الفيلم يُعيد سينما الأطفال الكلاسيكية إلى السوق

«بيتسون وفيندوس».. حكاية تتحدّى التقنية الثلاثية الأبعاد

في ظل صناعة أفلام للأطفال من خلال التقنية الثلاثية الأبعاد، واعادة إنتاج أفلام قديمة لتتلاءم مع هذه الموجة، يأتي فيلم المخرج الألماني من أصل إيراني علي صمادي أحادي لينقل سلسلة قصص الأطفال «بيتسون وفيندوس» الى السينما، وهي للكاتب السويدي ستيفن نوردكويست، وتعتبر من أكثر القصص مبيعاً في أواخر الألفية الأولى.

الفيلم الذي تمت صناعته بشكل كلاسيكي يشبه أفلام الأطفال القديمة التي تعتمد على الحكاية وعلى رسوم شخصيات جاذبة، وموسيقى كلاسيكية، يقدم حكاية بيتسون وفيندوس، بشكل اقرب الى تصفح كتاب، خصوصاً عندما يظهر الشخصية الرئيسة بيتسون، وأدى دورها الممثل الألماني أولريش نويتهين، بمشهد واحد ثلاث مرات، وكأنه ثلاث شخصيات، حيث يبدو المخرج هنا كأنما أراد أن يدمج بين شعور تصفح القصة وبين رؤية الشخصيات تخرج من تلك القصة من خلال شاشة السينما.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

وبالرغم من أن الفيلم تم انتاجه عام 2014، إلا أن الترويج له كان مبنياً على مداعبة مشاعر الصغار من خلال القصة التي روتها لهم أمهاتهم أو جداتهم في يوم من الأيام، ووقع تنفيذ الفيلم يشبه الى حد كبير تلك المشاعر التي تراقبها من خلال ردات فعل الأطفال في مشاهد محددة، عندما يقف طفل ما ويقترب من الشاشة مثلاً، وهو يقول لأمه قبل نومه «ماذا بعد؟» الى أن تنتهي القصة ويغط في نوم عميق.

من الممكن أن تكون قيمة الفيلم من الناحية العاطفية حاضرة بشكل اقوى من أدوات صناعة الفيلم، علماً أن ممثلين كباراً من ألمانيا شاركوا فيه الى جانب أولريش نويتهين، مثل شخصية بيدا التي أدتها ماريان ساجيبريخت، وشخصية جوستافسون التي مثلها ماكس هيربريختر، وصوت روكسانا صمادي الحاضر في شخصية القط فيندوس.

ناهيك عن حضور الشخصيات الحقيقية في الفيلم كالممثلين، اضافة الى الكائنات الحية مثل الكلب، والدجاج والديك والثعلب، واقتصر الرسم الكرتوني على القط فيندوس، فكان ذكاء الدمج بين الواقع والرسم حاضراً ومثيراً لطريقة التعاطي مع الأحداث، التي تدور حول مفاهيم عديدة في الحياة كالوحدة، الحب، التضحية، الأنانية والتعاون.

الفيلم الذي يبدأ مع شخصية بيتسون وهو يقف الى جانب القط فيندوس، يوجه كلامه للمشاهدين بأنه يريد سرد حكايته معه، وكيف ظهر في حياته فجأة، بعد أن كان مجرد رجل طاعن في السن، يعيش في منزل جميل، مليء بالدجاج، وحوله حديقة جميلة، يحاول أن يتحدث طوال الوقت مع دجاجاته، خصوصاً عندما يقرر اختراع آلة ما، ودائماً يفشل، وتنتقل الأحداث مع قصة بيتسون لنرى القط فيندوس وهو يحاول العثور على مخبأ يقيه المطر في غابة كبيرة، ومحاولة الهرب من كلب جوستافسون والثعلب الذي يعتبر العدو الأكبر لسكان القرية القريبة من الغابة.

بطريقة مميزة يصل فيندوس الى باتسون، من خلال السيدة بيدا، التي تقول له «واخيراً لن تبقى وحيداً بعد اليوم»، تنشأ علاقة عاطفية بين بيتسون وفيندوس منذ النظرة الأولى لكنه يقول «أنا لست امرأة لأكون أماً، ولا استطيع أن أكون اباً لأنني عجوز»، وترد عليه السيدة بيدا «لكنك تستطيع أن تكون صديقاً، فالصداقة لا تحتاج الى عمر محدد»، ومن هذا المشهد يكون الانتهاء من معنى الوحدة التي كان يعانيها بيتسون، خصوصاً عندما يكتشف أن القط فيندوس يستطيع التحدث مثل البشر .

بعد علاقة الحوار بين بيتسون وفيندوس، يبدأ الانتقال الى أنسنة الحيوان، وظهور مشاعر غير موجودة الا عند الانسان، ومن بين تلك المشاعر، الأنانية التي تبدأ تنمو في داخل فيندوس، خصوصاً مع وصول الديك الى حظيرته، ففيندوس اعتاد على تلبية كل رغباته، حتى أنه اقنع بيتسون بضرورة الاحتفال بعيد ميلاده مرتين في العام، ولا يكترث اذا ما ذهب العجوز الى السوق لشراء الطحين بعد تعب طويل في أعماله اليومية، هذه الخاصية التي تظهر مع تطور العلاقة بين بيتسون وفيندوس تأخذ المشاهد، الى مراجعة حياته الشخصية مع ذويه، وهذا ليس مبالغاً فيه، والدليل كان حاضراً، عندما قال أب لطفلته بعد انتهاء الفيلم «أنت تشبهين فيندوس كثيراً، أرجو ان تكوني استفدت من الفيلم».

يتنبه بيتسون الى مشاعر الأنانية التي اصبحت سمة واضحة لدى فيندوس، ويشعر بالأم الكبير، خصوصاً عندما يغادر الديك، ذلك الديك الذي يتمنى جوستافسون طهيه للتخلص من صياحه الباكر، وهذا المشهد مبني على أحداث سابقة تؤدي الى ما يشبه صحوة الضمير لدى فيندوس، والاقرار بالخير والحب الذي قدمه بيتسون له، ليبدأ خطة انقاذ الديك من وعاء الطهي الذي يغلي على النار.

فقد استطاع أحادي أن يبني تصور الفيلم من خلال تصاعد منطقي له علاقة بالمشاعر، فلم يكن هناك مبالغة في الأحداث بل مقتضبة، وعلاقة فيندوس مع الحيوانات الأخرى كانت عابرة، لأن الهدف كان مبنياً على رد الجميل والمتمثل ببيتسون الذي قدم كل شيء لفيندوس بكل حب، هذا التصاعد الدرامي المحبوك بطريقة كلاسيكية، تشبه قراءة القصة، مختلفة تماماً عن نوعية الأفلام التي قدمها أحادي سابقاً والتي كان جلها وثائقياً عن الشرق الأوسط ، مثل جسر الأطفال 2005، الموجة الخضراء 2011 الذي حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي في الدورة الـ12 من مهرجان بامبلونا السينمائي في إسبانيا، ويتحدث عن الأحداث التي وقعت قبل وبعد الانتخابات الرئاسية في عام 2009 بإيران، اما درامياً فقدم فيلم 45 دقيقة الى رام الله 2013، السلامي عام 2009، ودي مامبا 2014، لينتقل لصنع فيلم كرتوني، لذلك يراه عديدون أنه لم يحدد شغفه تجاه الأفلام التي يريد صنعها، وتفوقت أفلامه الوثائقية على غيرها.

في النهاية أنت أمام قصة جميلة، قد يستفيد الأطفال كثيراً منها، وتصلح لعرضها في المدارس أكثر من عرضها سينمائياً، كنوع من التوعية التي ترافق التشجيع على قراءة القصص والاستفادة من محتواها، لكن من يحب الكلاسيكية في صناعة الأفلام سيحب الفيلم لسبب وحيد أنه يعيده الى الزمن الجميل، التي كانت تقدم الألوان كما هي والأزياء المتواضعة، والشخصيات الكرتونية المرسومة بشكل كرتوني أكثر منه واقعياً، فالفيلم لا يسبب الملل لأنه متناسق مع تطور أحداثه، ولارتباط المشاهد مع بعضها بشكل سلس وقريب الى عقل الطفل المشاهد الصغير، ونهاية الفيلم تلخص كل المعاني التي لها علاقة بقيمة الإنسان تجاه كل ما يدور حوله.

تويتر