معرض للسعودي عبدالناصر غارم في «غاليري أيـــــام» بدبي

«الصحوة».. الدفاع بالفن عن تسامح الــــــدين

صورة

استوقفت ظاهرة طلب مجموعة من الطلاب والمعلمين استبدال التصفيق للمتفوقين بالتكبير، الفنان السعودي عبدالناصر غارم حين كان طالباً، وشكلت هذه الحادثة التي شهدها غارم في المدرسة نقطة الانطلاق لمعرضه الذي افتتح اخيراً، في «ايام غاليري» بدبي تحت عنوان «الصحوة»، الذي يستمر حتى نهاية ابريل، ليبرز الإسلام دين التعددية والتنوع ورفض التزمت.

العمل على العودة إلى مرحلة «الصحوة» التي انتشرت في السبعينات في السعودية ومجموعة من البلدان الأخرى، شديد الارتباط بالواقع الراهن، فهو لا يعد توثيقاً بقدر ما يندرج في خانة الاستلهام من الماضي وربطه بالحاضر في ظل التحركات الإسلامية المتطرفة والحروب المذهبية التي تنتشر باسم الدين الإسلامي في الوقت الراهن، إذ يحاول غارم أن ينزع عن الإسلام صبغة العنف، وأن يمسح الدماء التي سفكت باسمه، ليبرز الوجه الحقيقي له، فهو دين التسامح ونبذ التعصب والتعددية وتقبل الآخر. يعيدنا الفنان السعودي الى المظاهر التي انتشرت مع بداية الصحوة وإلى المظاهر التي رافقت الظاهرة، بدءاً من اللباس الذي كان يميزهم عن غيرهم، حيث كانوا يتعمدون تقصير أثوابهم، وعدم لباس العقال، نوعاً من التميز عن الآخرين، وهي حركات اجتماعية، أكثر من كونها دينية.

سيرة فنية

ولد الفنان السعودي عبدالناصر غارم عام 1973. وقد تلقى دروساً في أكاديمية الملك عبدالعزيز، وكذلك معهد الزعيم في الرياض قبل أن يدرس الفنون في قرية آل مفتاحة في أبها. اقتنيت أعماله من قبل مجموعات عامة في أوروبا والشرق الأوسط. وشارك في أكثر من بينالي ومنها الشارقة وفينيسيا وبرلين. وقد حقق احد أعماله رقماً قياسياً في مزاد دار كريستيز عام 2011، ما جعله يسهم في «حافة الصحراء».

«حافة الصحراء»

يُعد معرض «حافة الصحراء» منصة مميزة للفن السعودي تهدف إلى تسليط الضوء على الفنانين الشباب في السعودية، وإبراز وجه الفن الحديث في المملكة، كما أنه يمثل حوار الحضارات والثقافات. وقد بدأ المعرض منذ ستة أعوام، ويضم إلى جانب عبدالناصر غارم مجموعة من الأسماء البارزة في السعودية، ومنهم أحمد ماطر، منال الضويان، مها الملوحي، سامي التركي، وغيرهم.

فن مفاهيمي

يعتبر عبدالناصر غارم أحد الفنانين المفاهميين البارزين، ولاسيما أنه يحمل رسالة واضحة في الفن. عمل في مجال التصوير والفيديو والنحت، واختبار طبيعة الحياة في الوقت الراهن. استخدم الشارع في بداياته، وكان يخرج للشارع ليقدم عمله الفني الأدائي وسط الحشود.


أكد الفنان أنه كان مراقباً جيداً للظاهرة التي استمرت لفترة طويلة، وأثرت في الناس وفي حياتهم وأفكارهم.

يشار إلى أن صحوة غارم الفنية، هي صحوة قائمة على الإبداع والحوار والتبادل، وليس التزمّت، والانغلاق في الدين كما في الحياة والفن أيضاً.

ويبين غارم من خلال الأعمال نظرته الرافضة للإرهاب الذي يرافق ذِكر الإسلام، بداية مع الأعمال التي يصور فيها حادثة 11 سبتمبر، التي يقدم فيها البرجين والطائرات التي تخترقهما بعنوان «ايقاف مؤقت»، ثم يقدم بعد ذلك صورة المآذن الإسلامية على ارضية العلم الأميركي. هذا الرفض للإرهاب الذي تم لصقه بالإسلام، يقابله رفض للتطرف من جهة أعضاء الصحوة، الذين يقومون بتكفير أي توجه ديني وفكري معاد، فهي أيديولوجيا متجذرة وليست مجرد مظاهر بسيطة في اللباس والتصرفات. تحمل الأعمال ردة فعل رافضة للأحداث السياسية التي تلم بالوطن العربي، ولاسيما في عمل «لا دموع بعد اليوم»، الذي يقدم خريطة العالم العربي التي تحمل اشارات لا دموع بعد اليوم، وتنتشر العبارة وسط قطرات حمراء تنتشر على بقاع متعددة على الخريطة. هذه النظرة لا تخلو من اظهار الألم الذي يلحق بمجتمعنا، فتبدو الأعمال ذات رسالة واضحة، تحمل السمة النقدية للمجتمع وما يحل به، وللظواهر التي تفرض على الأفراد وتتسرب إلى الوعي عن غير قصد، وتقدم الضحايا بشكل أو بآخر.

يبرز المعرض العلاقة القوية بين المجتمعات والأديان، حيث إن المجتمعات هي التي تؤثر في الأديان وتقودها الى سياق معين وليس العكس، فالنصوص الدينية ثابتة ولكن النظرة اليها تتبدل بين زمن وآخر. ويرى غارم أنه في أثناء العمل على المعرض تبين له أنه في كل عصر يتم التوقف عند نصوص دون الأخرى، الأمر الذي يؤكد الأثر الحقيقي للمجتمعات في الأديان وليس العكس.

يستخدم غارم الطوابع المطاطية في أعماله، ويقدم الرموز الإسلامية بشكل واضح بدءاً من العمارة ووصولاً الى المآذن، وكذلك الزخارف الإسلامية والجوامع. كما أنه لا يكتفي بالتصوير من خلال الحروف المطاطية بل يستعين بالكلام والحرف. يجاور في اللوحة الواحدة بين الأضداد، كوسيلة للمقارنة، تمكن المتلقي من ربط الرموز وحياكة الأحداث في اللوحة، ويظهر ذلك في العمل الذي حمل دبابة تخرج من فوهتها زهرة بينما تأتي أسفل عمارة إسلامية تشبه الجامع.

يهتم غارم المفاهيمي المنهج بالكتلة في العمل، لذا نجد معرضه الذي يستمر حتى نهاية أبريل يحمل الكثير من الكتل البارزة ومنها الخرسانات التي وضعها في باحة الصالة، وكأنها العثرات أو السدود التي تغلق الطرق في وجوه الناس. هذا الحرص على الاعتماد على الكتلة يتجلى ايضاً في لوحاته التي تحمل أبعاداً ثلاثية من خلال الملمس البارز الذي تكتسبه بفعل المادة المستخدمة. وقال غارم عن معرضه لـ«الإمارات اليوم»: ان «موضوع الصحوة أثر فيّ منذ الطفولة، وما دفعني لاقامة المعرض هو انه من القضايا التي لم يتم التطرق إليها وتعتبر من المحرمات، علماً انها موجودة، الى جانب كونها تعد مؤثرة في الفترة الراهنة». وأضاف «حرصت على تقديم القضية من خلال اللغة البصرية، كونها المجال الأوسع الذي يمكن من خلالها قول الكثير من الأفكار والمفاهيم، ولا تحتاج الى لغة محددة بل تصل لكل الجنسيات». واعتبر غارم أن الرموز الموجودة في الأعمال جامعة بين النص والصورة، فتأتي خادمة للفكرة التي يريدها أن تصل من خلال المعرض الذي اعتبره استعادة ذاتية لأمور أثرت فيه كثيراً، ولاسيما أنه اعتبر نفسه ضحية غير مقصودة لأنه يجب أن يندمج في المجتمع وألا يواجه بالاضطهاد.

تويتر