه نوع من التشويه للصورة، فالمرأة حين تكون أقوى وتنزع الصورة هي تقاوم وتأخذ شكلاً أجمل».


سيرة فنية

تخرج فيصل سمرة في كلية الفنون الجميلة بباريس. وقدم مجموعة كبيرة من المعارض الفردية والجماعية، فيما كانت له مشاركات عالمية في العديد من المعارض، ومنها بينالي سينغافورة، وبينالي القاهرة، ومعارض في لندن وشرق كوريا. اقتنيت أعماله في العديد من المتاحف العالمية.

بيع

اعتبر فيصل سمرة أن البيع وحركة السوق ليست معياراً على نجاح الفنان، فالقاعدة تكون بأن يكون عمل الفنان مبنياً على منهجية تضمن له الاستمرارية، فهذا هو التحدي وليس تقديم عمل ناجح ومتميز. وشدّد على وجود انفلات في الطاقات لدى الجيل الشاب السعودي، ولكنها مازالت في طور البحث عن الذات، وأن كل ما يقدمونه يجب ان يعتبر تجربة صغيرة، وحتى إن باعوا ووصلوا الى اسعار قياسية فالبيع ليس مقياساً للنجاح. ورأى أن تجارب فنانين مهمين كانت في زمنهم لا تباع، ولكن في زمن لاحق وصلت اسعارها الى ارقام خيالية، وذلك لأن هؤلاء يسبقون زمنهم بكثير، فالبيع آني ولفترة معينة ولا يعني أنه يبني انتاجاً فنياً راسخاً.

أول فنان سعودي في باريس

ترك فيصل سمرة السعودية كي يدرس عام 1975، وعاد اليها في الثمانينات وأقام أول معرض في جدة معتمداً فيه على الصورة المجازية، ولفت الى أن دخول الإنترنت الى السعودية، فتح آفاقاً جديدة للفنانين، وبداية انتقالهم وسفرهم أسهم في تطوير الفن، والتطور الذي حل في دبي كان جزءاً من الانفتاح على العالم، فمن لم تكن لديه الفرصة للسفر الى أوروبا كان يأتي الى دبي لرؤية التجارب. وأشار الى انه كان أول سعودي يعرض في الإمارات، وفي 89 عرض في باريس وكان اول سعودي يعرض في باريس، ومنذ تلك الفترة يعمل ويطرح أعمالاً على مستويات عالمية.

تويتر