الجسمي يعتبرها «عائقاً» يواجه الدراما العربية.. والنيـــادي يراها «فقاعة»

المسلسلات «المُدبلجــــــة» تحتلّ شاشة التلفزيون

صورة

المسلسلات المدبلجة (التوليفية) لاتزال تواصل «غزوها» للفضائيات العربية، حتى أصبحت ظاهرة تسثير اهتمام كثير من المشاهدين، خصوصا الأعمال التركية التي غدا لها جمهور عريض على امتداد الوطن العربي. وأصبحت صور أبطال مسلسل «فاطمة»، خصوصا النجمة بيرين سات، في الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، علاوة على استقطاب المسلسل كثيرا من المشاهدين العرب، وكان مسلسل «حريم السلطان» التركي حقق نسبة مشاهدة غير مسبوقة أيضا، وكذلك مسلسلات «نور»، و«سنوات الضياع»، و«إيزل»، التي حققت نجاحا لافتا على الصعيد العربي.

هذا «الغزو المدبلج» لم يتوقف، وهناك من يشير إلى أنه سيجتاح الدورة البرامجية الرمضانية في قنوات عربية عدة، ما يجعل الدراما التلفزيونية العربية «يتيمة» على الشاشات العربية. وفي حين وصف الفنان الإماراتي سلطان النيادي تلك الاعمال المدبلجة بأنها «فقاعة كبيرة وسريعة الزوال»، إلا أن الفنان الإماراتي أحمد الجسمي اعتبر «المسلسلات المدبلجة عائقاً كبيرا أمام فرص المسلسلات العربية والخليجية والمحلية». أما الفنانة الكويتية سعاد العبدالله، فأكدت أن «الدراما العربية لا تتمتع بحماية كافية في وطنها».

الثورات العربية، خصوصاً المصرية والسورية، عمقت استعداد المشاهد العربي لتوطيد صلته مع المسلسل المدبلج لأسباب عدة، في مقدمتها تراجع تصوير وإنتاج الاعمال الدرامية في مصر أثناء الثورة، وفي سورية منذ اندلاع الثورة فيها حتى الآن، اذ «هاجرت» بعض مراكز الانتاج إلى بلدان أخرى، أو تقلص انتاجها، وأصيبت بحالة تكلس شديدة أصابت تلك الصناعة في مصر وسورية بالدرجة الأولى بوصفهما كانا مركزي الثقل في الانتاج الدرامي التلفزيوني، فضلاً عن اكتشاف المشاهد العربي أن ما يشاهده على الشاشة شديد التباين مع الواقع الذي يحمل مشاهد قتل وتعذيب وتدمير، مارسته أنظمة ثارت عليها شعوبها، ولايزال المشهد الدموي متواصلا في سورية، كما تراجعت أو غابت قائمة كبيرة من المسلسلات التي كانت مفضلة لفترة كبيرة لدى المشاهدين العرب، مثل «باب الحارة» بأجزائه المختلفة.

عائق كبير

«مربع» المنافسة

أفرز غزو المسلسلات الأجنبية بلغات مختلفة للشاشات العربية على تنوعها ازدهاراً لمهن جديدة لم تكن تعرفها شركات الإنتاج، ووسط صناعة الدراما عموماً وأصبحت هناك مجموعة من الممثلين المتخصصين في الأداء الصوتي للمسلسلات المدبلجة، وذهب ممثلون معروفون إلى تفضيل تلك العروض في ظل جماهيريتها الملحوظة، فضلاً عن ازدهار مهنة الترجمة من لغات متعددة ابرزها التركية.

ورغم ان معظم الفضائيات العربية لم تكشف بعد كامل وجباتها الدرامية الخاصة بشهر رمضان المقبل، فإن عدد المسلسلات التركية خصوصاً التي تعاقد عليها عدد من الفضائيات، يؤكد أن المنافسة الثلاثية المعتادة اجتذاب المشاهد العربي قد لا تظل مصرية وسورية وخليجية، وربما تتحول إلى مربع أحد أضلاعه الرئيسة الدراما التركية خصوصاً، في واقع جديد خلال شهر رمضان تحديداً الذي يمثل ذروة الربح الإعلاني.

يقول الفنان الإماراتي أحمد الجسمي الذي يدير شركة جرناس للإنتاج الفني، إن «ظاهرة انتشار المسلسلات المدبلجة واحد من اهم العوائق التي تحول دون وجود فرص أكبر لعرض المسلسل العربي عموماً، وليس فقط المحلي أو الخليجي»، مشيراً إلى أن هناك منافسة قوية بالأساس بين تلك المسلسلات بصيغها المختلفة، وأن السوق لم تكن تحتمل مزيداً من المنافسة على مشاهد أصبح تعدد الخيارات واتساعها بشكل مبالغ فيه يصيبه بمزيد من الارتباك، نظراً لقدرة تلك الدراما الهائلة على تسويق ذاتها.

وفي الإمارات، وبعد النجاح الاستثنائي الذي حققه العرض الأول لمسلسل «حريم السلطان» على شاشة دبي الفضائية، ومن ثم اتخاذ قنوات عدة، منها قرار شراء حقوق إعادة عرضه، من بينها قناة «الحياة» المصرية، لجأت قناة سما دبي الفضائية التي عُرفت بتركيزها على مواد درامية محلية وخليجية في المقام الأول، لبث المسلسل التركي «سيدة المزرعة»، ضمن الخارطة البرامجية.

غياب الحماية

أسئلة كثيرة حول واقع ومستقبل المسلسل العربي، أبرزها يتعلق بمدى وجود حماية له تضمن على الأقل المنافسة العادلة في وطنه العربي الكبير مع غيره من المسلسلات الأجنبية، من بينها المدبلجة.

وتعد الفنانة الكويتية سعاد العبدالله التي تدير شركة إنتاج خاصة المنافسة التي تعتمد عليها تلك الأعمال المدبلجة بالأساس هي منافسة غير عادلة، مضيفة «هناك حماية لتلك المسلسلات في أوطانها، لا يتمتع بها المسلسل العربي داخل حدوده الجغرافية».

وتؤكد أهمية عدم تجاهل الجانب الاجتماعي السلبي في المجتمع العربي، نتيجة انتشار المسلسلات المدبلجة التي تحمل قيما مختلفة.

كل الظروف مهيأة لتعميق الغزو الدرامي للشاشات العربية عن طريق المسلسلات المدبلجة بصفة عامة، وليست التركية فقط، ولا يستثنى منها، على الأرجح، السباق الرمضاني. وحتى في حال افتقاد مسلسلات كانت حاسمة في تلك المعادلة، مثل «نور» و«سنوات الضياع» و«إيزل» وغيرها، لأن هناك معطيات اقتصادية وفنية وثقافية متعددة دفعت بهذا الاتجاه، وسرعت خطاها الأزمة الاقتصادية العالمية التي دفعت قنوات باتجاه البحث عن الأعمال الجاهزة الأكثر مردوداً والأقل كلفة، فضلاً عن قابليتها لاجتذاب نسبة مشاهدة عالية، في ظل وجود تصنيفات أساسية تشتت المشاهد العربي بين المسلسلات المصرية والسورية والخليجية وبلهجات مختلفة.

كلفة

حسب نقاد وكتاب دراما عرب، فإن الضعف الشديد في المحتوى، ورفض كثيرين فكرة المسلسلات متعددة الأجزاء التي بدأت تفقد رونقها مع عجز كتابها على مفاجأة المشاهد، عاملان اساسيان ضمن الأسباب الجوهرية التي عمقت الوضع الجديد.

المبالغة غير المنطقية في أجور الفنانين وميزانيات الدراما، ما قفز بإجمالي الإنفاق على هذا القطاع سنوياً في بعض التقديرات إلى نحو 200 مليون دولار، تبدو من الأسباب الوجيهة لارتفاع أسعار عرضها على الفضائيات، ومن ثم الزهد في شراء حقوق بثها، في ظل سوق إعلانات ودعت ارتباط انتعاشتها بالأعمال الدرامية، لمصلحة برامج «توك شو»، والبرامج السياسية، بسبب سخونة الأحداث في المنطقة بعد اندلاع ثورات «الربيع العربي» وما تلاه من متغيرات.

سماسرة المسلسلات المدبلجة وقدرتهم على عرض «بضاعاتهم» من الأعمال في عقر دار المسلسل العربي، خصوصاً في قنوات ذات كثافة عالية في المشاهدة أيضاً من العوامل المهمة لنجاح تلك المسلسلات في النفاذ إلى الشاشات العربية، لدرجة أن أحدهم وهو مواطن سوري مقيم في تركيا لم يعرف لدى وسائل الإعلام سوى بكنيته رغم أنه المسؤول عن الصفقة الأشهر في هذا الإطار التي سمحت ببث مسلسل «نور» على شاشة قناة «إم بي سي» قبل نحو اربع سنوات.

رغم ذلك فإن بعض مؤشرات تؤكد أن «سماسرة المدبلج» يقومون ببيع المنتج الواحد أو المنتجات المتقاربة بأسعار شديدة التباين للقنوات الفضائية، حسب قدرة كل منها على التفاوض.

«فقاعة»

الفنان الإماراتي سلطان النيادي الذي يدير شركة «ظبيان» للإنتاج الفني، وعلى الرغم من أنه يحذر من خطورة انتشار مسلسلات مدبلجة تحمل نسقا اجتماعيا مغايراً لقيم المجتمع العربي، إلا أنه أكد أن «هذا الانتشار الكبير لمسلسلات مدبلجة، معظمها تركية، هو بمثابة موجة لا تتعدى كونها فقاعة كبيرة وسريعة الزوال».

لا توجد مظلة واضحة لحماية المسلسل العربي بمفهومه الأشمل، ولايزال المنتمون إلى أسرة الدراما العربية يتعاملون مع نتاجهم بشكل قُطري، ليبقى الجدل حول حظوظ نمط بعينه من المسلسلات العربية مرتبطا بنتاجهم، ما جعل المشتغلين بالدراما المصرية يقعون في حبال منافسة غير مجدية مع نظرائهم السوريين، اشتدت في العقد الأخير، ولم تستفد منها سوى الدراما المدبلجة التي وجدت سوقاً مثالية لترويج منتجها، في ظل حالة التناحر التي فجرتها المنافسة المصرية والسورية، التي لم يفطن مشعلوها لضرورة التعاون أو على الأقل المنافسة الايجابية بينهما، إلا بعد أن وطدت الدراما الأجنبية موقعها لدى المشاهد العربي.

التأكيد على تحول مؤسسات رسمية إلى التماشي مع اقتصادات السوق دون أن يكون بعضها مهيئا لذلك، أفقد قنوات تلفزيونية رسمية متعددة دورها الحاضن للدراما العربية عموماً والمحلية خصوصا، ولم يعد الكثير من الرؤى يتعامل معها على أنها وسيلة لوجود إعلام رسمي وفق المعطيات ذاتها التي نشأ في ظلها أقدم التلفزيونات العربية، مثل التلفزيون المصري، واستغرقت القنوات طاقاتها في نسج علاقات قوية مع شركات الدعاية التي تبحث دائماً عن القنوات والبرامج الأكثر مشاهدة، وفق استراتيجية البحث عن الربح المادي للجهتين.

تويتر