كلفتها مرتفعة و«الشارقة القرائي» يحجــــب جائزة فئتها

كتب المكفوفين.. لا تجد ناشـــراً

طريقة «برايل» تعزز حقوق المكفوفين في الحصول على المعرفة مثـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل بقية أقرانهم العاديين. رويترز

توافر الكتب للأطفال حق مشروع، كما من حقهم القراءة والتعلم واللعب، ولأن ذوي الإعاقات وتحديداً المكفوفين فئة فقدت حاسة البصر، صار لزاما البحث عن وسائل لتعلمهم، مثل بقية أقرانهم. ومن هذا المنطلق طرح مهرجان الشارقة القرائي للطفل جائزة الشارقة لكتاب الطفل «لذوي الإعاقة البصرية»، غير أن جميع جوائز المسابقة حجبت، والسبب يعود إلى عدم مشاركة دور النشر المحلية والعربية في تلك الجائزة.

وما يدعو إلى الدهشة أن جميع أجنحة دور النشر المشاركة في الدورة الحالية للمهرجان لا تضم كتباً أو قصصاً مخصصة لذوي الإعاقة البصرية، وإن وجدت هناك بعض المحاولات القصصية التي تعتمد على النص القصصي المكتوب بحروف عربية، مرفقاً بها أقراص مدمجة سمعية تضم قراءات لتلك القصص.

وهناك أسباب تقف وراء عدم اهتمام دور النشر بطباعة كتب لذوي الإعاقة البصرية، حددتها منسقة الجائزة أمينة أحمد الشيب، بتدني الاقبال على شراء كتب المكفوفين التي تعتبر كلفتها أكبر من الكتب العادية، لاسيما من قبل المؤسسات التعليمية والتربوية، كما أن تلك الدور لا تمتلك الخبرة الكافية والكفاءات والمختصين في الكتابة بطريقة «برايل» أو التعامل مع هذا النوع من الكتب، إضافة إلى أن دور النشر تعاني قلة الدعم من الجهات المعنية بمعارض الكتاب، لذلك جاءت جائزة كتاب الطفل للمكفوفين بمثابة حافز لتنشيط هذا الجانب، لكن لم تشارك دور نشر فيها خلال الدورة الحالية، ما دعا الى حجب جائزة كتب فئة الإعاقة البصرية.

جائزة محجوبة

طريقة «برايل»

تقوم طريقة الكتابة والطباعة بواسطة «برايل» في الأساس على ست نقاط أساسية، ثلاث على اليمين وثلاث على اليسار، ومن هذه النقاط الست تتشكل جميع الأحرف والاختصارات والرموز. ومع دخول التقنيات الحديثة إلى عالمنا، دخل نظام الثماني نقاط في نظام الكمبيوتر ليعطي مجالاً لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الإشارات والرموز، لكن هذا النظام ظل مستخدماً فقط في الكمبيوتر.

يذكر أن طريقة «برايل» هي نظام ابجدي لكتابة ليلية، اخترعها الفرنسي لويس برايل، ليتمكن فاقدي البصر من القراءة، بجعل الحروف رموزاً بارزة على الورق ما يسمح بالقراءة عن طريق حاسة اللمس. وأكمل هذا الاختراع النقص الذي كان يعانيه النظام التعليمي، بأن صار الطلاب المكفوفين قادرين على القراءة والكتابة كغيرهم من الأشخاص العاديين.

في سنة ،1915 نشر برايل بحثاً لفت فيه النظر إلى إمكان استخدام طريقته في كتابة المدونة «النوتة» الموسيقية للمكفوفين، كما اخترع لوحاً ونوعاً من الاقلام يمكن استخدامه في الكتابة على الورق بدقة في خطوط موسيقية تقرأ باللمس. وانتشرت طريقة «برايل» في نشر كتب للمكفوفين في انحاء العالم، ما عزز حقوق هذه الفئة في المعرفة والتعبير مثل بقية اقرانهم العاديين.

قالت الشيب لـ«الإمارات اليوم» إن «الجائزة حجبت لأنه لم يتقدم للمشاركة فيها أي دار نشر أو مؤسسة تعنى بكتب الأطفال، وتحديداً ذوي الإعاقة البصرية، الأمر الذي دفع القائمين على تنظيم المهرجان إلى تخصيص دورات وورش تدريبية تصاحب المهرجان تقوم بها دار نشر فرنسية متخصصة في طباعة كتب المكفوفين «ليدوا كي ريف»، ولها خبرة ما يزيد على 17 سنة في هذا المجال، الذي مازال في طور النمو في الوطن العربي».

ولفتت إلى أن الورش كانت بمثابة دعوة لدور النشر الأخرى للاستفادة من خبرات صناعة الكتابة بطريقة «برايل»، لاسيما أن هناك محاولات تنفذها دور نشر عربية من دون الاقتراب إلى عالم الطباعة بهذه الطريقة، منها الاستعانة بأقراص مدمجة تضم قراءات للقصص، لكن تفتقر تلك المحاولات للإحساس والشعور اللمسي الذي توفره الطباعة بطريقة «برايل»، إضافة إلى استخدام الخامات المتنوعة لتوليد الإحساس بالشيء لدى الطفل الكفيف وتنمية بقية الحواس لدية مثل اللمس والسمع والشم.

وأوضحت الشيب أن دار النشر الفرنسية عرضت مجموعة من الكتب التي تمت طباعتها بطريقة «برايل» مخصصة لذوي الإعاقة البصرية، منها كتب طبعت على أوراق شفافة ذات بروزات واضحة وكبيرة الحجم لتسهيل عملية القراءة لدى الطفل الكفيف، إضافة إلى رسوم مصاحبة للنص المكتوب باستخدام مواد مختلفة لتحفيز حواس الطفل، منها الأوراق أو الأخشاب التي تحدث صوتاً أثناء اللمس، مضيفة أن «قراءة كتاب مخصص للمكفوفين من قبل أسوياء تعد تجربة فريدة من نوعها».

وتهدف الجائزة إلى اثراء المكتبة العربية بكتب لذوي الإعاقة، وتحديداً الأطفال المكفوفين واحتياجاتهم من كتب وقصص ثقافية وتعليمية وتربوية وترفيهية، إذ حددت إدارة المهرجان شروطاً للمشاركة في المسابقة، منها أن تكون الكتب موجهة للأطفال من ذوي الاعاقة البصرية الذين تراوح أعمارهم بين السنة و17 سنة، على أن يكون العمل جديدا منفرداً بموضوعاته، ويتم تجربة تلك النماذج المشاركة واختبارها على مجموعة من الأطفال فاقدي البصر.

ولاختيار الكتب المشاركة هناك معايير محددة، وفق الشيب، التي أكدت أن أهم المعايير هي الرسوم اللمسية البارزة التي تعتمد على طرق عدة ومختلفة لنتوء الأشكال وتجسيدها، ولصق الرسوم وتثبيتها بطريقة واضحة، وأن يكون النص المكتوب بحروف كبيرة وواضحة ومتباينة ومكتوبة كذلك بطريقة «برايل»، مع مراعاة سهولة فتح الكتاب بالكامل وتصفحه بسلاسة، على أن تكون القراءة اللمسية سهلة من دون عوائق في مسار اللمس والألوان متباينة وواضحة بما يسمح تحفيز الرؤية لدى ضعاف البصر، كما يمتاز النص بقيمته الأدبية وسلامة لغته من ناحية مراعاة الجوانب النحوية والإملائية مع الاهتمام بالرسم والتعبير.

قراءة الصورة باللمس

لاحظت «الإمارات اليوم» وجود دار نشر مشاركة في مهرجان الشارقة القرائي تعرض كتباً مخصصة للمكفوفين، لكن على استحياء، وفي زاوية بعيدة عن الأعين في قاعة رقم واحد في مركز اكسبو الشارقة. وعرضت دار ماهي للنشر والتوزيع المصرية مجموعة من الكتب والقصص التربوية والفكاهية المخصصة لذوي الإعاقة البصرية مطبوعة بطريقة «برايل» الحديثة، منها كتب اسلامية مثل «فاطمة الزهراء» وقصص السلوكيات الحميدة مثل «هذه أخلاقنا.. حق الجار» وكتاب الاسرار والأخبار «البخلاء» للجاحظ، وقصص المغامرات والقدوات.

وقال صاحب دار ماهي، المهندس مجدي محمد عبدالله لـ«الإمارات اليوم» إن مشروع «ثقافة بلمسة اصبع» في الدار يهدف إلى تحويل الكتب والقصص بشكل عام وكتب الأطفال بشكل خاص إلى طريقة «برايل»، مضيفاً ان «المشروع يستخدم مطابع متطورة يعمل فيها نحو 100 شاب من المبصرين والمكفوفين على الكتابة والتدقيق من قبل الطباعة النهائية، لاسيما أن هناك تقنيات متطورة في طباعة الصورة بطريقة (برايل) من خلال قراءة الصورة باللمس».

ولفت عبدالله إلى أن «كلفة طباعة كتب المكفوفين باهظة الثمن مقارنة بالكتب العادية، وذلك بسبب نوعية الطباعة المكلفة والأوراق المستخدمة منها ورق المقوى والشبيه بأوراق الأغلفة، الذي يبلغ سمكه 200 غرام، كما أن الطباعة بحاجة إلى مختصين وأشخاص مؤهلين يحتاجون إلى إمكانات مالية ليتمكنوا من تقديم الكتـاب بصورة يسهل على الكفيف قراءته».

وتابع أن «كلفة الكتب تقل بتزايد عدد الكتب المطبوعة، اذ إن 200 كتاب قصصي بطريقة (برايل) تبلغ كلفة الكتاب الفعلية نحو 20 درهماً، إلا أنه يباع بنحو 25 درهماً، على عكس الكتاب العادي الذي يباع بقيمة مضاعفة عن القيمة الفعلية للكتاب، إذ إن ما يميز كتاب الكفيف هو طريقة الطباعة التي رغم أنها عربية، إلا ان كتاب الكفيف يقرأ من اليسار إلى اليمين حتى يتمكن الكفيف من الامساك بالكتاب بيده اليسرى وتلمس الحروف بيده اليمنى».

كتابة صعبة

قال مدير تطوير الأعمال في دار كلمات للنشر والتوزيع، تامر سعيد لـ«الإمارات اليوم» إن «الدار ليس لديها كتب خاصة لذوي الاعاقة البصرية، لأن كتاب (برايل) صعب جداً ويحتاج إلى مختصين في الطباعة والكتابة، إضافة إلى تحديد الفئات والموضوعات التي تهم الطفل الكفيف».

وأكد أن «هناك تعاوناً مستمراً مع مؤسسة زايد لرعاية ذوي الإعاقة، التي تقوم بطباعة كتب ومؤلفات من إصدار دار كلمات، بطريقة (برايل)، كون المؤسسة تضم فريقاً مختصاً في الطباعة ومجموعة مميزة من المطابع، إذ تقوم الدار سنوياً بالتبرع بمجموعـة كتب وقصـص للأطفال».

ولفت إلى أن «دار كلمات لديها الاستعداد للتعاون مع أي جهة أو مؤسسة لديها فريق متخصص في كتابة وطباعة كتب المكفوفين ليس على مستوى الامارات فحسب، بل على مستوى دول العالم، من منطلق حرص الدار على نشر القراءة وتعزيزها لدى جميع الأطفال في أي مكان».

وأوضح سعيد أن كتاب «كتاب الألوان الأسود» الذي هو من تأليف منينا كوتن وروزانا فاريا، وترجمة فاطمة شرف الدين، ليس مخصصاً للمكفوفين فقط، لكنه للأطفال الأسوياء الذين يأخذهم إلى عالم فاقدي البصر، إذ يتيح للطفل التفاعل مع الألوان من خلال قراءة نص مكتوب بطريقة «برايل» مبسطة يرويه طفل كفيف اسمه «ابراهيم»، هو بطل القصة، الذي لديه أسلوبه الخاص في التعبير عن الألوان من خلال الاعتماد على التشبيه والوصف والاستشعار بمذاق اللون ورائحته وصوته والاحساس به في حالة الألم او البهجة.

وتابع أن دار «كلمات» طبعت نحو 3000 نسخة من «كتاب الألوان الأسود»، إذ يمكن استخدامه أداة تعليمية مساعدة للتعرف إلى الألوان من خلال طعمها ورائحتها وصوتها وملمسها والمشاعر التي تبعثها في النفس، وليس لتعزيز أهمية حاسة البصر فقط، إنما جميع الحواس الأخرى مثل الشم والسمع واللمس والتذوق.

تويتر