في احتفالية لتأبين الشاعر الراحل في اتحاد كتّاب الإمارات

مثقفون: سميح القاسم زيتونة فلسطينية

صورة

قال مثقفون وكتّاب إن الغياب الجسدي للشاعر سميح القاسم، وكوكبة الشعراء أصحاب المواقف الوطنية الصلبة، تحول إلى حضور طاغٍ يكرس أثرهم وتأثيرهم على امتداد الوطن العربي وعبر أجيال عدة. موضحين خلال الأمسية التأبينية، التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، مساء أول من أمس، في مقره الجديد بمعسكر آل نهيان، أن القاسم قدم في شعره ما يمد به الإنسان بروح المقاومة والرفض والتمرد والحفاظ على الهوية، فكان رمزاً من رموز «شعر المقاومة».

رمز التجديد

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/191767.jpg

وصف رئيس جمعية البيارة الفلسطينية في أبوظبي، عمار الكردي، في كلمته الشاعر سميح القاسم بـ«عنقاء فلسطينية»، ورمز من رموز التجدد في الحياة الفلسطينية، حيث ولد في قرية الرامة بالجليل الأعلى، بزيتونها الذي يمتد عمره مئات السنوات، ويمثل التجدد الدائم في فلسطين، ليبقى القاسم سفراً جديداً في قصة الوطن. مشيراً إلى أن الشاعر الراحل كان كمن يكتب الموسيقى التصويرية لثورة الطفل والمرأة والرجل، وكان منذ طفولته يتحدى الإسكات والصمت، كما بقي وهو طفل في عمر تسع سنوات مع أهله في بلدته ليتحدوا العدوان، ويتحدى من أراد أن يتهم من بقوا في الأرض المحتلة بأنهم باعوا هويتهم، ولم يذهب قبل أن يترك لشعبه ما يدعم هويته وصموده.

وأشار رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، حبيب الصايغ، إلى أن حياة القاسم لم تكن له ولكن كانت لشعبه وأمته وفلسطين. معتبراً أنه لا يؤبن سميح القاسم، وإنما يؤبن مرحلة عربية، شعرية وسياسية، بأكملها، هي مرحلة شعر المقاومة، ربما كان القاسم هو الوحيد الذي ظل مخلصاً لهذه الفكرة البريئة كأنها الطفولة، فكرة شعر المقاومة.

وتطرق الصايغ، في الأمسية التي قدمها الكاتب إسلام أبوشكير، إلى العلاقة بين سميح القاسم ورفيقه محمود درويش؛ لافتاً إلى أن موت أغسطس ليس وحده جمع بينهما، أو الحياة في اتفاقها، فقد جمعتهما أكثر وأعمق الحياة في تناقضاتها، فكان درويش يقاوم بأسلوب الشاعر الذي عثر على سر الشعر، كان يغني لزهر اللوز ولمطر خفيف لا يبلل إلا البعيدين، فيما كان سميح القاسم يكتب لنفسه وشعبه على طريقته. واصفاً القاسم بأنه «محمود درويش، الذي لم يسافر».

وقال المستشار السابق في سفارة دولة فلسطين بالإمارات، أسامة إبراهيم، إن الشاعر سميح القاسم وكوكبة الشعراء الرائعين من أصحاب المواقف الوطنية الصلبة، والكلمة الحرة الجريئة المعبرة عن نبض الشارع والضمير الحي للإنسان العربي وتطلعاته أمثال توفيق زياد ومحمود درويش، هؤلاء أسهموا في شحذ الهمم ورفع المعنويات، والارتقاء بالوعي والثقافة السياسية بأسلوب إنساني متحضر، ونجحوا في إيجاد توازن نفسي ووجداني لدى الإنسان العربي، وشكلوا قلعة حصينة في وجه الانهيار والانحدار واليأس والإحباط، بعد أن عبث بعض الساسة بمقدرات أوطانهم، ومستقبل شعوبهم. مشيراً إلى أن الشاعر الراحل قام بواجبه كاملاً بكل صدق وأمانة وإخلاص، وقدم، كما أقرانه المثقفون والمبدعون العرب، الصورة واضحة جلية تشخص العلة وتصف الدواء.

«كل موت هو موت خاص، كما كل حزن هو حزن خاص، ونحن لا نختار الحزن الذي يليق بالموت الخاص، بل هو الموت الذي يعين حزننا». بهذه الكلمات ذات الصبغة الفلسفية نعى المفكر الفلسطيني د.أحمد برقاوي الشاعر سميح القاسم، مشيراً إلى أنه عندما يموت الشاعر يتشح الوجود بالسواد، وتنكس اللغة الحميمة أجنحتها سنوات طويلة حزناً وحداداً، لكنها لا تطيق الصمت أمام الرحيل الأبدي.

وأضاف: «إنه شاعر أرض محتلة، شاعر جرح لم تستطع كل المحاولات حمله على أن يندمل أو يموت، شاعر مقاومة أو شاعر أرض، أجل الفلسطيني الذي أعلن للعالم يوماً للأرض هو ذاته ولد شاعر أرض، هذا الترابط بين الأرض المحتلة ومقاومة المحتل وبين الشاعر تلقي على الشاعر عبئاً ثقيلاً على الشعرية نفسها حتى يمكن القول: إن شاعراً يجعل من همه الوطني همه شبه الوحيد، ويظل مبدعاً لابد أن يكون شاعراً فذاً. والتماهي بين فلسطين والشاعر بكل دلالتها الرمزية والأخلاقية والإنسانية والتاريخية يمثل ظاهرة قل مثيلها في الشعرية». مستطرداً: «لا يستطيع شاعر الهوية الوطنية والمدافع عنها أمام عدو مغتصب للوطن وساعٍ لمحو هوية الفلسطيني العربية إلا أن يجعل من الهوية الفلسطينية ثقافة مبدعة، وكان الشاعر سميح القاسم أحد أهم رموز هذا الكفاح الثقافي، وليس مصادفة أن سمي شاعر العروبة».

من جانبه، قدم الشاعر السوري إبراهيم اليوسف قراءة نقدية في شعر سميح القاسم؛ موضحاً أن تجربة الشاعر الراحل ينظر إليها، وعلى نحو خاص، من خلال مستويين، أحدهما موقع خطابه ضمن ما اصطلح عليه بـ«شعر المقاومة»، وثانيهما طبيعة خطابه، وأدواته، ورؤيته التي سعى للالتزام بها طوال عقود من حياته. مبيناً أن الشاعر وعلى امتداد الخط البياني لخطابه، ركز على أسس عدة لم يحد عنها قيد أنملة، وفي مطلع ذلك: رفضه للاحتلال، وتشبثه بالأرض، ما جعله يطرد من عمله ويضيق عليه، ويهدد بالقتل وتمارس عليه أشكال الحجر والنفي. وتطرق اليوسف إلى علاقة القاسم ببناء القصيدة، فرغم أنه وجد في العمود الشعري مدخلاً له إلى هذا العالم الرحب، إلا أن حساسية روحه جعلته يعد من هؤلاء الشعراء التجريبيين والمجددين، فكان أول من كتب النص «السربي»، وأطلق هذا المصطلح المأخوذ من كلمة السرب على قصيدة النثر التي تظهر في سربياته، كما يدل نصه الكولاجي، بعد أن استفاد من تجربة التشكيل، على روحه الأميل إلى التجديد، وفق معادلاته الفنية الخاصة.

 

تويتر