حدث ثقافي بارز يوثّق لحضارة الدولة وتاريخها

«أيــــام الشارقة التراثية».. تواصلٌ بين ماضي الإمارات وحاضرها

صورة

يعدّ مهرجان أيام الشارقة التراثية حدثاً ثقافياً بارزاً، يسهم في التعريف بتاريخ وحضارة الإمارات وتراثها العريق، الذي يشكل رصيداً ثقافياً وحضارياً يبعث على الاعتزاز والفخر. ويعتبر المهرجان إحدى أهم الفعاليات الثقافية التي تقام في الدولة سنوياً، نظراً لكونه من أكبر التظاهرات الثقافية والاجتماعية بالإمارات، ووسيلة جذب سياحي تحظى باهتمام المواطنين والزوار من مختلف الجنسيات الخليجية والعربية والأجنبية، كما أصبح المهرجان يحظى بمكانة متميزة كونه حدثاً ثقافياً بارزاً، يعمّق التواصل بين الماضي والحاضر.

وتشمل فعاليات المهرجان عروضاً ومسابقات تراثية وأسواقاً للأطباق الإماراتية التراثية وأسواقاً حرفية وعروضاً تراثية بحرية، وقسماً للألعاب الشعبية وركوب الخيل والجمال، وغير ذلك الكثير.

همزة وصل

لا يهدف مهرجان أيام الشارقة التراثية، الذي يترقبه المواطنون الإماراتيون سنوياً، فقط إلى عرض مظاهر من الحياة القديمة فحسب، وإنما إلى توثيق هذه المظاهر، ودعوة للاستفادة من تجارب الماضي، ونقل هذه التجارب إلى الحاضر لتكون حافزاً ودافعاً للمواطنين على الإبداع والإنتاج، والاستفادة من إرث حضارة الدولة، التي تعتبر من أقدم حضارات العالم، وشكلت على مر العصور ظاهرة إنسانية متميزة، ورسالة إبداع متفردة امتدت علاقاتها وصلاتها منذ القدم إلى حضارات كبرى في المنطقة مثل الفينيقيين في بلاد الشام، وبلاد الرافدين في العراق، ووادي النيل في مصر، بل مثلت همزة وصل حيوية بين تلك الحضارات.


توارث المهن والصناعات الحرفية

يسهم مهرجان أيام الشارقة التراثية في توارث المهن والصناعات الحرفية، فما من حرفة إلا لها صانع ماهر، هكذا يبدو الاهتمام بتنمية الصناعات الحرفية، سواء من قبل أصحاب المهنة أنفسهم أو من جانب المهرجان الذي أنيطت به مهمة تقديم الدعم والرعاية اللازمة للحرف والحرفيين معاً، بل إن الحرف نفسها جاءت مع الاهتمام الذي يوليه الإنسان لبيئته المحيطة من تسخير للإمكانات المتاحة، والاستفادة من المواد الخام كتلك المتعلقة بالصناعات السعفية.

ويقول محمد النعيمي، إن «الإنسان وعمته النخلة، هما صنفان للحياة المتجددة لم يفترقا يوماً ما، وكل منهما مكمل للآخر، فزاد اهتمام الإنسان بالنخلة قديماً، إذ مدته بالغذاء والكساء ومصدر الرزق الوفير، كذلك بالنسبة لحرف الغزل والنسيج، التي هي أيضاً من واقع الحياة اليومية حين ارتبط الإنسان بالثروة الحيوانية من الأغنام والماعز على وجه التحديد، فأمدته بأشكال متنوعة من وبرها وصوفها، ليصنع منها كساء ووقاء من البرد والحر وسائر الاستخدامات الأخرى».

وأوضح المشرفون على المهرجان أن المقاهي الشعبية في الإمارات كانت تكثر في منطقة التراث، بالقرب من البحر، وتبنى من جريد النخيل، ويستخدمها الأفراد للاستراحة، خصوصاً بعد العودة من صيد البحر، وتكون ملتقى لتبادل الأحاديث الجديدة في القرية، أو في المناطق المجاورة، ويحرص الأهالي على تناول القهوة والشاي والمأكولات الشعبية الخفيفة فيها.

وتميز مهرجان أيام الشارقة التراثية لهذا العام بتضمنه فعاليات عدة، من بينها عروض القرية الإماراتية، التي تختزل بيئات الحياة بصورها المتعددة، فبمجرد دخولها تقدم لك الضيافة بالقهوة الشعبية، وتفوح منها روائح الشاي سواء بالزعتر أو الزنجبيل أو الحليب، فتسترخي قليلاً قبل البدء في تفقد الزوايا الأخرى .

وتجلس بجوار القهوة مجموعة من النسوة يقدمن للزوار ما لذّ وطاب من المأكولات الشعبية كالهريس والعصيد وخبز الخميرة واللقيمات، وتحتفظ هذه النسوة بالطريقة القديمة المعمول بها في الطهي، لتعطي مذاقاً خاصاً للمأكولات المقدمة.

ويتبنّى المهرجان استحضار التراث عبر مخاطبة حاسة الذوق من خلال المطبخ الشعبي، الذي يقدم أكلات وحلويات تراثية يتم تحضيرها وإعدادها في المكان نفسه، فزائر المهرجان يشده مشهد عدد كبير من النسوة اللواتي يفترش بعضهن الأرض، وهن في اللباس التقليدي عاكفات على تحضير أطباق شعبية، وشرح طريقة الإعداد أمام الزوار.

وتوضح إحداهن طريقة تحضير صنف من المعجنات اسمه «المحلى»، قائلة «يعجن الطحين مع السكر والزعفران والبيض، ونتركه ساعة وبعدها نخبزه، وعملية الخبز تكون على تنور معدني يشتعل تحته الحطب». وبعد تناول بعض من هذه الوجبات اللذيذة يأتيك نمط الدكان القديم لتتسوق فيه، أو تتعرف إلى المواد الغذائية التي كانت تباع، والطريقة المتبعة في عرض هذه المواد، وكيفية وزنها وتخزينها، وما يتعلق بالتعامل مع المشتري، وغير ذلك من الأمور الأخرى. كما يقوم بعرض الأدوات المستخدمة قديماً في الصيد وسفن البضائع والنقل، إضافة إلى الأدوية والأعشاب الشعبية التي كانت تستعمل سابقاً مثل الكركم والورد والزنجبيل واللبان.

وبجوار «القرية الإماراتية» يوجد نموذج لحياة أهل الجبال، يحوي بيوتاً حجرية للصيف والشتاء، والصفة «البيت الصيفي»، والقفل «البيت الشتوي»، وبجوارهما تم بناء حظيرة للغنم، والدجاج، وغرفة الرحى لطحن الحبوب.

بينما يأتي بعد ذلك الوعب «حقل القمح الصغير»، ثم تبين وسائل العرض الحية أمام الجمهور الكيفية التي اعتمدها أهالي الجبال ليصل القمح إلى مخازنهم، إذ ينقل بعد حصاده لفصل حباته عن القش عن طريق الدق بالعصي، ومنها إلى حجر الرحى ليطحن من أجل الخبز، أو صناعة الهريس.

وزائر أرض المهرجان يجد أمامه عروض الصقور، إذ لاتزال من أهم الرياضات الإماراتية القديمة، فهي تمثل روح البداوة وروح الإنسان الإماراتي، الذي ولد وترعرع في صحراء البادية، التي تتسم بروح الجلد والمثابرة والتركيز، ولا تقل هذه الرياضة أهمية عن بقية الرياضات التراثية الأخرى.

وللألعاب الشعبية وجود حيّ في أرض المهرجان، وهي الألعاب التقليدية التي كانت تزاول في الماضي، وفيها روح البساطة والمثابرة للوصول للهدف والنجاح، ومنها لعبتا «التبة»، و«الخشاش يطيح والبسر يتعلق»، اللتان كان يلعبهما الفتيان والفتيات على اختلاف أعمارهم.

وتصدح في أرض المهرجان الأصوات والأهازيج والأغاني الشعبية، إذ تقدم الفرق الشعبية المحلية يومياً العديد من الأغاني الشعبية المعبرة، خصوصاً الفرق التي لها باع طويلة في هذا المجال، التي تطرب زوار المهرجان بالأغاني والرقصات الشعبية التي يشارك فيها مجموعة من الرجال والنسوة في رقصات تعبيرية جميلة تنال استحسان الحضور الذين ما إن يسمعوا هذه الأغاني حتى يكونوا من ضمن المستمعين والمشاهدين لمثل هذه الأغاني والرقصات التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من فعاليات المهرجان كل عام.

وأوضح زوار أن ساحة ميدان المهرجان من الأماكن المفضلة لديهم، حيث فعاليات الفرق الشعبية من الفعاليات الجيدة التي تؤديها الفرق العديدة التي تشارك يومياً برقصات وأغان شعبية مميزة، تجذب أنظار المارة، خصوصاً الزوار من الدول العربية والأجنبية.

ويقول حميد الشامسي (أحد زائري المهرجان)، وهو يقف أمام هذه الفرق، إن في أصداء هذا العرض الموسيقي ما يختصر شطراً من تاريخ الإمارات وعلاقاتها البحرية والتجارية، التي تضرب جذورها عميقاً في أزمنة سحيقة وموغلة في القدم مع ساحل إفريقيا الشرقي.

تويتر