‏هموم وملامح التمثيل المحلي في ندوة الـثقافة والعلوم‏

‏الحليّان: روّاد الــدراما أبعد أثراً‏

مرعي الحليان: التركيز على النموذج الاجتماعي السلبي أبرز آفات الدراما. تصوير: تشاندرا بالان

‏قال الفنان مرعي الحليان إن «جيل الرواد في الدراما المحلية أبعد أثراً» مؤكداً أن التمثيل يمر حاليا بمرحلة «ذهبية».

وتناولت جلسة عقدتها ندوة الثقافة والعلوم مساء أول من أمس، هموم الدراما والفنان الإماراتيين، متسعة لآراء متباينة، بعضها محسوب على جيل المخضرمين مثل الفنان عبدالله صالح، ومنها ما طرح أوجه نظر شبابية مثل حسن يوسف ومروان عبدالله، فيما لم تغب وجهة النظر الرسمية ممثلة في المدير التنفيذي لشؤون الثقافة والفنون في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بلال البدور، ونائب رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون محمد المر، وأيضاً نائب رئيس قناة دبي الفضائية المخرج عمر غباش، بالإضافة إلى الأديب علي عبيد.

 ‏أصوات

تخطت الجلسة التي اتسعت لها ندوة الثقافة والعلوم مساء أمس الأول مفهوم «المسامرة»وسرد المعوقات أو الإنجازات، وحضرت فيها أصوات عدة ناقشت دونما قيود شكلية ما يعتبره كل منهم مشكلات واقعية يعيشها الفنان المحلي الساعي إلى استثمار الدعم الرسمي والجماهيري له، في ظل منحنى تصاعدي في كم الإنتاج حسب المتحدث الرئيسي في الجلسة الفنان مرعي الحليان.

وكأن بلال البدور قد سمع حراكهما الداخلي قبل أن يقترح سماع وجهة نظر فنانين شابين، هما حسن يوسف ومروان عبدالله، حيث وجه الأخير عتاباً شديداً على عدم إتاحة فرصة حقيقية للفنان الإماراتي للتواجد في أعمال تصنف على أنها إماراتية، خاصاً بالذكر المسلسل الذي يتم تصويره حالياً ''ابواب الغيم''، معتبراً اختيار المخرج السوري حاتم علي تواجد ممثل خليجي وحيد هو عبدالمحسن النمر في مسلسل بدوي اختياراً غير منطقي.

في المقابل طالب الفنان حسن يوسف صدور تعليمات واضحة للمسؤولين فيما يتعلق بتفرغ الفنانين العاملين في مؤسسات رسمية، مضيفاً «جاءني عمل في القاهرة ولم استطع تلبيته بسبب منعي من السفر من قبل جهة عملي، ولا أستطيع الوفاء بالتزاماتي الفنية للسبب نفسه»، وقال الحليان« أعمل منذ عام ونصف على كتابة مسلسل لم أستطع أن أنجز سوى حلقتين منه بسبب دوامي كصحافي، وأطلب عبثاً تفرغاً لثلاثة شهور كي أتمكن من إنجاز المشروع».

قضية التفرغ اعترف بصددها البدور أن عاملين في الموارد البشرية في جهات عدة لا يفهمون التوجيهات القانونية الصريحة فيها، مؤكداً أن المشكلة في معظمها تأتي من الرؤساء المباشرين للفنانين، في الوقت الذي طالب فيه نائب مدير تلفزيون دبي الجيل الشاب بالمزيد من الاشتغال على تطوير أدواته الفنية، معتبراً الحل السحري في إنشاء معهد للفنون المسرحية بالدولة.

وجه آخر للحليان ظهر هنا وهو يتحدث عن مسيرة تطوّر الدراما المحلية، خصوصاً التلفزيونية منها، معتبراً أن مرحلة البدايات في عام 1969 كانت الأكثر صعوبة، بعد انطلاق التلفزيون الكويتي من دبي، ومن ثم تلفزيون أبوظبي، ليشهد المعهد الديني في دبي أول عمل تمثيلي إماراتي بإمكانات مدرسية، وهو ما تحقق أيضاً في مدرسة الأحـمديـة وغيرها، قبل أن يتلمس الفنان الإماراتي بدايـة طريقه إلى الدراما التلفزيونيـة على النحـو المتعارف عليه.

وعلى الرغم من اعترافه بأن الدراما الإماراتية نشأت مرتبطة بنظيرتها الكويتية، فإن الحليان اعتبر إنجازات جيل الرواد أبعد أثراً على المستوى النوعي، وقياساً بملابسات صعوبة تحقيق إنجاز ما في هذا الإطار، مضيفاً «تعيش الدراما المحلية الآن عصرها الذهبي من حيث الكم، بسبب تضافر الكثير من العوامل لذلك، لكن جيل الرواد الذي ينتمي إليه ظاعن جمعة وعبيد صندل وسلطان الشاعر استطاع أن يقدم أعمالاً نوعية في ظل ظروف بالغة الصعوبة من خلال الاتكاء على أعمال تفاعل مع المشاهد على نحو أعمق، على الرغم من أن كثيراً منها مال إلى الصبغة الكوميدية»، وهو الأمر الذي أرجعه إلى «الصدق الاجتماعي الذي تجلى في تلك النوعية من الأعمال، وافتقدته الكثير من المسلسلات الحديثة».

وأضاف الحليان «استطاع الروّاد أن يقدموا تجارب قابلة للقراءة من مختلف الشرائح الاجتماعية، لذلك مازلنا نشاهد حتى الآن مثل «أشحفان القطو»، و«قوم عنتر»، وتمكنوا عبرها من التأثير في المشاهد من خلال تمرير الحكمة، والمقولة الأثيرة، والآية الكريمة، في الوقت الذي نجحوا فيه في رصد التطوّر الإيجابي الذي كان يمر به المجتمع الإماراتي».

إنجازات

لم يغفل الحليان حجم الإنجازات المتحققة تباعاً في مسيرة الدراما الإماراتية التي اعتبرها الأكثر محافظة على مستوى القيم والعادات والتقاليد من بين نظيراتها الخليجية، مضيفاً أن «أحد أهم إشكاليات الدراما المعاصرة أنها فرضت تركيزاً أكبر على سلبيات المجتمع، ولم نعد نلمس بسهولة وجود العنصر المواطن الإيجابي الذي يعد أساس النهضة الشاملة التي تعيشها الدولة، فبدا وكأن النماذج البشرية جميعها سلبية إما تمر بحالات عسر مادي أو تردي أخلاقي، وتفكك أسري، لذلك لا يمكن أن نعتبر الدراما المحلية في وضعها الراهن ناضجة، بل هي قاصرة على الرغم من تطورها المرحلي على الصعيد الإنتاجي».

وردّ الحليان مرحلة الخفوت الذي مرت به الدراما الإماراتية بعد جيل الرواد إلى عوامل شتى أبرزها سياسات القنوات التلفزيونيـة المحليـة في تلك الفترة، التي لم تكن تولي ثقة كبيرة بإمكانات الممثل المحلي المرتبط بالمسرح، وتشكك في إمكانات أدائه أمام الكاميرا، فضـلاً عن توجهها للتعاطي مـع الإنتاج الخارجـي عربياً وخليجياً، في التسعينات بشكل خـاص، قبل أن يحوّل مسلسل «حاير طاير» الدفة ويصحح الفكـرة المغلوطـة في مدى قـدرة الممثلين الإماراتيين في تقديم عمل مبهر جماهيريا».

ثنائية

ثنائية نغموش أدائياً وجمال سالم نصاً، كانت مفصلية، حسب الحليان، في مسيرة الدراما الإماراتية، ما دفع تلفزيون أبوظبي بشكل خاص للعودة من جديد إلى الداخل الإماراتي إنتاجياً، في الوقت الذي قدم فيه تلفزيون الشارقة عدداً كبيراً من المسلسلات والسهرات الأسبوعية التي أكدت عودة الثقة في الممثل الإماراتي مثل «بنات شمة» و«الكفن» وغيرهما من الأعمال، لكن تلفزيون الشارقة انشغل بشكل أكبر بالأعمال التراثية التي انكبت على معالجة حقب ماضوية نوعاً من الحنين إلى الماضي، مشيراً إلى أن تلك الأعمال حققت شعبية كبيرة في وقتها.

واعتبر الحليان دخول «مؤسسة دبي للإعلام» مجال الإنتاج المحلي بغزارة شديدة ومراهنة على الدراما المحلية بمثابة المنعطف الأهم في مسيرة الدراما الإماراتية المعاصرة، وقال: «لأول مرة يصل المنتج الدرامي إلى حد الكفاية الإنتاجية بالنسبة للمشاهد والفنان معاً كان بعد دخول تلفزيون دبي هذا المجال، واصبح الممثل الإماراتي يجد صعوبة في التوفيق بين أعمال مختلفة، بعدما كان يعاني سابقاً من كساد كبير وشح ترشيحه للأدوار، وشكّل انفتاح عدد من الممثلين على العملية الإنتاجية مرحلة جديدة في هذا الصدد مثل أحمد الجسمي وسميرة أحمد وسلطان النيادي وغيرهم».

واعتبر الحليان تشريف صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لمقر الإعلان عن الدورة البرامجية الرمضانية السابقة لمؤسسة دبي للإعلام ومصافحته للفنانين، فضلاً عن تكريم سموّه لهم في مناسبات أخرى، أبرز الدلائل على الدعم الرسمي الذي باتت تتلقاه الدراما المحلية، ما يعني أنها مرشحة لحصد مزيد من النجاحات في المرحلة المقبلة.

مشكلة نص

الأديب علي عبيد الذي أدار الجلسة كعادته بهدوء شديد أشار من جانبه إلى اهتمام القيادة الرشيدة بشكل دائم بالدراما المحلية، محيلاً إلى الاهتمام الشخصي الذي كان يبديه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان بالمسلسلات المحلية، إلى الحد الذي جعله يتدخل لتغيير مسار الخط الدرامي في مسلسل «أشحفان» بعدما ساءه أن يكون النموذج المطروح لمواطن إماراتي بخيل، ليتم تحويله في سياق الحدث الدرامي إلى شخص كريم، ويلاقي المسلسل نجاحاً استثنائياً، وهو الأمر الذي تكرر مع مسلسل «الغوص» الشهير في منتصف السبعينيات وتم رصد ميزانيـة كبرى قياساً بالسائد حينها لإنجازه».

واعتبر عبيد أن «المشكلة الكبرى في الدراما الإماراتية تتعلق بكتابة النصوص»، وقال: «حاول تلفزيون أبوظبي في مرحلة سابقة التغلب على تلك العقبة بتخليج نصوص لكُتّاب عرب»، لافتاً أيضاً إلى «إشكالية استهلاك الكثير من المسلسلات الحديثة للبيئة التراثية، في الوقت الذي يتم التركيز فيه في الدراما الاجتماعية على نماذج سلبية بشكل مبالغ فيه».

تعدّد اللهجات

بلال البدور من جهته أشار إلى عدد من أبرز قضايا الدراما الإماراتية، منها مسألة تعدد لهجات الممثلين الإماراتيين أنفسهم على أساس مناطقي، مضيفاً «تنوع لهجات شخصيات إماراتية في مسلسل واحد يحدث نوعاً من البلبة لدى المشاهد، فبالإضافة إلى تأثر عدد من الممثلين بلهجات مناطقهم الخاصة، يتأثر الكثير ممن قطعوا أشواطاً طويلة في العمل في الدراما الكويتية باللهجة الكويتية، لتبدو لهجتهم الإماراتية غير مقنعة أيضاً للمشاهد في المسلسل المحلي» لافتاً أيضاً إلى سلبيات تحوّل عدد من الفنانين إلى الإنتاج، والفراغ الذي يتركه ذلك على العمل الفني نفسه، مستشهداً بالفراغ الذي تركه سلطان النيادي في مسرح العين بعد دخوله مجال الإنتاج الدرامي، فضلاً عن تأثر الساحة الفنية بتشتت اهتمامات فنانين مثل سميرة أحمد وأحمد الجسمي.

كاتب الدراما الإماراتية يوسف يعقوب، رأى أن هناك إشكالية كبيرة تتعلق بقدرة كتاب الدراما على استلهام الواقع الاجتماعي بشكل صحيح، مشيراً إلى أهمية الاعتماد على الورش التمثيلية التي لم يلجأ إليها سوى في مسلسل «أشحفان»، الذي حقق نجاحاً كاسحاً، واصفاً الكثير مما يتم تقديمه على الشاشات المحلية بـ«البكائيات» والصراخ، مضيفاً «أعمل مشروعات تلفزيونية جاهزة وأتردد بها على التلفزيونات المحلية منذ عام ونصف العام من دون أن أُمنح فرصة حقيقية». ‏

تويتر