«الطاقة والحركة» يضم أبرز أعمال مطر بن لاحج

منحوتات بإيقاعات لغوية وخيول تعدو

صورة

يقدم الفنان الإماراتي مطر بن لاحج مجموعة من أعماله التي تجمع بين النحت واللوحات، فينقل زائر معرضه «الطاقة والحركة» الذي افتتح أخيراً في مرسم مطر، بدبي، بين عالمين مختلفين.

يحفل عالم اللوحات بالحركة، وكذلك بالسرعة التي يفرضها إيقاع الخيول التجريدي، بينما تقدم المنحوتات أسلوب مطر في العمل على مادة الستانلس استيل، فتحمل قساوة المادة من جهة، وسلاسة الفكرة من جهة أخرى، لتبرز شغف الفنان بتحميل أعماله رسائل ورموزاً مؤثرة.

من الباحة الخارجية ينطلق معرض بن لاحج، إذ وضعت منحوتة «أقمار الغفران» التي سبق أن عرضت في «دبي مول»، فشكلت ما يشبه المقدمة للمعرض الذي احتلت فيه المنحوتات الضخمة حيزاً، إذ تتابعت في الإيقاع نفسه مع «انبعاث اللغة»، ثم انتقلت إلى «أمواج وسرعة»، و«طرب الثقافة» التي جسّدها الفنان الإماراتي من خلال منحوتة تشبه آلة موسيقية.

تتعدى منحوتات مطر بن لاحج هواجسه الفنية لتشكل ما يشبه العصارة الثقافية، فهناك حرص على تضمينها توجهات ثقافية من خلال الرموز التي توجد بأسلوب مكثف، فالحروف تنبعث من منحوتاته كشلالات، بينما يأخذ المتلقي من خلال «طرب الثقافة» إلى معنى جديد لمفهوم الطرب، الذي لا ينحصر في الموسيقى، وإنما يدخل في أشكال ثقافية عدة، فالشعر يمكنه أن يتحول إلى طرب، وكذلك النص وكل ما تحمله الثقافة. أما السرعة التي وجدت في اللوحات فتجسدت في المنحوتات أيضاً، ومنها منحوتات «أمواج وسرعة» التي تباينت في أحجامها.

يجرد بن لاحج الخيول من هيئتها الواقعية، فيمنحها بعداً تجريدياً، يمكنه من تكوين العمل في إطار رمزي غير مباشر. يحرّض الخيول على الركض، ويتلاعب بالخطوط البيضاء وسط خلفيات لونية قاتمة، فلا يميل إلى الألوان المحايدة أو الدرجات الخفيفة، بل يجعل قوة اللوحة مستمدة من قوة اللون. وبرز ذلك في اللوحات التي أخذت خلفيات زرقاء أو حمراء قوية، بينما كانت آثار الخيول بيضاء متطايرة.

يحرص بن لاحج على إبعاد أعماله عن الصبغة التراثية، فلا يريد تحميل الخيول الشكل الحقيقي لجهة اللون أو الهيئة، ويميل إلى كسر المألوف عند كثيرين من الفنانين الإماراتيين الذين شكلت البيئة المحلية ملهماً أساسياً لأعمالهم. يختزل الخيول في الأقدام أو الوجوه، أو الحركة فقط، ويمنح أعماله أسماء تدلل على المعاني التي يهدف إلى إيصالها، فهي تنطلق من الحركة لتصل إلى أمواج وتوهج وسمو.

وقال بن لاحج لـ«الإمارات اليوم»: «لا أحب أن أقيم معارض كثيرة ومزدحمة، ولدي قناعة بأن المجموعة التي ينبغي أن أقدمها يجب أن تكون رصينة، وتجمع روائع الأعمال التي لاقت استحسان الجمهور». وأضاف «أفضّل أن أعرض الأعمال الفنية في إطار فلسفي معين، فالفنان يبرز الجمال ويزيده». وأشار إلى أن «الطاقة والحركة» الذي يستمر حتى 19 الجاري هو المعرض الفردي الخامس له خلال مسيرته الفنية.

ولفت إلى أن ما يعمل عليه هو البحث عن التميز، وحركة الصورة اليوم هي ما يعمل عليه، فالحركة السريعة مهمة بالنسبة إليه، علاوة على وضوح اللون الذي يقدم ما يشبه الأسر البصري.

ورأى أن الخيال الفني هو الذي يبعث على التفكير والاستنتاجات، لذا يتعمد إدخال الخيال في الفن، إذ يشكل مفاجأة بصرية، ويحتوي على التحدي للمادة، مشيراً إلى أن اندماجية الفنان مع اللوحة أقوى من المنحوتة، لأن اللوحة تمثل صورة إنتاج النحت، وملامسة مكان الإنتاج والوسائط، وهذا يجعل اللوحة مختلفة عن النحت، وأقرب إليه. واعتبر أن توجهه للمنحوتات الضخمة يأتي من مفهومه الخاص، حيث الحركة والحجم في العمل، ويقدم أعمالاً تعبر عن مدى استمتاعه بالمساحات الكبيرة. وذكر أن إنتاجه في النحت يقوم على ثقافة عالية ليصل إلى مرحلة الإبهار.

ورأى أن هناك أصحاب ريادة وهم مؤشر العمل الفني في الدولة، منهم عبدالقادر الريس ونجاة مكي اللذان دعماه معنوياً من خلال تواجدهما. أما الساحة الفنية في الإمارات، فأوضح بن لاحج أنها تحمل طرحاً متوازناً، ووضعها جيد، لكن يحتاج إلى تقييم وترتيب، لاسيما أن هناك اقتناعاً من قبل المسؤولين بأن الفن لغة راقية يجب أن تطبق.

 رسم ونحت وتصوير

يتمتع الفنان مطر بن لاحج بسيرة فنية تجمع بين الرسم والنحت والتصوير، إذ قدم أعماله في هذه المجالات على مدى السنوات الماضية مشاركاً في معارض عدة، داخل الإمارات وخارجها، من بينها معارض بالمغرب وألمانيا والكويت وتركيا والولايات المتحدة الأميركية.

فن مفاهيمي

رأى الفنان الإماراتي مطر بن لاحج أن هناك من يترجم الفن المفاهيمي بشكل الصحيح، بينما يوجد من يترجمه بطريقة تسيء إلى العالم المفاهيمي كله، وذلك لغياب التحديد في اللغة الفنية، لافتاً إلى وجود تعال من بعض الفنانين المفاهيميين على المتلقي لجهة عدم فهمه الطرح، بينما يجب أن يكون له دور واضح، وأن يكون أقرب للناس.

وأضاف أن «كثيرين من الفنانين اليوم يتوجهون إلى الفن المفاهيمي، تماماً كما في اللغة العربية يتعمد البعض اللجوء للتسكين؛ كي يبتعد عن انتقاد أخطاء التحريك، فالمفاهيمي هو تكوين كتل، ويسهل خوض غماره. والإنتاج المفاهيمي يجب أن يتضمن رموزاً قابلة للتأويل، وليس أن يكون مبهماً لدرجة يصعب على المتلقي فهم العمل، والفنان الذي يقدم عمله كلغز يحرق نفسه، بينما المبدع الحقيقي هو الذي يربط بين العمل والمتلقي بطريقة واقعية، فلا يجوز قطع الخيوط مع المتلقي».

تويتر