مذكرات نصر حامد أبوزيد

الناطق في زمن الخوف

رفع صوته مبكراً، وقال كلمته بجسارة، منتقداً الخطاب المتطرف، ومشابهين لـ«داعش» في زمن خوف آثر فيه كثيرون الصمت والتقيّة والرقص على الحبال الفكرية، وادعاء الوسطية...


يروي الراحل الدكتور نصر حامد أبوزيد في مذكراته، التي أعدها جمال عمر، قصته كاملة مع «المحتسبين» ومن اتهموه بالردة، ورفعوا دعوى للتفريق بينه وبين زوجته، وأجبروه على ترك مدرجه الجامعي الأثير الذي يحاضر فيه، والهجرة إلى الشمال، ليستقر قبل النهاية في جامعة هولندية؛ إذ لم يستطع ذلك الباحث أن يفارق الطلبة وقاعات المحاضرات والمناقشات والمكتبات.

من لحظة الأزمة تنطلق المذكرات، التي صدرت عن «دار العين» بالقاهرة في 295 صفحة، لتروي بسخرية مرّة تلك الأيام التي حوصر فيها نصر حامد أبوزيد، بعد التهديدات التي تلقاها، وأصبح عمله في الجامعة مستحيلاً في ظل الحراسة الأمنية المشددة، فكان لا مناص من الابتعاد والسفر بعيداً.

بسلاسة تنتقل المذكرات إلى البدايات زمانياً ومكانياً؛ لتأخذ القارئ إلى 10 يوليو 1943 واليوم الذي خرج فيه للوجود صاحب المذكرات، وإلى قرية قحافة التي تبعد 10 دقائق مشياً عن مدينة طنطا، وبيت متواضع، وأب اضطر إلى بيع قراريطه وفتح دكان صغير في القرية.

التحق نصر بالكتّاب، وأتم حفظ كتاب الله في الثامنة من عمره، ثم التحق بالمدرسة، وحصل على مجموع كبير، إلا أنه لم يتمكن من الالتحاق بالدراسة الثانوية، إذ أجبره والده على «الصنائع» لكي يتخرّج سريعاً، ويحمل معه مسؤولية بقية إخوته. انصاع الفتى لرغبة الأب الذي رحل والابن في الـ14 من العمر، فحل مكان أبيه في الدكان، وفي الآن ذاته نجح في الحصول على الشهادة والتحق بوظيفة رغم صغر سنه. وفي المحلة الكبرى، القريبة من بلدته، عيّن فني لاسلكي في وزارة الداخلية؛ وفي المدينة ذاتها تعرّف إلى مجموعة أدبية في قصر الثقافة، الذين صارت لهم مكانة في الوسط الثقافي بعد ذلك، ومنهم سعيد الكفراوي ومحمد المنسي قنديل وجار النبي الحلو ومحمد فريد أبوسعدة، ورفيق درب نصر حامد أبوزيد، الذي سيرد اسمه كثيراً في المذكرات، الناقد الدكتور جابر عصفور (وزير الثقافة الحالي في مصر). لم يتخلَّ نصر أبوزيد عن حلمه، من جديد التحق بالدراسة، وحصل على مجموع كبير في الثانوية أهّله لدخول كلية الآداب، ونقل عمله إلى القاهرة، فكان يداوم ليلاً في الوظيفة، ونهاراً في الجامعة، وتمكن من التفوق، حتى كان الأول على جميع أقسام الكلية في السنة النهائية بتقدير «ممتاز». العقبات في الجامعة بدأت من اللحظة التي تخرّج فيها؛ إذ لم يعين معيداً إلا بعد تقدمه بشكوى إلى رئيس الجامعة، وظل ملازماً بابه، إذ أخذت الكلية أربعة من قسم آخر وتجاوزته، إلا أن رئيس الجامعة أنصفه، ودخل المدرج الذي حلم بأن يحاضر فيه طويلاً.

مع المعتزلة كانت رسالة ماجستير نصر أبوزيد، ومع الصوفي ابن عربي كانت الدكتوراه، وبينهما منحة إلى جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة. ظهرت أزمة جديدة في الجامعة، إذ نقل نصر حامد أبوزيد وكثيرون من الدكاترة (منهم جابر عصفور، عبدالمنعم تليمة، حسن حنفي، عبدالمحسن طه بدر، سيد البحراوي، وآخرون) إلى خارج الجامعة، وأحيلوا إلى وظائف في وزارات لا علاقة لها بتخصصاتهم بالقرار«490 لسنة 1981 في يوم الثامن من سبتمبر» من الرئيس الراحل محمد أنور السادات. لكنهم عادوا جميعاً إلى الجامعة بعد رحيل السادات في أكتوبر من العام نفسه. لا تقتصر صفحات المذكرات على شجون الجامعة، وهموم الجو العلمي، بل تتعداه لتكشف عن جوانب كثيرة من حياة نصر أبوزيد، فهناك حكاية الزوجة الأولى، وعدم الإنجاب، والحب الغائب، وشقة المساكن الشعبية التي أقام فيها نصر أبوزيد، وبعد ذلك الزوجة الثانية الدكتورة ابتهال يونس رفيقة الدرب، التي رأت الكثير من فصول الحكاية مع نصر حامد أبوزيد، ومن بينها الدعوى الشهيرة بالتفريق بينهما.

تصدى نصر أبوزيد مبكراً لنقد الخطاب المتطرف، ومن يكفّرون المجتمع والحاكم في مصر، انطلق من النصوص التي يستشهدون بها، حاول أن يرسي قراءة مختلفة، مستدلاً بالكثير من الشواهد والأسانيد العلمية. كانت التسعينات فترة حرجة في مصر، امتدت يد الإرهاب إلى فرج فودة فاغتالته، وإلى رقبة نجيب محفوظ ويده، ولم يسلم نصر أبوزيد، فثمة اغتيال من نوع آخر حاول أن يستأصله ويكتم صوته العلمي، إذ تقدم لنيل درجة الأستاذية بعدد من الأبحاث، وفوجئ برفض الترقية من اللجنة التي عينتها الجامعة، وكانت أزمة كبرى، وصلت إلى صفحات الجرائد، ولم تشغل الوسط الجامعي فحسب، بل المجتمع المصري. ليدخل بعدها أبوزيد المحاكم في القضية التي طالبت بالتفريق بينه وبين زوجته التي تتتبع تفاصيلها المذكرات المليئة بالأحداث والشهادات، والتي تنتهي مع رحيل صاحبها في الخامس من يوليو عام 2010.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

 

 

تويتر