سيناريو كسول يفتقد عناصر مهمة

«إطلاق نار حر» يخطئ التصويب ويصيب بالصداع

بعد مشاهدة فيلمي «السريع والغاضب 8» و«شبح في الصدفة»، وهما فيلمان لا يعترفان بقوانين الجاذبية الأرضية والفيزياء، فإن المشاهد الذي يدخل إلى فيلم Free Fire أو «إطلاق نار حر» قد يشعر بالتغيير، لأن شخصياته تتأثر بالجاذبية الأرضية! فانعدام المنطق بات سمة ضاربة في أفلام هذه الأيام.

- الفيلم يعاني غياب عناصر الدراما والتشويق والمفاجأة.

- كل الشخصيات سطحية وموتها لا يثير أي تعاطف.


حتى تاريخ السينما.. يعيد نفسه

منذ ربع قرن أتى فيلم «كلاب المستودع» صغيراً، وسط زحام الأفلام الكبيرة، وتمكن من لفت الانتباه، وترك أثراً عميقاً في هوليوود، واليوم يأتي فيلم «إطلاق نار حر» وسط موجة أفلام ضخمة، لكنه يضيع وسطها، ما يثبت حقيقة أن التاريخ حتى في السينما يعيد نفسه، لكن بحقائق مختلفة.

لعل القارئ يتذكر التحول الكبير الذي طرأ على سينما «هوليوود» في بداية التسعينات، عندما تداخلت السينما المستقلة مع السائدة أو الشعبية، بفضل صانع الأفلام الأميركي كوينتن تارانتينو، الذي طرح في أول ذلك العقد فيلمين، الأول Reservoir Dogs «كلاب المستودع» (1992)، والثاني Pulp Fiction أو «خيال رخيص» (1994)، وهما الفيلمان اللذان تركا أثراً عميقاً في سينما ذلك العقد، ولم يتردد صناع الأفلام المبتدئون في تقليدهما.

الفيلمان لهما سمات مشتركة عدة: مجموعة رجال عصابات بيض يدخنون سجائر، ويهين بعضهم بعضاً بأقذع الألفاظ، وتتكون حواراتهم من مونولوغات مطولة جداً عن أحد جوانب الثقافة الشعبية الأميركية، يختلفون ويتحول المونولوغ إلى جدل، قبل أن تنشب معركة إطلاق نار بين كل أفراد العصابة. السمة الثانية هي وجود زعيم عصابة مثقف وعاطفي، يشغل باله بأمور تافهة. والسمة الثالثة هي قلة إلى انعدام العنصر النسائي. هذا سمي في ما بعد بتأثير كوينتن تارانتينو، الذي سبب موجة أفلام مقلدة، مثل «ريندير غيمز»، و«تروث أور كونسكوينسز إن إم»، و«أشياء للعمل في دينفر عندما تكون ميتاً»، و«يومان في الوادي»، و«ملوك الانتحار»، و«8 رؤوس في حقيبة»، وحتى الكوميدي «حلل هذا»، وجزئه الثاني «حلل ذلك»، والكثير جداً من الأفلام الأخرى التي انتهت بالإخفاق الشديد لآخر المقلدين في فيلم «من هو كليتس تاوت» عام 2001، وكان ذلك يعني أن الجمهور ضجر من تلك الأفلام، وبحاجة إلى تجديد.

هذا الكلام لا يعني أن إرث تارانتينو انتهى كصانع أفلام في ذلك الوقت، لكن القصد هو استمراره هو، وتوقف كل مقلديه، باستثناء مقلد واحد هو البريطاني غاي ريتشي، الذي هيمن سنوات طويلة على السينما البريطانية.

إفراط في الصدف

أحداث فيلم «إطلاق نار حر» في سبعينات القرن الماضي، ستيفو (سام رايلي) وبيرني (إنزو كلينتي) يقودان شاحنة للقاء عضوين من الجيش الجمهوري الأيرلندي: كريس (سيليان ميرفي) وفرانك (مايكل سمايلي). ستيفو يخبر بيرني بأنه تعرض لاعتداء في اليوم السابق من قريب امرأة اعتدى هو (أي ستيفو) عليها.

تصل المجموعة إلى مستودع في مدينة بوسطن الأميركية، وتلتقي مع وسيط تدعى جستين (حائزة الأوسكار بري لارسون). يصل رجل اسمه أورد (آرمي هامر) ويأخذهم إلى داخل المستودع، ليلتقوا بتجار أسلحة فيرنون (الجنوب إفريقي شارلتو كوبلي)، وشركائه مارتن (باباو سيسي)، وهاري (جاك رينور)، وغوردون (نوا تيلر).

ينشب خلاف شديد بين المجموعتين، بسبب موضوع المرأة التي اعتدى عليها ستيفو، وبسبب أن الأسلحة التي تم توريدها لم تكن من النوعية المطلوبة. رغم ذلك، يقبل كريس بالصفقة ويسلم الأموال، إلا أن موضوع المرأة يشعل الصراع بين الطرفين مجدداً، ويبدآن في إطلاق النيران على بعضهم بعضاً.

المخرج الإنجليزي، بين ويتلي، كتب هذا الفيلم مع زوجته أيمي جمب، وهو يفرط كثيراً في استخدام الصدف والكليشيه، وهو يعلم أننا نعلم أنه يتعمد فعل ذلك، لأنه يريد الإشارة إلى أنه يقلد تارانتينو، وتحديداً فيلم «كلاب المستودع»، ولا سبب سوى أن العمل بأكمله عبارة عن تمرين فقط، لا يضيف جديداً إلى فيلم تارانتينو.

في المستودع الكئيب

في أفلام تارانتينو هناك دائماً شخصية غريبة أو حوارات ترسخ في الذاكرة أو انقلاب غير عادي في مجرى القصة.

ولعلنا نبرهن على هذه النقطة من خلال سيناريو الفيلم، الذي خلا من أي عناصر داعمة، فالكتابة الكسولة واضحة بعدم وجود مشاهد استرجاعية (فلاش باك)، ما جعل القصة بأكملها تدور في ذلك المستودع الكئيب، وعدم وجود أي خلفية لأي شخصية، وافتقار الفيلم لوجود شخصية مثيرة للاهتمام أو الجدل. نضيف كذلك غياب عناصر الدراما والتشويق والمفاجأة، وغياب أي محاولة لرسم استراتيجية قتال بين العصابتين، باستثناء بعض الخطط البسيطة جداً. بإمكاننا اختصار الفيلم بأكمله في فقرة واحدة طويلة، هي: الرجل 1 يطلق النار على الرجل 2 فيصيبه في كتفه، الرجل 2 يرد على 1 فيصيبه في قدمه. يدخل الرجل 3 ويطلق النار على 1 فيصيبه في قدمه الأخرى، ثم يطلق 2 على 3 قبل دخول الرجل 4 ليطلق النار على 1 و2 اللذين يردان، ثم يدخل رقم 5، وهكذا دواليك، والكل يخطئ التصويب، وكل الإصابات في الأكتاف أو الأقدام، أو غير مميتة في معظمها، لضمان استمرار «الحفلة».

يستمر تبادل إطلاق النار، ويتكرر المشهد تلو الآخر، ثم تتكرر المشاهد كلها إلى درجة الضجر الشديد، واحتمال الإصابة بصداع من كثرة مشاهد إطلاق النار التي تحدث بلا سبب أو لسبب تافه، وتستمر طوال الفيلم، بل وتجعل فيلم ساعة ونصف وكأنه ساعتان ونصف.

«إطلاق نار حر» سيئ، لكن ليس أسوأ مقلدي تارانتينو، وهو ممل وغير أصلي، كل الشخصيات سطحية ومملة، وموتها لا يثير أي اهتمام أو تعاطف، بل إن المشاهد يتعاطف مع نفسه، وهو يعلم ألا شيء مهماً سيحدث حتى المشهد الأخير. الفيلم يريدنا أن نتساءل إن كانت أي شخصية ستنجو أو ستهرب بالأموال؟ لكن التساؤل الذي يرد إلى الأذهان هو: هل أي مشاهد لهذه الفوضى سيهتم بالفعل لما يحدث؟ «ويتلي» صنع في الماضي أفلاماً حملت أفكاراً غريبة تأملية، كان أبرزها «هاي رايز» - كهذا الفيلم تجري أحداثه في السبعينات - و«قائمة قتل»، لكنه هنا ترك الأفكار الغريبة لمصلحة ضوضاء إطلاق نار، في تمرين أفضل ما يوصف بأنه مضيعة وقت.

تويتر