معرض للنحات أحمد عسقلاني في «آرت سوا» بــدبي

«والآن.. هل يمكننا الرقص؟».. موسيقى الـرؤوس المختفية

يحمّل النحات المصري أحمد عسقلاني المنحوتات رسالته الخاصة في الفن، لتشكل رؤية قائمة على فلسفة لدور الإنسان وآرائه وأفكاره وخبراته وتجاربه. تصوير: باتريك كاستيلو

بتضخيم القدمين وتصغير الرؤوس إلى ما يشبه الاضمحلال، يحمّل النحات المصري أحمد عسقلاني المنحوتات رسالته الخاصة في الفن، لتشكل رؤية قائمة على فلسفة لدور الإنسان وآرائه وأفكاره وخبراته وتجاربه. كيف تتبلور الثقافة الجماعية؟ وكيف يتحدد الاختلاف بين البشر؟ يطرح عسقلاني من خلال معرضه الأخير الذي افتتح في غاليري «آرت سوا» تحت عنوان، «والآن.. هل يمكننا الرقص؟» هذه الفلسفة ضمن ايقاعات موسيقية تتبادر الى الذهن مع الأجساد الضخمة التي يحمل كل منها آلة مختلفة، لتصبح المجموعة كلها فرقة مكتملة لعزف موسيقى الوجوه المختفية بأسلوب انفرادي بحت. تعتبر منحوتات العسقلاني حالة خاصة من حيث البنية والحجم، حيث لا تحكم الأجساد التي يقدمها المقاييس الطبيعية، ما يجعله غارقاً في دحض المثالية والاكتمال. يبحث من خلال النحت عن لغة نقدية لبنية المجتمع الذي يحيطه، فنلامس حرصه على أن تكون هذه المنحوتات شديدة الصلة بمحيطه وبيئته وما يشوبها من حالات وصراعات سياسية واجتماعية. وعلى الرغم من اعتماد عسقلاني تقديم المنحوتات كأنها فرقة موسيقية، يحمل كل عازف آلة مختلفة، الا أنه يفرض أو يحيط كلاً منها بحالة من العزلة، فالعزف انفرادي بامتياز، لا مكان لأوركسترا، وليس هناك من قائد فرقة لمعزوفة جامعة، ولا حتى جمهور. الحركات والآلات والوضعيات التي يجسد بها المنحوتات تدلل على حالة من الضجيج، لاسيما أن العازفين لا يمسكون آلاتهم بالشكل الصحيح، ما يجعل المكان مأهولاً بالحركة والصخب للاحتفال بالحياة، لكن مع غياب الصواب.

سيرة فنية

بدأ الفنان المصري أحمد عسقلاني رحلته في عالم النحت عام 1999، من خلال المعرض الفردي الأول الذي أقامته القنصلية البريطانية في القاهرة، لكنه منذ الصغر كان يحب النحت، وقد نشأ في عائلة فقيرة ومتواضعة، لذا لم تكن لديه الإمكانات لمتابعة دراسته العليا. تلقى دروسه في المدرسة، ثم تابع في المعهد، حيث كان يعمل ويجمع المال كي يكمل دراسته. ويؤكد أنه لو خير في الدراسة بين الفن وأي اختصاص آخر، حتماً كان سيختار الفن.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/03/754210%20(1).jpg

معارض

قدم أحمد عسقلاني مجموعة من المعارض الفردية في بعض البلدان والمدن، منها مصر ودبي وأبوظبي وإيطاليا وهولندا. وشارك في مجموعة من المعارض الدولية، منها الجناح المصري في بينالي فينيسيا في إيطاليا، وآرت أبوظبي، ومعرض باريس للفنون. الى جانب هذه المشاركات بيع له عمل في مزاد كريستيز في دبي عام 2011.

 

هذا العزف الانفرادي شديد الصلة بالشارع المصري وما يحدث به اليوم، قوامه وجود الشخص والآخر، إذ يطرح من خلالهم عسقلاني مجموعة من الأسئلة حول ما إذا كان الاختلاف يمكنه أن يلغي الآخر؟ وما إذا كان هناك بحث عن السقوط في فخ العزلة الاجبارية، أو أن الشتات هو أزمة العصر. هذه الأسئلة تجعل أعمال عسقلاني حالة فريدة في بعدها عن فكرة الايقاع المنسجم التي تبدو أكثر صواباً في العزف الموسيقي الحقيقي وليس في القضايا التي ترتبط بالوجود والانتماء. وبعيداً عن الحالة السياسية التي تحاصر المعرض الذي يستمر حتى 16 أبريل، يقودنا عسقلاني من خلال أعماله الى التعمق في مسألة الاكتمال والجمال. تحمل أعماله رسالة واضحة في محاربة القبح، إذ يعتبر الفن الوسيلة الأولى لذلك. هذه البشاعة التي يحاربها عسقلاني، لا يحاربها من زاوية الاختلاف، وإنما على العكس، يسعى الى جعل منحوتاته المنفذ الرئيس والمحفز على التفكير في الجمال والقبح والاختلاف بينهما، وكيفية دحض القبح لمصلحة الجمال. وقد نجد هذا بوضوح عبر الاقدام الكبيرة والضخمة، والبطون المنتفخة والرؤوس الضئيلة، فهي حالة من عدم الاكتمال واللامثالية وقبح يجب أن يقودنا في الختام الى تصور الجمال. وحول تجربته النحتية قال عسقلاني لـ«الإمارات اليوم»، «بدأت تجربتي في النحت عام 1993، لكن مررت بمحطات عدة ولاسيما مع بدء استخدامي للبرونز عام 2008 بعد أن عملت على الفخار والبوليستر والغرانيت، ويمكنني القول إن البرونز أفضل مادة للنحت، لكنه مكلف ويحمل الكثير من الصعوبات ويتطلب مجهوداً عضلياً». ولفت الى أن الشخوص التي يمثلها تجسد النفس البشرية، وان اختزاله للرأس يأتي بسبب التشابه بين البشر الذي يكون من خلال الأجسام، لكن يبقى الاختلاف في الرأس، فلكل منا أفكاره وتعامله مع الناس والحياة وخبراته المختلفة. ولفت الى أن الأجساد هي ما يتباهى به المرء أمام الناس، لكنها باتت مشوهة، لذا فإنه يحرص على إبرازها في الأعمال كونها من صنع البشر. واعتبر أن البشر يحملون أخطاء لا محال، ولكن الإنسان دائماً يحاول أن يثبت انه جيد وأنه متميز، فكل عازف في المعرض يحاول أن يثبت أنه الأفضل في مكان معين، فكل واحد منهم يمثل منطقة معينة.

أما النحت ولاسيما العمل على التجسيد، فنوه عسقلاني بأنه غير مقبول في مجتمعنا، وربما هذا يرتبط في البداية وتعاطينا مع المفاهيم الثقافية، موضحاً أنه في حال تم وضع منحوتة على الطريق، فسنرى كل الناس يقفون بقربها ويحاولون تفحصها عن قرب، والتقاط الصور بالقرب منها، لكننا فعلياً لا نعطي الناس الفرصة للتعمق في النحت. ورأى أنه لا بد من تعزيز النحت، لأن التشكيل قد وصل الى الناس وبشكل متين، لكن النحت هو الموثق الحقيقي للحضارة الإنسانية، فالحضارة الفرعونية، والحضارات الأخرى الموجودة في الصين، عرفها الناس من خلال النحت، كما أن عباداتهم سجلت من خلال النحت. ولفت عسقلاني إلى وجوب تقريب الناس من النحت، مشيراً الى أن النحت يجعل الأفكار عند الناس تتفتح وتظهر. وعن حالة الفن في مصر بعد الأحداث التي شهدتها مصر، قال عسقلاني، «الفنان يحظى بالدعم، لكن الاهتمام بالفن يحتاج الى المزيد، وكذلك الى تعزيز ثقافة الاقتناء، كما أن الثورات أثرت في المشهد الثقافي، وأفسدت الحركة الثقافية وكذلك الإنسان». وأضاف «الثورات جلبت الخراب، ولم أكن مقتنعاً بما سمي ثورة من الأساس، وهناك جزء من الناس البسطاء الذين كانوا مقتنعون بحياتهم البسيطة وما يعنيهم فقط الأمان، ولكن منطقتنا باتت أماكن للخراب والناس تموت والدم في كل مكان، وكان لدينا حلم بالأفضل، لكن لو كانت الحرية بهذه الطريقة فلا نريدها».


 تجسيد

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/03/754210%20(2).JPG

اختيار الفنان المصري أحمد عسقلاني التجسيد وضعه في مواجهة مع المجتمع الذي يحرم التجسيد في النحت، كونه يمثل إعادة خلق، لذا ارتأى لغة خاصة لا تقوم على رسم البشر بشكلهم الصحيح. اختار البدانة لتكون واحداً من الأمور التي تشكل البشر بأساليب متباينة، فلا يمثل الرؤوس ويضخمها بشكل كبير كي يعبر من خلالها عن لحظات وأفكار وتراكيب بشرية عقلية وليست جسدية. الجسد هو الأداة التي تتيح له تقديم هذه الأفكار.

 


 

تويتر