«الندوة» استضافت نقاشاً حول الكتاب.. والمر دعـــا إلى توثيق حقيقي

«رحلة الكلمـــــة والنغم».. نواة لموسوعة عـــــن الأغنية الإماراتية

الأمسية استعادت مرحلة مهمة من مراحل تطور الأغنية الإماراتية. تصوير: تشاندرا بالان

خرجت مناقشة كتاب «رحلة الكلمة والنغم»، الذي أنجزه الباحث مؤيد الشيباني، مبحراً في الأعمال الذي استطاع الوصول إليها للفنان الإماراتي الراحل جابر جاسم على مدار 25 عاماً من إطارها التقليدي، باتجاه أمسية موسيقية تستعيد مرحلة مهمة من مراحل تطور الأغنية الإماراتية، لتجمع بين الفائدة والاستمتاع باستحضار هذه الإبداعات بأداء حي. وعلى الرغم من الحضور الطاغي للموسيقى، فإن «رحلة الكلمة والنغم» استدعت نقاشاً مهماً حول توثيق الأغنية الإماراتية، من خلال الندوة التي أدارها نائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم بلال البدور، وأكد خلالها رئيس المجلس الوطني الاتحادي محمد المر، أهمية العمل على وجود جهة اتحادية أو محلية تعنى بالتوثيق للأغنية الإماراتية.

وفي حين رد البدور جانباً من جوانب التقصير في هذا الصدد إلى مشهد تبقى فيه الأولوية الإعلامية بصدد منتج ثقافي مستورد، تبقى فيه الساحة الإماراتية كأنها مهيأة فقط لاستيراد وإعادة تصدير أعمال غير إماراتية، رأى رئيس ندوة الثقافة والعلوم سلطان صقر السويدي، أن الباحثين والمهتمين بمجالات توثيق الأغنية الإماراتية أمامهم بالفعل مادة خصبة وفرص مثالية لجمع وتوثيق جوانب مهمة من هذا النتاج، وإنقاذه من الضياع.

من جانبه، أشار الشيباني إلى أن «رحلة الكلمة والنغم» هو خطوة سيستتبعها الكشف عن موسوعة لاستيعاب الأغنية الشعبية الإماراتية في 60 عاماً، مؤكداً أن هذا الاستيعاب ممكن، ليس على المستوى الأكاديمي فقط بل العملي أيضاً، من خلال العمل على حضور جوانب من تلك الألوان الغنائية وعدم تغييبها.

الإحساس بأزمة الأغنية الإماراتية في ما يتعلق بالحفظ من الضياع، وغياب التوثيق الممنهج، وفق خطط علمية واستراتيجية بدا أكثر هواجس الملتقين في الأمسية التي حضرها أيضاً كل من الأديب عبدالغفار حسين ود.حصة لوتاه، والأديب علي عبيد، والمستشار الثقافي لهيئة دبي للثقافة والفنون الدكتور صلاح قاسم، وجمع من المهتمين بهذا الشأن. واعتبر صاحب الكتاب مؤيد الشيباني، أن الأمسية بمثابة تكريم للراحل جابر جاسم، مشيراً إلى أنه سعى لاستقصاء مسيرة 25 عاماً من إبداع جاسم، من خلال ما تمكن من الوصول إليه من تلك الحقبة وهي 25 عاماً، كاشفاً أن هذا العمل يشكل نواة أو تمهيداً لموسوعة تستقصي الأغنية الإماراتية على مدار 60 عاماً. وتوقف الشيباني عند حقيقة أن «الأغنية هي هوية المكان» رابطاً بين أعلام الطرب العربي وأوطانهم، مضيفاً «لا يمكن أن نخطئ العراق حين نسمع ناظم الغزالي، وكذلك مصر حين نسمع أم كلثوم، وهكذا فيروز في لبنان»، متسائلاً ما إذا كان بالإمكان أن نضع علماً مثل جابر جاسم في إطار هويته الإماراتية، في هذا السياق، قبل أن يحيل إلى الغوص في تجربته الفنية عبر «رحلة الكلمة والنغم».

وقال إنه «كان يسبق جابر جاسم نوعان من التجارب: الأولى أداء الفنون السائدة، والثانية تعد تجارب أولى على يد الرواد الفطريين البسطاء، لكن جاسم تمكن من تخطي تلك التجارب التي وجدها في عصره وموقعه المكاني».

وتوقف الشيباني عند محطات مهمة في حياة الفنان جاسم الذي ولد في ليوا عام 1952، ومنها دراسة الموسيقى في مصر ما بين عامي 1970 و1972، إذ «عاد بعد ذلك ملحناً مختلفاً».

ورأى أن المرحلة التالية بعد العودة من القاهرة كانت الأكثر أهمية، إذ مال إلى غناء القصائد الكاملة التي تبرز فيها ملامح المكان ثابتة وقوية، وذات نبرة مختلفة عن كلمات المحيط الجغرافي القريب أو البعيد نسبياً. وأشار الشيباني أيضاً إلى تجربته مع الشاعر أحمد الكندي التي أفرزت 37 قصيدة منذ عام 1971 حتى 1985، الذي شهد رحيل الكندي، لحنها وغناها جابر جاسم، والتي تعد جانباً من أروع نتاجه الغنائي، تبرز فيها الرموز المكانية بشكل واضح.

الروح المكانية هي الثيمة الأبرز في إرث الراحل الفني، إذ كان يتخير من القصائد والفنانين من يجد في إبداعاتهم هذه الروح المفعمة بخصوصية المكان تحديداً.

بعيداً عن التلوّن

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/11/215896.jpg

اعتبر الباحث مؤيد الشيباني، أن جابر جاسم نموذج للفنان الملتزم بخصوصية فنه، ولم يلجأ على مدار مسيرته الطويلة إلى التلون أو تقليد الآخرين؛ طلباً لشهرة أوسع، بل ظل محتفظاً بلونه الخاص والثابت الذي عرف به، وأخلص له.

وتوقف طويلاً عند ما أسماه «روحية الأداء»، وهو ما يصفه الناقدون بمقولة «الحضور على المسرح»، مضيفاً «كانت هذه (الروحية) تلازمة في تصرفاته اللحظية، والعُرَب التي تزيده طرباً، فضلاً عن وقفته على خشبة المسرح الجماهيري الاحتفالي، أو حتى في تسجيلاته الإذاعية والتلفزيونية».

وأشار الشيباني إلى أنه سيأخذ ببعض الملاحظات التي ذكرت عن الكتاب، وسيضيف إليه مزيداً من القصائد في طبعته الجديدة، كاشفاً عن أنه بصدد إصدار موسوعة عن الموسيقى الشعبية الإماراتية والمطربين الشعبيين، وأنجز أربعة أجزاء منها تضم المطربين والأغاني الشعبية لنحو 60 عاماً من تاريخ الدولة. وأكد أنه لولا الدعم والتشجيع اللذان لقيهما من الجميع لما استطاع إنجاز هذا العمل الذي يعتبره شيئاً من رد الجميل إلى الإمارات.

سهرة غنائية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/11/215927.jpg

جاءت مناقشة كتاب «رحلة الموسيقى والنغم» بمثابة سهرة غنائية مكتملة رافقت فيها الموسيقى والطرب القصيدة، كي تكون بمثابة شواهد من إبداعات الفنان جابر جاسم. استدعت أغان؛ منها «سدد الله خطانا وراعانا، غردي يا بلال. سيدي يا سيدي، وضاع فكري»، من خلال أداء كل من خالد الهاشمي وحسن حيدر، هذه الحالة التي تأثر بها حضور ندوة الثقافة والعلوم، وتفاعلوا معها. ورأى الباحث مؤيد الشيباني أن المهتمين بالأغنية الإماراتية كصناعة من الأسماء المعاصرة، هم مدينون للراحل جابر جاسم، باعتباره «مؤسس الأغنية الحديثة في الإمارات بالمعنى التصنيعي الخاص باختيار النص وإعداده وتلحينه، وتقديم الأغنية على المسارح الجماهيرية وتسجيلها في الإذاعات أو لدى شركات الإنتاج».

حنجرة دافئة

حسب صاحب كتاب «رحلة الكلمة والنغم» الباحث مؤيد الشيباني، كان الراحل الفنان جابر جاسم «يمتلك حنجرة دافئة، هي ابنة بيئته الجغرافية في النطق والمخارج وطبيعة النغمة.. وكان لا يكلّ عن البحث عن القصائد الجيدة في توقيت لم تكن تتوافر فيه وسائل الاتصال الحديثة، لكنه رغم ذلك ترك موروثاً غنائياً نوعياً».

ومن كلمات إحدى الأغاني التي شدا بها: «لقيت الدار من بعـد الحبايب.. خليـّه باكيـه وبْهـا عجـايـب.. وقفت بْها وانا حيـران ساعـة.. ودمع العين من موقي صبايـب.. ألا يـــادار بالله خـبـرينــي.. عن المحبوب قولي وين غايـب.. محـبٍ مالـكٍ عقلـي وروحـي.. وفي حبه رخيص العمر ذايـب.. يحلّي بلولـو البحريـن صـدره.. وحنّا العين حطه في الروايـب».

تويتر