«الكاميرا الخفية».. مواقف مفتعلة وتقنيات فقيرة

بلال عبدالله: برامج الكاميرا الخفية لها أصول وقواعد لابد من مراعاتها.                     أرشيفية

بين معارض يجد فيها استخفافاً بالمشاهد، ومؤيد يجدها مادة كوميدية خفيفة تهدف لرسم بسمة على وجه المشاهد، وسط العديد من الضغوط التي يتعرض لها يومياً، انقسمت الآراء حول برامج «الكاميرا الخفية»، التي استطاعت خلال السنوات الماضية ان تشكل أحد ملامح الخريطة الرمضانية، لغالبية الفضائيات العربية، وان اتفقت غالبية الآراء على ان الضعف الذي تعاني منه «الكاميرا الخفية»، هو انعكاس لضعف عام تعاني منه الدراما العربية نتيجة لقلة كتاب الدراما والسيناريو، واستخفاف القائمين على تنفيذها كعمل كوميدي خفيف، وهي نظرة قاصرة يتعامل بها البعض مع صناعة الكوميديا.

وفي حديثه لـ«الإمارات اليوم» رفض الفنان بلال عبدالله الذي اشتهر بتقديم برامج «الكاميرا الخفية» على مدى السنوات الماضية، ويقدم هذا العام برنامج بعنوان «ربشة»، توجيه الاتهامات لبرامج الكاميرا الخفية بشكل مطلق، مؤكداً ان هذه الأعمال تهدف إلى إضحاك الناس وإدخال السعادة عليهم ولو لفترة قصيرة، «وما يقال عن فبركة هذه البرامج كلام غير دقيق، حتى وإن حدث في بعض الحلقات، فهو لا يعيبها طالما تضحك الجمهور في النهاية، وعلى المعترض ان يقدم فكرة أفضل».

ولفت إلى ان «هناك بعض البرامج من هذا النوع يقدمها «هواة» لا يعرفون الفرق بين الضحك مع الجمهور أو الضحك عليه، وهي التي تسيء لبرامج الكاميرا الخفية، سواء من حيث الاستهتار بعقلية المشاهد أو الاستسهال في طرح الفكرة وفي الإخراج، وفقدان الممثل للخبرة في التعامل مع المشاهد، لكن هذا لا ينفي ان هناك أيضاً برامج جيدة المستوى».

أصول وقواعد

وأوضح عبدالله ان برامج الكاميرا الخفية تحظى بنسب مشاهدة عالية وانتشار واسع بين المشاهدين، بدليل انه يقدم عملين دراميين هذا العام إلى جانب «ربشة»، وعلى الرغم من ذلك تنصب غالبية التعليقات وردود الأفعال التي يتلقاها من الجمهور على البرنامج، مشيراً إلى ان «هذه البرامج ليست مفتوحة لكل من يرغب في عمل مقالب في الناس، فهناك أصول وقواعد لابد مراعاتها، ولابد ان تحمل فكرة محترمة، ولا يجب ان تهين المشاهد أو تتعالى عليه أو تمس كرامته، ولذلك احرص على ان تكون هناك فكرة نعمل على إبرازها للجمهور عند تصوير البرنامج، أو نقدم له نوعاً من التوعية، مثل الحلقة التي أرتدي فيها ملابس مدنية وأطلب من قائدي السيارات إبراز رخصهم، كما احرص في البرنامج على انهاء المشهد قبل ان يخرج المشاهد عن طوره، وغالباً لا نذيع المشاهد التي أتعرض للضرب فيها من الجمهور، فالمشاهد التي تتعرض لضربي من الجمهور لا تمثل إلا قدراً يسيراً مما أتعرض له».

رقابة ذاتية

وأكد عبدالله الذي يتولى إنتاج برنامج «ربشة» لمصلحة قناة دبي، انه يتبع في برنامجه رقابة ذاتية، ولا يقبل ان يعرض لقطات يمكن ان تسيء للآخرين حتى وإن حصل على موافقتهم على إذاعة المشهد، «وهذه الرقابة تسببت في خسارتي 150 ألف درهم خلال تصوير البرنامج هذا العام، بعد ان اضطررت لحذف ما يقرب من 10 حلقات بعد تصويرها وجدت انها تسيء لأصحابها، حيث تبلغ تكلفة تصوير اليوم الواحد ما يقرب من 10 آلاف دولار، وفي أحيانا أخرى يتم التصوير مع ضيف من الفنانين أو الشخصيات العامة، ونحصل على موافقته ثم يراجع نفسه ويطلب عدم إذاعة المشهد، ما يكلفني خسائر مادية ولكنني أفضل ان أتحمل الخسارة المادية على ان أخسر الناس أو ان أهين كرامتهم، فأنا أسعى لتقديم عمل يرضي الناس ويحوز إعجابهم، ولا أسعى للنجاح كمهرج، ويكفيني ما أجده من محبة الجمهور، كما أسعدني الدعم الكبير الذي وجدته من قبل مسؤولين. معتبراً ان «الفنان الذي يعتقد ان الكوميديا عمل سهل، ليس فناناً، فمن السهل إثارة بكاء المشاهدين ودموعهم ولكن من الصعب إضحاكهم، خصوصاً في هذا الزمن وما يحيط بالإنسان العربي من أزمات ودمار واحباطات متعددة».

وأوضح بلال ان «مشكلة غياب كتاب السيناريو لا تقتصر فقط على برامج الكاميرا الخفية، لكنها تشمل أشكال الدراما كافة في الدول العربية كافة، على الرغم من ان لدينا العديد من الروايات والقصص التي تصلح لتقديم أعمال جيدة، ولكننا نتركها ونتجه لتقديم أعمال عن المخدرات والخيانة وغيرها من الأمور السيئة التي يشاهدها الأطفال وتختزن في ذاكرتهم وتبقى طوال العمر، وعندما نعود للنجاح الكبير الذي حققته المسلسلات التركية وبعض الأعمال العربية مثل «باب الحارة»، نجده يرجع إلى المثالية التي طغت عليها، والتي يفتقدها الجمهور في حياته».

ضعف السيناريو

واتفقت الفنانة فاطمة الجاسم مع الفنان بلال عبدالله، مشيرة إلى انه «ليست هناك قنوات تقصد الاستخفاف بجمهورها، ومن الصعب ان يسعى الفنان للإساءة للمشاهدين» فيما يقدمه من أعمال، مرجعة ضعف بعض برامج الكاميرا الخفية «إلى ضعف النصوص والسيناريو، واعتماد غالبية البرامج على التكرار وعلى النقل عن البرامج الأجنبية، فأصبحت المواقف نفسها تتكرر على قنوات متعددة ما أصاب المشاهدين بالملل».

واعتبرت الجاسم ان هذه البرامج «تعد لوناً من ألوان الكوميديا التي يفضلها الجمهور»، ولكنها يجب ان تبتعد عن «المط والتطويل»، وأن تقتصر الحلقة على «دقائق معدودة يتم فيها تقديم موقف واحد»، وهو ما يعطي الفرصة لصناع العمل للتجويد، وللجمهور الفرصة للاستمتاع بالموقف والضحك عليه. مشيرة إلى انها لا تفضل الظهور في هذه البرامج أو المشاركة فيها، ومعبرة عن سعادتها بالأوبريت الغنائي الذي يعرض لها خلال شهر رمضان على قناة دبي، حيث يمثل لوحة فنية متكاملة تعكس التراث المحلي لدولة الإمارات، ويجمع بين التمثيل والكوميديا بالاشتراك مع مجموعة من الفنانين.

ضعف وتزييف

ويرى الإعلامي في تلفزيون أبوظبي طارق الزرعوني أن هذه البرامج أصبحت كثيرة جداً، ولكنها «تفتقد إلى الفكرة الجديدة التي تجذب المشاهد ويشعر بواقعيتها وتلقائيتها، وبالفعل ظهر ان جانباً كبيراً منها يعتمد على التمثيل والاتفاق المسبق مع الضيف، خصوصاً عندما يكون من الفنانين والإعلاميين، ولا ندري لماذا بات كل شيء مزيفاً، وهل هذا التزييف والسخرية يتناسبان مع شهر رمضان ومكانته».

وأشار الزرعوني إلى ان معظم برامج الكاميرا الخفية «تعاني من ضعف واضح في الأفكار، فالفكرة القوية والجديدة تستطيع ان ترفع مختلف عناصر العمل الأخرى من تمثيل وإخراج». داعياً للاتجاه لأشكال أخرى من الكوميديا والبرامج الخفيفة مثل اللقطات العفوية التي يصورها الجمهور، بدلاً من الكاميرا الخفية التي انتهى عمرها الافتراضي، موضحاً انه يمكن ان يقبل الظهور في برنامج للكاميرا الخفية اذا تأكد من انه «يحمل هدفاً ومضموناً، ويتم بتلقائية ورقي»، أما إذا كان التصوير يتم من خلال اتفاق مسبق مع الضيف فلن يقبل بالمشاركة.

من جهته، أوضح الفنان محمد الوالي ان «من يشاهد برامج الكاميرا الخفية الكندية أو الأميركية يلاحظ ما تتميز به من احترام للمشاهد، وإمكانات مادية وتقنية عالية تجعلها تخرج في صورة تلقائية وطبيعية بعيدة عن الفبركة أو السخرية أو ما يسيء للناس، ولذا هي محببة للمشاهدين»، مستدركاً أن «ما يقدم في الدول العربية وخصوصاً في الإمارات، فيتسم بالإسفاف و«الضحك على الذقون» وتسطيح عقل المشاهد، حتى أصبحت هذه البرامج خارج الزمن الذي نعيشه، كما ان أفكارها صارت مكررة بطرق ساذجة وأكثرها مفبرك مع الضيوف أو الشخصيات المعروفة ما قلل من أهميتها حتى أصبحت وسيلة لملء ساعات الإرسال، معتبراً انها تحمل تجريحاً واستخفافاً بالمشاهدين، وأكثرها يتضمن انتهاكاً لخصوصية الأفراد وإنسانيتهم عبر بعض المقالب السخيفة، ولذلك أتمنى إيقاف مثل هذه البرامج التي لا تراعي أبسط خصوصيات الإنسان»، ويؤكد الوالي انه ضد هذه البرامج بشكل كامل، وعدم ترحيبه بالمشاركة فيها «سواء كضيف أو القيام ببطولتها».

 الكاميرا الأجنبية ليست الأفضل  

رفض الفنان بلال عبدالله الآراء التي تعلي من شأن برامج «الكاميرا الخفية» الأجنبية، مؤكداً أنها «لا تتناسب مع عادات وتقاليد الدولة أو المجتمع» الإسلامي الذي نعيش فيه، «فلا يمكن أن أمسك يد فتاة في الشارع كما يحدث في الغرب، إضافة إلى ان هناك أفكاراً لا تصلح للتنفيذ في مجتمعاتنا، فعلى سبيل المثال نحن نحترم رجال الأمن ولا يمكن ان نمس هيبتهم كما تفعل البرامج الغربية»، رافضاً أيضاً محاولات إضحاك المشاهدين من خلال السخرية من عاهات الآخرين، «بالعكس نحن نسعى في برنامجنا ان نظهر ما يتميز به المجتمع العربي من تماسك وتعاطف بين أفراده، وحرص كل منهم على تقديم المساعدة للآخر ونجدته»، في المقابل لم ينكر عبدالله اقتباسه أحياناً من الكاميرا الخفية الأجنبية «بعض الأفكار التي تناسب تقاليدنا كمجتمع مسلم عربي، وعند التنفيذ نلبسها ثوبنا ونقدمها بأسلوبنا الخاص»، وكشف عبدالله أنه يمتلك مجموعة برامج الكاميرا الخفية الأميركية منذ ظهورها عام 1960 وحتى عام 2004 ،التي أهداه إياها الأديب الإماراتي محمد المر.

برامج مكررة

ويتفق الإعلامي بتلفزيون ابوظبي رائد الشايب مع هذا الرأي مشيراً إلى انها «برامج تافهة ومكررة وتحمل قدراً كبيراً من الاستخفاف، على عكس البرامج الغربية التي تتسم بالحرفية». وبرر الشايب ارتفاع نسبة المشاهدة لبرامج الكاميرا الخفية إلى ارتباط شهر رمضان بالفوازير والبرامج الخفيفة.

أيضاً اعتبرت الإعلامية زينب بن طوطاح أن «هذا النوع من البرامج تم استنفاذه، ولم يعد يحمل جديداً للمشاهد، خصوصاً مع استسهال العاملين عليه، وسطحية ما يقدمونه من أفكار تعكس ضعفاً واضحاً».
تويتر