«غابو» سيد الواقعية السحرية يرحل عن 87 عاماً

غارسيا ماركيز: تعلمت منكم كثيراً أيها البشر

صورة

توفي في وقت متأخر من ليل الخميس، الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل، غابريل غارسيا ماركيز، في مكسيكو سيتي، عن 87 عاما. وقدمت الأعمال الروائية لماركيز أميركا اللاتينية لملايين القراء في العالم، ووضعت الواقعية السحرية على خريطة الأدب العالمي. وقال مصدر مقرب من عائلة ماركيز إنه توفي في بيته في مكسيكو سيتي. وعاد إلى البيت من المستشفى، الأسبوع الماضي، بعد ما قال الأطباء إنها نوبة التهاب رئوي.

رسالة ماركيز الأخيرة

على فراش المرض، غابرييل غارسيا ماركيز، بعدما أنهكه الداء الخبيث، كتب رسالة إلى أصدقائه ومحبيه سرعان ما انتقلت إلكترونياً الى ملايين الأصدقاء والمحبين حول العالم. هنا ما جاء في الرسالة بحسب الإنترنت: «لو شاء الله أن يهبني حفنة حياة أخرى، سأستغلها بكل قواي. ربما ما قلت كل ما أفكر فيه لكنني حتماً سأفكر في كل ما سأقوله. وسأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه، سأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، مدركاً أن كل لحظة نوم خسارة لـ60 ثانية من النور. وسأسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام، لو شاء ربي أن يهبني حفنة حياة أخرى سأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي على وجه الأرض عارياً ليس من جسدي وحسب بل من روحي أيضاً، وسأبرهن للناس كم يخطئون لو اعتقدوا انهم لن يكونوا عشاقاً متى شاخوا، فهم لا يدرون إنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق.

للطفل سأعطي الأجنحة، لكنني سأدعه يتعلّم التحليق وحده، وللكهول سأعلّمهم أن الموت لا يأتي بسبب السنّ بل بفعل النسيان. لقد تعلمت منكم كثيراً أيها البشر، تعلمت أن الجميع يريدون العيش في القمة غير مدركين أن سرّ السعادة في كيف نهبط من فوق. وتعلّمت أن المولود الجديد حين يشد على اصبع أبيه للمرّة الأولى يعني انه أمسك بها إلى الأبد. تعلّمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلى الآخر فقط حين يجب أن يساعده على الوقوف. تعلمت منكم أكثر! لكن قليلاً ما سيسعفني ذلك، فما إن أنهي توضيب معارفي سأكون على شفير الوداع. قل دائماً ما تشعر به وافعل ما تفكّر فيه. لو كنت أعرف أنها المرة الأخيرة أراكِ نائمة كنت آخذك في ذراعيّ وأصلّي أن يجعلني الله حارساً لروحك. لو كنت أعرف أنها دقائقي الأخيرة معك لقلت: أحبك ولتجاهلت بخجل انك تعرفين ذلك. هناك بالطبع يوم آخر، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل خيراً، لكن لو أنني مخطئ وهذا هو يومي الأخير أحب أن أقول كم أحبك، وكم أنني لن أنساكِ لأن الغد ليس مؤكداً لا للشاب ولا للكهل، ربما هذا آخر يوم نرى فيه من نحب. فلنتصرّف لئلا نندم لأننا لم نبذل الجهد الكافي لنبتسم، لنحنّ، لنطبع قبلة، أو لأننا مشغولون عن قول كلمة فيها أمل. احفظوا قربكم ممن يحبكم وتحبّون، قولوا لهم همساً إنكم في حاجة اليهم، أحبوهم واهتموا بهم، وخذوا الوقت الكافي كي تقولوا: نفهمكم، سامحونا، من فضلكم، شكراً، وكل كلمات الحب التي تعرفونها. لن يتذكر أحد أفكاركم المضمرة، فاطلبوا من الربّ القوة والحكمة للتعبير عنها، وبرهنوا لأصدقائكم وأحبائكم محبتكم لهم».

ويعد غارسيا ماركيز، الذي اشتهر بين أصدقائه ومعجبيه باسم «غابو»، أشهر روائي في أميركا اللاتينية، وبيعت عشرات الملايين النسخ من كتبه.

وقبل وفاته بأيام كتب ماركيز رسالة وجهها إلى الناس جاء في مقطع منها: «لقد تعلمت منكم كثيراً أيها البشر، تعلمت أن الجميع يريدون العيش في القمة غير مدركين أن سرّ السعادة في كيف نهبط من فوق، وتعلّمت ان المولود الجديد حين يشد على إصبع أبيه للمرّة الأولى يعني انه أمسك بها إلى الأبد، تعلّمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلى الآخر فقط حين يجب أن يساعده على الوقوف».

كافح ماركيز لسنوات كي يصنع اسمه روائياً، رغم أنه نشر قصصاً ومقالات وعدة روايات قصيرة في الخمسينات والستينات، أشهرها «عاصفة الأوراق» و«ليس لدى الكولونيل من يكاتبه».

وحقق اسمه روائياً على نحو مثير في روايته «مائة عام من العزلة» التي نالت شهرة كبيرة بعد نشرها مباشرة في عام 1967 التي باعت أكثر من 30 مليون نسخة في أنحاء العالم وأعطت دفعة لأدب أميركا اللاتينية. وقال ماركيز إنه استلهم الرواية من ذكريات الطفولة عن القصص التي كانت ترويها جدته التي يغلب عليها التراث الشعبي والخرافات لكنها قدمت أكثر الوجوه استقامة.

وقالت الأكاديمية الملكية السويدية عند منحه جائزة نوبل في عام 1982 «يقودنا في رواياته وقصصه القصيرة إلى ذلك المكان الغريب الذي تلتقي فيه الأسطورة والواقع». وعلى الرغم من أن رواية «مائة عام من العزلة» هي أشهر أعماله إلا أنه كتب أعمالاً أخرى نالت شهرة خريف البطريرك» و«الحب في زمن الكوليرا» و«قصة موت معلن».

بعد ولادة غابرييل بوقت قليل أصبح والده صيدلانياً، وفي يناير من عام 1929 انتقل مع لويسا إلى بارانكويلا، تاركاً ابنه في رعاية جديه لأمه. وتأثر غابرييل كثيراً بالعقيد ماركيز، الذي عاش معه خلال السنوات الأولى من حياته، كان العقيد محارباً ليبرالياً قديماً في حرب الألف يوم، وشخصاً يحظى باحترام كبير بين أقرانه في الحزب، واشتُهر برفضه السكوت عن مذبحة إضراب عمال مزارع الموز، الحدث الذي أدى إلى وفاة قرابة المئات من المزارعين، والذي عكسه غابرييل في روايته «مائة عام من العزلة».

جدته ترانكيلينا أجواران كوتس التي أطلق عليها اسم «الجدة مينا» ووصفها بـ«امرأة الخيال والشعوذة» تملأ المنزل بقصص عن الأشباح والهواجس والطوالع والعلامات. وقد تأثر بها غابرييل غارسيا ماركيز كثيراً مثلها مثل زوجها. إضافة إلى كونها مصدر الإلهام الأول والرئيس للكاتب، حيث استمد منها روحها وطريقتها غير العادية في تعاملها مع الأشياء غير النمطية مثل قصها للحكايات الخيالية والفانتازيا، كما لو كانت أمراً طبيعياً تماماً أو حقيقة دامغة. إضافة إلى أسلوبها القصصي، كانت «الجدة مينا» قد ألهمت حفيدها شخصية أورسولا إجواران، التي استخدمها لاحقاً وبعد قرابة 30 عاماً في روايته الأكثر شعبية «مائة عام من العزلة».

وتوفي جده عام 1936 عندما كان عمر غابرييل ثمانية أعوام، وبعد إصابة جدته بالعمى انتقل للعيش مع والديه في سوكر، بلدة في دائرة سوكر بكولومبيا، حيث كان يعمل والده في مجال الصيدلة.

وبعد تخرجه عام 1947، انتقل ماركيز إلى بوغاتا لدراسة القانون في جامعة كولومبيا الوطنية، حيث تلقى نوعاً خاصاً من القراءة. قرأ ماركيز رواية «المسخ» لفرانس كافكا التي ألهمته كثيراً. وكان متيماً بفكرة الكتابة، ولكنها لم تكن بغرض تناول الأدب التقليدي، بينما على نمط مماثل لقصص جدته، «حيث تداخل الأحداث غير النمطية وغير العادية، كما لو كانا مجرد جانب من جوانب الحياة اليومية».

وعلى الرغم من شغفه للكتابة إلا أن ماركيز استمر في مسيرته في دراسة القانون عام 1948 ارضاءاً لوالده. وأغلقت الجامعة أبوابها إلى أجل غير مسمى بعد أعمال شغب دامية، لينتقل إلى جامعة قرطاجنة، وبدأ في العمل مراسلاً لصحيفة يونيفرسال، وفي عام 1950 ترك مجال المحاماة ليتفرغ للصحافة.


صداقات

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/04/126707.jpg

 

كون ماركيز صداقات عدة مع الزعماء، ومنهم الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو، والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، إضافة إلى توافقه مع الجماعات الثورية في أميركا اللاتينية، خصوصًا في الستينات والسبعينات من القرن الـ20. وفي مقابلة أجرتها كلوديا درييفوس معه في عام 1982، أقر ماركيز بأن صداقته مع كاسترو تنصب بالأساس في مجال الأدب: «العلاقة بينا ما هي إلا صداقة فكرية، ربما لم يكن معروفًا على نطاق واسع أن فيدل رجل مثقف، وعندما نكون معًا نتحدث كثيراً عن الأدب».

تويتر