فنانو مسرح دبي الشعبي يبحثون عن «خشبة» بديلة

عادل إبراهيم: كتلة خرسانية سقطت كادت تودي بحياة ممثلين.

قال نائب رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الشعبي، عادل إبراهيم، إن «المسرح الذي تم تشييده في ،1983 وانطلق عبره أهم الفنانين الإماراتيين على الساحة المسرحية والتلفزيونية، أصبح آيلاً للسقوط، وغير آمن حسب تقرير رسمي صادر من بلدية دبي»، مشيراً إلى أن «الإدارة تفكر جدياً في تسريح الممثلين، وإعفائهم من التزامهم الأدبي تجاه مسرح دبي الشعبي»، بعد سقوط أجزاء من الكتلة الخرسانية بشكل فجائي من أعلى سقف المسرح الذي «أصبح يشكل خطراً على حياة الفنانين بشكل كبير». وقال إبراهيم إن إدارة المسرح تبحث بالفعل عن خشبة بديلة، خشية حدوث كارثة بشرية، في الوقت الذي يؤكد فيه الفنانون ارتباطهم بالمكان الذي تحول إلى بيت أول لكثيرين منهم، فضلاً عن أنه أحد أعرق الصروح الثقافية في دبي، مؤكداً عدم قدرة ميزانية المسرح على استئجار موقع بديل، فضلاً عن إعادة بناء المسرح الذي تكلف ترميمه الأخير 650 ألف درهم.

 شروخ «مسرحية»

حينما زارت «الإمارات اليوم» مسرح دبي الشعبي، بناء على دعوة من مجلس إدارتها، كان المسرح ثرياً بفنانيه في مساء رمضاني، جمع الفنانين محمد سعيد ومريم سلطان والكاتب يوسف يعقوب، وغيرهم من المسرحيين الذين يجمعهم شجون واقع «دبي الشعبي». واعتبر يعقوب شروخ جدران مسرح دبي الشعبي بمثابة شروخ في أصل الفعل المسرحي في الإمارات، وأشار، بطريقة الوقوف على الأثر، وقال «أنجزنا هنا أعمالا مسرحية كثيرة، يعتبر كل منها حدثاً مسرحياً مهماً في ذاته، وانطلقت من هنا أسماء محلية مهمة، مثل جمال سالم وسالم النيادي وسميرة أحمد وبدرية أحمد وفاطمة الحوسني، وأبدع على خشبته مسرحيون كبار، مثل فريد شوقي ومحمد صبحي وسمير غانم.

مسرح "دبي الشعبي" أصبح غير آمن على ممثليه ورواده.  تصوير: مصطفى قاسمي



وعرض إبراهيم لـ«الإمارات اليوم» تقريراً فنياً صدر أخيراً من بلدية دبي، يؤكد أن «المبنى متهالك من الناحية الإنشائية»، ويوصي بإزالة فورية لمبنى الفنون الشعبية الذي يشكل جزءاً أصيلاً من الكيان الثقافي للمسرح منذ إنشائه، ويحذر من أن «الغطاء الخرساني على وشك السقوط في أماكن من الدور الأول»، ويلفت إلى «وجود شروخ كبيرة بين الجدران، وتفسخ في خرسانة عدد من الأعمدة، وانهيارات في الجسور الأرضية والجدران» .

وقال إبراهيم «العناية الإلهية كانت رؤوفة بممثلين غادرا محلهما، قبل ثوانٍ فقط من سقوط جزء من مكونات سقف إحدى الغرف»، مؤكداً أن «حدوث انهيارات أرضية جعلت إدارة المسرح تقرر غلق غرفتي تبديل الملابس للفنانين والفنانات، بعد أن أصبحتا الأكثر خطورة، فضلاً عن اتساع حجم الشقوق بين الجدران، إلى الحد الذي يجعل من في داخلهما مرئياً بسهولة لمن هو في الخارج».

وحذر إبراهيم من تواري دور مسرح دبي الشعبي وجمعية الفنون، «بكل ما لهذا الكيان من حضور مهم وفعال، على الصعيدين الاجتماعي والثقافي وليس الفني فقط، فإلى جانب عشرات الخبرات والمواهب التي يفرزها ويحتضنها، فإن الأمر يتعلق أيضاً بفعاليات وأنشطة اجتماعية عديدة، يمارسها الشباب والفنانون المواطنون الذين لا يجدون متنفساً حقيقياً لإبداعاتهم وطاقاتهم، سوى بين جدران المبنى الذي أصبح متهالكاً».

غياب متوقع

ولم يستبعد إبراهيم مع الحال التي آل إليها المسرح «احتمالات غياب مسرح دبي الشعبي عن مهرجانات محلية مهمة، لم يغب عن المشاركة بفعالية في أحداثها منذ انطلاقتها، مثل أيام الشارقة المسرحية، ومهرجان مسرح دبي للشباب، وأيضاً مسرح الطفل، وغيرها من الفعاليات التي تستوعب طاقات الفنانين الإماراتيين على اختلاف مراحلهم العمرية من مخضرمين ذوي خبرة، وشباب يبحثون عنها، من خلال الفعل المسرحي الثري الذي توفره خشبة (دبي الشعبي)».

ولفت إلى أنه بانهيار مسرح دبي الشعبي، تصبح دبي خالية تماماً من أهم خشبة، عرفها المسرح الخليجي والعربي في الإمارات، لاسيما أن مسرح دبي الأهلي أيضاً ليس سوى «كرفان» ملحق بنادٍ، ولا يمتلك مقومات المسرح التقليدي، فضلاً عن الحديث، على حد تعبيره. وأشار إلى «صعوبة توافر المسرح الحديث الذي أنشئ أخيراً في مقر ندوة الثقافة والعلوم الجديد، للحركة المسرحية النشطة في دبي، فضلاً عن صعوبة الإيفاء برسوم استئجار خشبته المقررة، في ما يتعلق بمسرح يدخر معظم موارده من أجل إنتاج درامي حقيقي».

واستبعد المدير المالي للمسرح سعيد سليمان قدرة «دبي الشعبي»، على إيجاد خشبة بديلة تجمع أسرته الفنية، لافتاً إلى صعوبة كبيرة في الوفاء بميزانيات الأعمال المسرحية التي ينتجها بشكل سنوي، فضلاً عن إضافة أعباء مادية جديدة، ممثلة في إيجاد مكان بديل يمكن استئجاره، تغلباً على الوضع الراهن لمقر المسرح .

وطالب بشكل رئيس مساعدة «دبي الشعبي في أن يظل في المكان نفسه الذي انطلق منه، رافداً لمجمل الحركة المسرحية المهمة التي شكلت رافداً مهمة للمسرح العربي بصفة عامة والمسرح الخليجي بشكل خاص»، مشيراً إلى أن «موقع مسرح دبي الشعبي في منطقة الممزر أصبح معلماً ثقافيا، ربما لا يعرف سواه داخل الدولة المسرحيون الخليجيون الذين يفدون إليه، من أجل التواصل مع أعضائه، حتى في حال مشاركاتهم في فعاليات تقام خارج دبي».

واقترح سليمان، في حال عدم إمكانية إعادة بناء المسرح في موقعه نفسه، الاستعاضة عن ذلك ببناء ما يشبه مجمع مسارح في دبي، وفق أحدث الأساليب العصرية، موضحا أن الاقتراح في حال تنفيذه سوف ينهي أيضاً معاناة «المسرح الشقيق، دبي الأهلي» الذي يعد أيضاً بمثابة مسرح من دون خشبة حقيقية، وأيضاً إشكالات جمعيات كثيرة ذات النفع العام في دبي التي تعنى بالشأن المسرحي، ضمن أنشطتها المتنوعة».

محنة المقر

وأعرب عضو مسرح دبي الشعبي كاتب الدراما يوسف يعقوب عن امتعاضه «لمحنة المقر» التي أصبح في أتونها «دبي الشعبي»، بعد أن أصبح في مفارقة درامية كبيرة غير آمن على حياة أعضائه وفنانيه ورواده، وقال«لن يختلف مسرحيان في الإمارات بأن «دبي الشعبي» هو المتنفس الحقيقي والوحيد لعشاق فن الخشبة في دبي، والأكثر عراقة في الإمارات، من خلال مسيرة تسعى لإتمام عقدها الزمني الثالث، تم إنجاز 45 عملاً مسرحياً، فاز العديد منها بجوائز محلية وخليجية وعربية مهمة، محققاً حضوراً مهماً للمسرح الإماراتي داخلياً وخارجياً». ورأى يعقوب أن الحل الأمثل من وجهة نظره هو إعادة بناء مسرح دبي الشعبي الذي يمثل حضوره فعلاً ثقافياً ثرياً في الإمارات، ومكانه معلماً مسرحياً ذا عبق مختلف عند رواد المسرح المحلي، فضلاً عن أعلامه الذين ربما لا يلتقي كثيرون منهم سوى في ربوعه التي يأسف المرء أن يعلم بأنه آن له أن تصبح أثرا بعد عين».

وكان الفنان بلال عبدالله أيضاً الذي تصادف وجوده في «دبي الشعبي» في سمر رمضاني شديد التأثر بواقع المسرح العريق، مؤكداً أن «الوقوف بجانب (دبي الشعبي) مسؤولية فنية أيضاً، قبل أن تكون مسؤولية رسمية أو مؤسساتية. ودعا جميع الفنانين المسرحيين إلى المساعدة بجهود مختلفة، من أجل بقاء اسم (دبي الأهلي) نشطاً على صعيد المسرح الإماراتي، معرباً عن أمنياته في تجاوز أزمة المقر بشكل سريع، لا يعطل الطاقات المسرحية الثرية التي يزخر بها.
تويتر