يرى أن الطرب الرديء احتمى بمسمّى «الأغنية الشعبية»

عمر خيرت: أمـــراض اجتماعية شوهت الذائقة الموسيقية

صورة

متفائل، لكنه صريح على نحو يبدو صادماً، رغم هدوئه، ويبرر قلّة لقاءاته الإعلامية بأنه ليس مضطراً الى الحديث كثيراً ما دام يلجأ إلى التعبير عن انفعالاته عبر إبداعه الموسيقي، إذ يعتبر الموسيقار المصري العالمي عمر خيرت، الذي يعد واحداً من جيل فني اصطلح على تسمية حقبته الفنية بـ«الزمن الجميل»، أن الموسيقى وسيلة حقيقية للبوح والتواصل.

خيرت الذي يعد أحد عمالقة التأليف والتلحين الموسيقي في الوطن العربي، ويرتبط باسمه الكثير من الأعمال المهمة في مجالات اللحن والموسيقى الأوبرالية والموسيقى التصويرية، وغيرها، يرى أن حالة تردي الذوق العام العربي في ما يتعلق بالغناء والطرب والموسيقى، هي فساد في الذوق تسبب في «تشوّه الأذن»، نتيجة الكثير من الأمراض المجتمعية في الوطن العربي، وأن سلامتها مرتبطة بإعادة النظر في منظومة التربية والتعليم وكامل النسق القيمي.

ضدّ التيار

قال الموسيقار عمر خيرت إنه فَضل المواجهة، والسباحة ضد موجة الهبوط في الذوق الفني التي فُرضت على المستمع، بدلاً من الانسحاب في مرحلة فراغ فني تلت رحيل عمالقة الأغنية العربية، مضيفاً «نتيجة هذه المواجهة ظهرت مبكراً في إصداري أول ألبوم موسيقي عربي منذ أكثر من ثلاثة عقود، لاتزال مبيعاته قائمة حتى الآن، رغم صعوبة إقناع المنتج بجدواه حينها».

وأعرب خيرت عن ثقته في أن التبدلات السياسية لواقع ما بعد ما اصطلح على تسميته «ثورات الربيع العربي» لن تفرض قيوداً على الإبداع، مضيفاً «لا تستطيع قوة ما ان تفرض رقابة على الإبداع، لأنه نتاج خيالات وفكر».

ويضيف خيرت، الذي التقته «الإمارات اليوم» أثناء زيارته الأخيرة لدبي، للمشاركة في مهرجان «دو على هواك»، أن الأولويات الفنية في بلده وسائر دول «الربيع العربي» قد تغيرت، و«أصبح الناس تحت وطأة الاستشفاء من الأحداث الملتهبة، وحالة الترقب لما هو قادم، بحاجة أكثر إلى الموسيقى المجردة، من اجل أن يرفقوها هم بأصواتهم، وهذا ما أقوم به في حفلاتي، أن أؤلف من الحضور مجاميع صوتية تعبر بنفسها بانسجام مع الموسيقى عمّا بدواخلها».

وأشار خيرت إلى أنه عاد بعد ثورة 25 يناير، واقترب بشكل أكبر إلى الشارع، من خلال تكثيفه لحفلاته الفنية التي أصبحت حفلتين شهرياً في مصر، بخلاف الحفلات الخارجية، مؤكداً أن «الموسيقى وصفة مثالية لشعوب (الربيع العربي) من أجل تجاوز آثار محن عاشوا تفاصيلها»، معتبراً أن «حالة التردي الفني التي تشهدها الأغنية العربية، سبقتها أمراض مجتمعية أصابت النسق القيمي للمجتمع»، متسائلاً «هل كان يمكن أن تُقبل أغانٍ يحتمي أصحابها بمظلة الأغنية الشعبية، ومهدت لها أغاني أحمد عَدوية، إلا بتأثير تلك الأمراض، وبمعاونة، بعد ذلك، من تراجع الإحساس بأهمية ودور الموسيقى في أهم مؤسسات المجتمع، وهي المؤسسات التربوية».

والعلاج الناجع لحالة التردي الفني في رأي خيرت يبدأ «بتنشئة الأطفال على نحو يسمح بنمو ملكات تذوق جماليات الحياة والفنون، وحتماً ستكون البداية الأكثر استيعاباً هي المدرسة، ثم دعم حضور مؤسسات تعنى وترسخ لهذه المهمة».

الموسيقى لدى خيرت ليست مجرد وسيلة للإبحار في أجواء وخيالات معينة، أو نتاج يتيح مزيداً من التسلية، بل هي «لغة قادرة على نقل تفاصيل، على نحو نموذجي»، مضيفاً «جماليات الموسيقى المجردة، تختلف عن اللحن الذي يرافق كلمات أغنية ما، لأن الأولى تترك للمتلقي خيارات أوسع في التأويل والفهم والتذوق، لذلك فالتأليف الموسيقي أكثر صعوبة، بالنسبة للموسيقار، من تلحين أغنية ما، لأن مؤلف الموسيقى يبدأ إبداعه من العدم، فيما يرتكن الملحن على أساس، هو كلمات الأغنية، لكن الميزة الكبرى في الموسيقى المجردة هو تفاعلها النموذجي مع خيال المتلقي، بعيداً عن سطوة كلمات الأغنية وتوجيهها له».

هذه الثقافة الموسيقية لشريحة أكبر من المتلقين هي أحد هموم خيرت الرئيسة، إذ يضيف «عربياً كنا بعيدين جداً عن حالة التعاطي مع الموسيقى المجردة على النحو السائد لدى الكثير من الثقافات الأخرى، لذلك لم اكن أهتم كثيراً بأن أكون موجوداً في الأعمال المرتبطة بألحان الأغاني والموسيقى التصويرية السينمائية، بذات قدر اهتمامي بهذا النوع، ولم أكن أهتم كثيراً بالمقابل المادي، نظراً لأن هذا العمل يخدم مشروعي الفني المرتبط بنشر الوعي الموسيقي، خصوصاً الأوبرالي لأستكمل ما بدأه الراحل أبوبكر خيرت».

رغم ذلك لا يتردد خيرت بشكل يجعله ظاهرة استثنائية في الوسط الفني أن يصرح: «يؤمّن لي العمل في مجال الموسيقى التصويرية السينمائية، وكذلك الحفلات بشكل عام حالياً، دخلاً جيداً، يجعلني أوازي بين مشروعي الفني، وقدرتي على إعاشة عائلتي، وهو ما يؤشر الى أن هناك وعياً متنامياً لتقدير الموسيقى على صعيد أوسع من الحقب السابقة».

ويبرر خيرت عدم وجود أوبرا عربية على ذات النحو الاحترافي الذي نشاهده في أوروبا، بأن «ارتباط الموسيقى والغناء العربيين في العصر الحديث بنمط أداء فنانين كبار، مثل أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وفريد الاطرش وفيروز، جعل هناك صعوبة حقيقية في أن يعتاد الناس على نحو يشكل ظاهرة على نمط مغاير، حتى لو كان أوبرالياً».

طقوس الموسيقار المصري العالمي في التأليف الموسيقي عموماً، والتصويرية خصوصاً، كشف عنها لـ«الإمارات اليوم»، مضيفاً «الهدوء، والخلود إلى جمال الطبيعة يبقى جوهرياً بالنسبة لي، لذلك لدي استراحتان إحداهما في حضن البحر الأحمر في مدينة الغردقة المصرية، والأخرى متوغلة في البحر المتوسط في مدينة الاسكندرية، هما ملاذي لإنجاز أعمالي، فإذا كان الأمر يتعلق بحالة تأليف مجردة فإن خيالاتي تغدو أكثر حرية، أما إن كان الأمر يرتبط بعمل بعينه، فهنا التعايش مع هذا العمل يبقى فيصلياً، لكنني أنجز كثيراً من أعمالي أيضاً في مكتبي الخاص القريب من منزلي».

وأضاف «عندما يتعلق الأمر بفيلم أشاهده مع المخرج بعد تصويره، في مراحله الأولى، وغالباً ما يكون هذا داخل الاستوديو، ويبقى الانطباع الأول الذي يتولد لدي بشأن ملامح موسيقاه التصويرية هو الذي يسيطر على العمل الذي ينبغي أن تجمعه هوية موسيقية تربط ما بين بدايته وسائر مفاصله، وصولاً إلى النهاية، حسب تنوع الحالات النفسية المسيطرة على مشاهده المختلفة».

تويتر