عرض بالأبيض والأسود لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي الدولي

فلسطين.. «حب وسرقة وأشــياء أخرى»

بالأبيض والأسود يظهر «حب وسرقة وأشياء أخرى» الفيلم الروائي الأول الطويل للمخرج الفلسطيني مؤيد عليان، الذي عرض في قسم بانوراما في الدورة الـ65 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، الفيلم لا يحكي فلسطين كقضية بل يحكيها كبشر وحجر وشجر وأحاسيس ومشاعر، يحكي فيها الجيد والسيئ، يحكيها كأنه يؤكد ما قاله الشاعر الراحل محمود درويش: هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى ‏دمنا على أيدينا... لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟ وهل كان ‏علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقى حقيقتنا عذراء؟ كم ‏كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء!
الفيلم من بطولة الفنان المسرحي سامي ميطواسي، والفنان رياض سليمان، ومصطفى أبوهنود، ومايا أبوالحياط.
بطل قصة عليان، الذي شاركه في كتابتها شقيقه رامي عليان، لص سيارات، اسمه موسى تدور حوله كل مجريات الفيلم المصورة بالأبيض والأسود، فلا ضرورة للألوان في ظل الاحتلال والحواجز والابتزاز، موسى الذي يتشاجر مع والده عامل البناء كل يوم، ولا يأبه بالتصريح الذي أخرجه له والده بعد أن ذلّ نفسه، للعمل في مناطق بعد الخط الأخضر، فهو لا يفكر سوى بتجميع المال كي يرحل، حتى لو كان الرحيل من خلال نادٍ رياضي يستغل هؤلاء الشباب بأخذ نقود منهم موهمين اللجان الأجنبية بأنهم محترفو كرة قدم.
كل هذا تلمسه منذ المشاهد الأولى من الفيلم، أحاسيس متناقضة تصيب المشاهد بين متعاطف ولائم، لكن اصل الحكاية أن الفلسطيني قد يكون أي شيء، لكنه من الصعب جداً أن يرضى أن يكون عميلاً حتى لو كان لصاً.
البداية الفعلية للفيلم عندما قرر موسى، بعد أن هرب من منزل والده الناقم عليه أو طرد بشكل أدق، أن يسرق سيارة كعادته على ما يبدو، تشعر بأنه متخصص بسرقة سيارات من استولى على أرضه وبيته، ولأن الفيلم فلسطيني فأنت تبرر فعلته ضمنياً، وهذه كانت إجابة موسى للمحقق «الإسرائيلي» بعد أن يتم القبض عليه «سرقتو البلاد ولاحقينا على سرقة سيارة».
قبل هذا المشهد، وبعد أن يصل موسى بالسيارة المسروقة إلى مكان منعزل في الضفة الغربية، يتفق مع صاحب ورشة سيارات بطريقة بيع قطع السيارة، لكن الذي يحدث مع موسى لم يكن بالحسبان، ففي اليوم التالي تقوم كتائب فلسطينية بالقبض على لصوص السيارات المعروفين في الضفة الغربية، وتحقق معهم حول السيارة المسروقة، فيدرك موسى أنه سرق سيارة تابعة للكتائب، لكنه ينكر السرقة من شدة الخوف.
في هذه الأثناء، تلوح قصة الحب في الفيلم والتي تجمع بينه وبين امرأة متزوجة، وهذا أيضا يضيف إلى خصال موسى السيئة، فأنت تدرك أن هذه المرأة التي حملت من موسى، الذي تخلى عنها، مضطرة للزواج من غيره وتسمية ابنتهما باسم الزوج الجديد، ومع ذلك تستمر العلاقة بينهما، هذا الحب الذي أراده المخرج والكاتب، كان تكملة للتقرب أكثر من شخصية موسى فالأخلاق لا تتجزأ، لكنك كمشاهد من الصعب التعاطف مع هذه العلاقة العاطفية، ودور المرأة في حياته تبرير إضافي ليرحل موسى عن فلسطين ويعمل في الخارج، ليؤمن لابنتهما حياة أفضل مع أنها تعيش حياة كاملة مع زوج والدتها الغني. فتراه من فترة لفترة ينتظر مغادرة الزوج ليذهب للقاء حبيبته.
العودة إلى السيارة المسروقة، والتي لها علاقة بالقبض على موسى لكن هذه المرة من قبل الاحتلال، والتحقيق معه ومحاولة تجنيده في الخلية نفسها، لكن موسى يرد عليهم بأنه لا يريد سوى مغادرة البلاد، وأنه لم يسرق السيارة، ومن شدة اهتمام الجانبين (الاحتلال والكتائب)، بدأ موسى بالشك فقرر الذهاب إلى مقر السيارة ويفتش داخلها، ليكتشف وجود شخص في «دبة» السيارة، يقوم موسى بإنزاله، كل هذه المشاهد تدور بحس كوميدي، وردات الفعل كانت مدروسة بشكل جيد مع أداء جيد، وبعد فترة يكتشف موسى أن هذا الرجل ما هو إلا جندي إسرائيلي خطفته الكتائب لتحرير الأسرى، وهذه الأشياء الأخرى الموجودة في عنوان الفيلم، أشياء تتعلق بالوطن وليس بالفرد، أشياء تتعلق بعيون الأمهات التواقة لحضن أبنائهن، وعيون الزوجات والأبناء لدفء عائلي يجتمع فيه كل أفراد الأسرة على مائدة واحدة، أشياء يسمعها موسى كل يوم من نشرات الأخبار ومن المارة، حتى من تلك المرأة العمياء التي استضافته يوماً هو والجندي، وقدمت لهما ما لذ وطاب من المأكولات، وتؤكد أنها فقدت بصرها من شدة حزنها على ابنها الأسير، وهي تأمل أن خطف الجندي سيعيد لها ابنها.
أشياء لها علاقة بتركيبة موسى السيئة الأخلاق، المضطر لبيع قطع السيارة كي يسدد قيمة هجرته لمدير نادٍ رياضي، أشياء كثيرة تظهر في الفيلم تطغى على الحب والسرقة، أشياء تجعله يفكر بقيمة الفرد الفلسطيني كإنسان، فمقابل هذا الجندي المحتل لأرضه سيفرج عن 400 أسير فلسطيني.
أصبح موسى ملاحقاً إذاً من الجانبين، وبذكاء وظف المخرج المشاهد بحس كوميدي عالي المستوى، فهو في الحالتين من الممكن أن يفقد حياته، كخائن أمام كتائب المقاومة، وكمتعاون بالنسبة للمحتل، وفي الوقت ذاته يريد أن يؤمن المبلغ الكبير لمدير النادي، وهنا ينتقد عليان فساد السلطة بطريقة جيدة، فوجد الحل أخيراً، في مساومة الكتائب بالمبلغ الناقص عليه مقابل تسليم الجندي، وبعد استفزاز الكتائب منه تقبل هذه الصفقة، وترى موسى وهو في مشهد يجمعه مع لجنة الاتحاد الأوروبي المخولة إعطاءه تصريح دخول لأوروبا، فيسألونه عن موقفه من المرأة، وهل يمانع في زيارة متحف أوشفتيز لضحايا النازية من اليهود، فتراه يومئ برأسه بالقبول مع أنه لم يفهم شيئاً، ويحصل على التأشيرة.
تعتقد أن مشكلات موسى انتهت، لكن القصة تعود وتحيط بالإنسان الفلسطيني إذا قرر أن يحلم، لن تبدأ بإخراج المبررات لموسى، ولن تتعاطف معه، لكنك ستشعر بأنه شخص كان يحلم ولم يجد أمامه طريقة لتحقيق هذا الحلم سوى السرقة والمساومة، وفي الوقت نفسه رفض أن يكون عميلاً للاحتلال وإخبارهم بمكان الكتائب وتسليم الجندي لهم، هذا القرار تحديداً تدرك من خلاله أن العمالة ليست وجهة نظر.
عندما صارت التأشيرة في جيبه، وحلمه اقترب من أن يتحقق، ذهب للحب مرة أخرى ذهب إلى منال، ليتفق معها على كل شيء، لكنه لم يعلم أن انتقام الاحتلال كان حاضراً، فقد تم تصوير علاقتهما بشكل كامل، وبدأ المحقق من جانب الاحتلال ابتزازه، حتى يدلهم على مكان الكتائب الفلسطينية، في لحظة ضعف تشعر بأن موسى استسلم، لكنه وفي اللحظة التي يجب على الاحتلال معرفة المكان من خلال كاميرا مع موسى، يقرر موسى قطع الإرسال، في هذه اللحظة تكون صورهما وصلت إلى بريد الزوج، وتقترب النهاية، بعد اكتشاف الزوج الخيانة، ويقرر قتل زوجته لكنها تقتله، ويتحمل موسى المسؤولية كاملة ويدخل السجن.
من الممكن أن تكون النهاية مربكة وغير متوافقة مع أحداث الفيلم كثيراً، وفيها نوع من الضياع، لكن الخلاصة تؤكد أن موسى لم يساوم على أمرين الوطن والحب، فمن أجلهما يضحي الإنسان بحياته.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.



 

تويتر