«العربية» تحضر أكاديمياً وتغيب إبداعياً في «آداب دبي»

طلبة مدارس في حضرة الإبداع

صورة

حضرت القهوة العربية في العرض الافتتاحي لمهرجان «طيران الإمارات للآداب»، الذي أقيم بحضور سمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، مساء أول من أمس، في فندق «انتركوننتال» بدبي، لكنها غابت كلغة إبداع، في العمل الذي قدمه مجموعة من طلبة المدارس الأجنبية بالدولة، وظلت طوال العرض حبيسة الترجمة لمن يحتاج إليها من الحضور، عبر توفير تقنية الترجمة الفورية.

وقدم الطلاب عرضاً مسرحياً وغنائياً متزينين باللباس الوطني، لكن النص جاء باللغة الانجليزية، التي أظهروا عبرها مهارة جيدة في محاورة خمسة أدباء وكتاب، هم كيت ايدي، فيليب اردا، عبدالباري عطوان، شوبها دب، جيفري ديفر، عبر فقرة «مفاجآت الحكايا»، التي تضمنت أسئلة غير تقليدية، كشفت عن جوانب أخرى في حياة ضيوفها.

مغامرة

قبيل الاستضافة، صرح الكاتب ورئيس تحرير صحيفة «القدس العربي» عبدالباري عطوان المقيم في لندن، لـ«الإمارات اليوم»، أنه يترقب هذه المغامرة الحوارية، فيما أكد أثناء الحوار الذي دار أيضاً باللغة الانجليزية، إلى أنه يتطلع لأن ينهي حياته المهنية مستقراً في دبي على وجه الخصوص، مضيفاً: «هنا نسيت كل الأخبار السيئة، المتخم بها الشرق الأوسط حالياً، كما أنني استمتعت بشمس دافئة يفتقدها من يعيش في جليد بريطانيا».

في المقابل، طرح الطلاب أسئلة طريفة على كاتب سلسلة أفلام «جيمس بوند» جيفري ديفر، ختمها بالاستجابة لطلبهم بأن يقوم بالغناء، قبل أن يفصح عن موهبة جيدة في العزف على آلة الغيتار، قبل أن يختتم الحفل بنشيد المهرجان «بطل أم شرير» باللغة الانجليزية.

ترجمة

جسر باتجاهين

عبر عدد من الكتاب والأدباء، الذين يزورون المهرجان للمرة الأولى، عن إعجابهم بفكرة إقامة مهرجان دولي للآداب في ضيافة عربية، إذ قال الأديب واسيني الأعرج: «في ما يبدو لي هو التظاهرة الفريدة من نوعها في الوطن العربي، فدائماً ما ندعى ونحضر مهرجانات نحتفي فيها بأنفسنا، ونلتقي ونتحاور أيضاً مع أنفسناً، لكننا الآن، نفعل الأهم، وهو الحوار مع الآخر».

واضاف الأعرج «سيغدو هذا المهرجان أكثر استثنائية، إذا تحقق فيه بالفعل جوهر التواصل، يكون عبره بمثابة جسر باتجاهين، مع الاخر، وهو أمر بدوره متوقف على عاملين، أولهما أن نجيد نحن فن استماع الآخر، وثانيهما أن يمتلك هذا الآخر قابلية أن يستمع لنا بصيغة تجعله يتفهم خصوصيتنا وقضايانا».

الكاتب عبدالباري عطوان، الذي يحل ضيفاً على المهرجان لأول مرة أيضا، خرج بانطباعات إيجابية بعد استماعه تصريحات كل من سعيد النابودة، وإيزابيل بالهول حول المهرجان، فضلاً عن استعراض عناوين فعالياته، مؤكداً أن وجود الثقافة العربية في حوار دائم مع غيرها من الثقافات مرهون بمناسبات كهذه، تشجع على حوار حقيقي، منشؤه الأدب والفكر والثقافة.

من جهة أخرى، شكلت أعمال فنية، يتم عرضها بالتعاون مع هيئة دبي للثقافة والفنون، بعنوان «أبواب دبي»، ألقاً وجذباً لرواد المهرجان، الذين سعوا لالتقاط صور تذكارية لهم بجانبها، رابطين بينها وبين نظيرتها المألوفة في الفن التشكيلي البريطاني المحتفي بتراثه المحلي.

خلافاً لكلمتي سعيد النابودة والشاعرة نجوم الغانم، في جلسة الافتتاح الصباحية، فإن حضور اللغة العربية في اليوم الأول للمهرجان بكامل فعالياته اقتصر على كونها لغة ترجمة، بعد أن تم استبعاد فقرات اعتادها المهرجان في بعض دوراته، تتضمن قراءة نصوص شعرية، أو نثرية بها، باعتبارها لغة إبداع أصيلة.

وجاء وجود العربية في أروقة ثاني أيام «مهرجان الآداب»، بصيغة أكاديمية، وليس إبداعية، حيث كانت بداية فعاليات اليوم التالي بندوة «الآداب»، ضمن مبادرة «وطني»، ناقشت بشكل أكاديمي بعض الإشكالات المرتبطة بتراجع حضور اللغة العربية، كأنها صدى لتقلص حضورها في اليوم الافتتاحي، وتحدث فيها بشكل رئيس كل من د.عبدالعزيز المسلم، ود.عبدالرحمن عبدالحليم، وعلي عبدالله الريس، وسحر نجا محفوظ، وشهدت حضوراً متوسطاً معظمه من طالبات مدارس تنظم زيارات ميدانية للمهرجان أثناء اليوم الدراسي، كما حرصت على متابعتها أيضاً مديرة المهرجان إيزابيل بالهول.

وأكد د.عبدالرحمن عبدالحليم أن «أحد التحديات الأساسية، التي تؤدي إلى تراجع حضور العربية هو تبسيطها، وتسهيل مهام تعلمها، وتطوير طرق تعلمها، وهو ما أكده ايضاً د.عبدالعزيز المسلم، الذي استدعى إقدام أحد المؤلفين لتخصيص كتاب تحت عنوان «جريمة سيبويه»، يستقصي فيها الأخطاء اللغوية التي وقع فيها هذا العالم اللغوي المهم الذي لم يكن بالأساس من اصول عربية. واستغرب المسلم حالة «اللاتفاخر» التي تسود المجتمعات العربية بلغتهم الأصيلة، مختزلاً عدداً من زياراته لمجتمعات غير عربية في دول إفريقية وآسيوية وأوروبية ، وكيف أن من يتمكن من تعلمها يفخر بذلك، مضيفاً: «يتحدث اللغة العربية الآن نحو ‬424 مليون نسمة، وهي أكثر اللغات السامية انتشاراً، ولها تأثير لا ينكره الباحثون في الكثير من اللغات الأخرى، وتمتلك فضلاً عن كونها لغة القرآن الكثير من الخصائص التي تدعو حاملها إلى الزهو والاعتزاز بها».

وأضاف أن «أحد المؤشرات المهمة الدالة على ثراء اللغة العربية هو أن معجم لسان العرب المنجز في القرن الـ‬13، يحتوي على ‬80 ألف كلمة، في حين أن قاموس صمويل غنس الانجليزي المنجز بعده بخمسة قرون لا يحتوي سوى على ‬42 ألف كلمة، ما يعني أن ثراء العربية مقارنة بالانجليزية أصيل، وليس مستحدثاً».

إشكالات

لكن المسلم أشار إلى إشكالات مجتمعية، وليست في بنية وطبيعة اللغة نفسها في هذا المقام، مضيفاً: «رغم أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أقرت اللغة العربية لغة رسمية ضمن خمس لغات فقط، وخصصت يوماً عالميا للاحتفال بها، هو ‬14 ديسمبر من كل عام، إلا أن العرب أنفسهم يتحدثون داخل هذه المنظمة العريقة بغيرها، إذ يفضل أبناء المشرق العربي الانجليزية، فيما يلجأ المنتمون لدول المغرب العربي إلى الفرنسية». وكشف المسلم أن هناك منظمة عربية حديثة يجري تأسيسها لخدمة اللغة العربية من مهامها إقامة مراكز ثقافية لتعلمها ونشر ثقافتها، على غرار المراكز الثقافية البريطانية والفرنسية، لكن خلافات على مقر استضافتها بين عدد من الدول العربية لايزال يعوق انطلاقها، وهو جزء حسب وجـهة نظـره من توصيف أزمة اللغة العربية.

وأحال المسلم أيضا لمقال للدكتور سليمان العسكري، يرى فيه أن مشهد لجوء قادة سياسيين إلى الحديث باللغة الانجليزية في لقاءاتهم المختلفة جزء أيضاً من تجليات تلك الأزمة.

حاجة

أكدت كاتبة قصص الأطفال سحر نجا محفوظ، أن الاهتمام باللغة العربية يجب أن يبدأ في وقت مبكر بالنسبة للطفل، مضيفة: «قراءة الأم لطفلها قصة بسيطة وسهلة، أمر يلعب دوراً مهماً في تنمية ذائقته اللغوية، كما أن حصول الأطفال على قصص مبسطة، ومشوقة تجعلهم يميلون إلى القيام بتجربة الكتابة نفسها». ورأت محفوظ أن «هناك حاجة ماسة لجعل قصص الأطفال تمس عوالمهم بالفعل، وترفع من مستوى ذائقتهم الجمالية في اللغة، وتعزز مشاعر الثقة بالنفس لديهم، كما أن المناهج الدراسية بحاجة إلى أن تبتعد عن الملل والتكرار».

ورأى علي عبدالله الريس أن «الأسرة هي كلمة السر في علاقة الفرد بلغته، محيلاً إلى تصور بعض الأسر أن الاهتمام بتعلم الانجليزية يعني تغييب أبنائهم عن العربية، مضيفاً: «هذا في الحقيقة إنما تغييب عن أصوله وتاريخه وهويته»، مستشهداً بمقولة أحد الكتاب الفرنسيين إن «اللغة هي الوطنية».

تويتر