مرشح لأوسكار جائزة أفضل فيلم أجنبي

«حكايات برية».. 6 قصص تتعقــــب المشاعر الإنسانية

عرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان كان الفائت وعرض للمرة الأولى في الشرق الأوسط في الدورة الـ11 من مهرجان دبي السينمائي الدولي. وهو من بطولة ريكاردو دارين وأوسكار مارتينز وداريو غراندينتي وريتا كورتيسه وجوليتا زيلبربيرغ. أرشيفية

داميان زيفرون اسم لمخرج أرجنتيني من المتوقع أن يترك بصمة واضحة المعالم في صناعة السينما، التي ترتكز فعلاً على كل مقومات وعناصر خلق فيلم من الصعب أن يمر عبر الذاكرة مروراً عابراً، و«حكايات برية» المرشح بقوة لنيل جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، اعتبره نقاد أنه من أجمل الأفلام التي تم إنتاجها في عام 2014، حيث عرض للمرة الأولى في مهرجان كان الفائت، وعرض للمرة الأولى في الشرق الأوسط في الدورة الـ11 من مهرجان دبي السينمائي الدولي، وهو من بطولة ريكاردو دارين، أوسكار مارتينز، داريو غراندينتي، ريتا كورتيسه، جوليتا زيلبربيرغ

أنت لن تشاهد فيلماً كاملاً، بل ستشعر بأنك تشاهد ستة أفلام قصيرة متحدة مع بعضها، لكل منها حكاية، لكن المغزى العام هو الذي يربط بينها، في عنوان واحد اسمه «الغضب».

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجي الضغط علي هذا الرابط.

استطاع زيفرون أن يوصل كمية المشاعر التي تعيش في كيان الإنسان بكل سلاسة وبساطة، ولوهلة تشعر أنت كمشاهد بحالة تشبه الفصام عند اقتراب نهاية كل قصة، فأنت طوال عرض القصة تضحك، وفجأة تصمت، تركز، تبكي، فهو جعل من المشاهد بطلاً من أبطال حكاياته الست.

زيفرون الذي كان حاضراً أثناء عرض فيلمه في مهرجان دبي السينمائي في دورته الـ11، وبعد العرض مباشرة، كان حريصاً على تقديم الشكر لكل من أعجبه الفيلم، فهو لم يكن يتوقع أن ينال فيلمه كل هذا الثناء، خصوصاً بعد تجربتين سينمائيتين لم تريا النور ولا الثناء.

الحديث عن الحكايات الست من الممكن أن لا يأتي تراتبياً، فالمغزى ليس بتتمة كل حكاية للأخرى، بل بقدرة المخرج على أن يوصل المعنى المراد من الحكايات التي قد تكون حكاية أي شخص يعيش على هذه الأرض.

لنبدأ مع أول حكاية التي لم تغادر الكاميرا فيها الطائرة، فيها عدد من الركاب، وعبر أحاديث جانبية، كل من في الطائرة يتحدث عن سبب وجهته، فهو تلقى دعوة مجانية مصدرها مجهول، الحديث يبدأ مع امرأة تتناقش مع ناقد موسيقي، تسأله مصادفة عن شخص اسمه «باسترناك»، فيبدأ الناقد بوصفه بأنه أفشل موسيقي على وجه الأرض، فتسمع راكبة أخرى الاسم وتؤكد أنها درسته يوماً ما ولم يمر في حياتها شخص مضطرب مثله، ويبدأ الركاب جميعهم بذكر الاسم، فكل راكب لديه قصة مع «باسترناك»، ليعي الركاب جميعهم أنهم وقعوا في فخ الانتقام في الطائرة التي أصبحت في الجو، من خلال صوت قائد الطائرة، الذي لم يظهر أبداً، لكن الجميع أيقن أنه «باسترناك» الذي أراد أن ينتقم من كل شخص آذاه في حياته، بداية من أبويه، معلميه، وصديقته التي خانته مع صديقه، ويرى المشاهد الطائرة وهي تهوي قرب منزل، ليتضح أنه منزل والديه، هو انتظر سنوات عدة كي ينتقم، وتحقق حلمه أخيراً، في سماع صوت صراخ الاقتراب من الهاوية ومن الموت. هنا أراد زيفرون أن يحكي الاضطهاد الذي يتعرض له الأطفال، ويستمر معهم طوال مراحل عمرهم، والذي يخلق في داخل الطفل الشر الذي يكبر كل يوم.

في حكاية أخرى البطل فيها لغة المال والسلطة المرتشية، فها هو الشاب الذي ينتمي إلى عائلة ثرية، يكتنف البرود جدران قصره، ووجه أمه وسلطة أبيه، يعود إلى ذلك القصر منهاراً، بعد أن أكد لوالديه أنه قام بدهس شخص ما، وهرب، تاركاً الضحية التي لا يعرف جنسها ملقاة على الأرض دون عون، هنا تصرخ الأم على زوجها بأن يجد الحل، يستدعيان المحامي، الذي يقوم بإزالة كل البصمات على السيارة التي تدل على ارتكاب الشاب للجريمة، كخطوة أولى، الخطوة الثانية تأتي لهم على طبق من فضة، من خلال الحارس الذي استيقظ باكراً ليقوم بأعماله في القصر، يقوم الأب ومحاميه باستدعائه، قبل وصول الشرطة، يقدم له كل المغريات المادية واعداً إياه بحياة كريمة لعائلته إذا ما قبل أن يحمل القضية عن ابنه، يوافق الحارس، ويقوم المحامي بوضع جميع بصماته على السيارة، ويجلسه مكان الابن، ويحفظه ماذا سيقول للشرطة، التي وصلت القصر، وبدأت بمعاينة السيارة، وبذكاء من الشرطي استطاع أن يكشف الخطة، من خلال المقعد الذي لا يتناسب مع وضع المرآة، هنا دخلت الحكاية إلى دور السلطة التي من المفترض أن تحمي الشعب، فيقوم الأب بتقديم رشوة كبيرة للشرطي، الذي يوافق فوراً، لكن الحارس سمع المبلغ المقدم بأنه أعلى من المبلغ الذي سيحصل عليه، فتتم المفاوضة مرة ثانية، ليكتشف الأب أن المحامي مستفيد من الصفقتين، في هذه اللحظة يثور غضبه، ويقرر التخلي عن ابنه مقابل عدم ابتزازه وحفاظاً على أمواله، وبعد نقاش يتم الاتفاق بينهم، وحين خروجهم يجدون زوج المرأة الضحية مع عدد من الناس الغاضبين أمام القصر والصحافة، فيهجم زوج الضحية على الحارس الذي قال للصحافة إنه القاتل، ويطلق رصاصة على رأسه، وهنا يموت الحارس الذي ساوم على حياته وعلى عائلته من أجل المال الذي لم يأخذه ولا تعرف عائلته عنه، ويبقى على قيد الحياة الشرطي الفاسد والمحامي المستفيد والأب الذي اشترى ضمائرهم.

وفي حكاية ثالثة التي كان عنوانها «حتى آخر العمر إلى أن يفرقنا الموت»، تتجلى جميع الأحاسيس في مكان واحد، في حفل زفاف حبيبين، الرقص والغناء، ولمة العائلة والأصدقاء، كل هذا الصخب لا يمكن أن تتخيل معه أن تحدث كارثة بطلها العروسان، ففي خضم كل هذا الفرح، تلتفت العروس فجأة الى زوجها لتراه يتودد إلى امرأة في الطاولة، شعرت وأشعرت المشاهد أن ثمة شيئاً بينهما، فهي زميلته في المكتب، قوامها جميل وممشوق، تركز الكاميرا على عيونها، التي باتت تقترب إلى الغضب، وبحركة ما تقوم بتناول هاتفها والاتصال برقم فترد المرأة التي على الطاولة، حينها تستذكر وقت حفظها للرقم عندما شاهدته مرة على شاشة هاتف حبيبها، ردة فعلها التي لازمها دوار وعدم اكتراث لكل الحاضرين، وكأنها في دوامة لوحدها، جعلتها تهرول خارجاً، تاركة الجميع دون جواب، هم لم يلاحظوا غيابها، ولم لا يحظوا مواجهتها لزوجها الذي لم ينكر أن ثمة علاقة عابرة جمعته مع زميلته، اختفت من المكان، ووجدت نفسها على سطح الفندق، تترنح أمام الهواء، تقرر الانتحار، إلى أن جاء رجل من خلفها، هو الطاهي في الفندق، يتحدث لها بلغة الأب، يحاول أن يهدئ من انفعالها، مؤكداً أن ما فعله حبيبها لا يغتفر بسهولة، وأثناء حديثه تهجم العروس عليه متحرشة به، مع وصول عريسها سطح الفندق، هي رأت أن تنتقم من عريسها ب الأسلوب نفسه، لتوصل إليه الألم الذي شعرت به بسبب خيانته لها، يعتقد المشاهد أن القصة ستنتهي هنا، لكن وبعد عودة العريسين إلى قاعة الفرح، يبدآن بشتم بعضهما بعضاً، وتتشاجر العائلات مع بعضها، ويفرغ كل فرد من المدعوين شحنته على الآخر، وكل من في القاعة يبدي رأيه في شخصية العروسين، تصل الحالة إلى الضرب ورفع السكاكين، ومحاولات للقتل، وبعد كل هذا الخراب، وأمام انهيار العروس، ينظر إليها عريسها وينتشلها من كل هذا الحزن، ويقرر الرقص معها وإتمام الزواج.

الضحك والبكاء حالتان سيطرتا على مشاعر الجمهور في هذه القصة التي كانت مملوءة بالمشاعر المتناقضة، والغضب الكامن في النفس البشرية الذي يحتاج إلى فرصة للانفجار.

الحكاية الرابعة هي حكاية تخاطب الطبقية في المجتمعات، من خلال دييغو، شاب وسيم يقود سيارة ليست فارهة، لكنها أفضل حالاً بكثير من سيارة أخرى تمشي على الشارع نفسه، متهالكة وبطيئة، لرجل اسمه ماريو، يعطي الحق لدييغو صاحب السيارة الأحسن حالاً ليتجاوزه بسبب بطئه، ويلقي عليه حركة معيبة من مرآته، ويستمر الطريق، ويستطيع دييغو فعلاً صاحب السيارة الجيدة أن يتجاوز ماريو الفقير بكيلومترات كثيرة، لكن ثمة مشكلة تتعرض لها السيارة، فيرى دييغو نفسه يقف على قارعة الطريق أمام منحدر، في مكان لا بشر فيه، يحاول الاتصال بشركة التأمين لكن دون جدوى، فالشبكة اختفت، ومع مرور الوقت يظهر ماريو صاحب السيارة المتهالكة، يحاول دييغو إيقافه، وينظر إليه نظرة أسف على الحركة السابقة التي قام بها، يقف ماريو، يظهر في البداية كرجل هادئ الطباع، لكن الغضب الذي يعتريه يظهر على الذي سيفعله بسيارة دييغو، يكسر زجاجها، يحطم أبوابها، يتبول عليها، ينتقم منها أشد انتقام، ودييغو يحاول فقط أن يتصل بالشرطة أو شركة التأمين، يتعاركان، يهرب دييغو إلى السيارة، فيعمل ماريو على تقريبها من المنحدر، تسقط السيارة، لكن دييغو لا يهنأ، يلحق به، يحاولان قتل بعضهما.

«قنبلة صغيرة» كان عنوان إحدى الحكايات الست، تتمحور حول سيمون المهندس المختص بأنواع القنابل، يريد شراء كعكة لعيد ميلاد ابنته، وعند خروجه من المحال يكتشف أن سيارته تم شحنها بذريعة الوقوف في مكان غير مخصص لها، وهذا السبب غير صحيح، حسب سيمون الذي يتكلم مع الموظف بكل أدب أنه كان في الموقف غير الممنوع، لكن الموظف يصر على دفع المخالفة كي تعود إليه سيارته، ويرضخ سيمون للأمر، لكنه يتأخرعن عيد ميلاد ابنته، تتكرر قصة شحن السيارة الى المرآب أكثر من مرة مع سيمون وغيره من المواطنين الذين يقفون في الدور يؤكدون أنهم لم يخالفوا القانون، لكن دون مجيب، يصل سيمون إلى مرحلة نفسية سيئة، بسبب قصة المرآب، يفصل من عمله، تغضب منه زوجته التي تؤكد له أنه غير ملتزم بالعائلة، وتتفاقم المشكلة لديه أكثر وأكثر مع ردة فعل الموظف في الدائرة المعنية للمخالفات، وعدم اكتراثه لشكاويه المتكررة، إلى أن يصل إلى حل بصناعة قنبلة صغيرة، لن تتسبب بأي ضرر، وتنجح خطته، ويستطيع بث الرعب في كل فرد في الدائرة، ويشعر هو بالانتصار للمرة الأولى في حياته، الغريب في هذه الحكاية ان سيمون يتحول إلى بطل تكتب عنه الصحف.

الحكاية السادسة تحكي السجن الكبير الذي يشعر به المرء، على الرغم من أنه من غير قضبان حديدية، قصة مطعم فيه نادلة وطاهية، يقصد المطعم رجل تتسمر أمامه النادلة، وتذهب إلى الطاهية لتؤكد لها أن هذا الرجل هو السبب في موت والدها، وفي تركهم لمدينتهم، بعد محاولاته المتكررة التحرش بأمها، فتجيبها الطاهية ببساطة هذا يجب قتله، سنضع سم الفئران على طعامه، ونقول للشرطة إننا استخدمناه في المطبخ لقتل الفئران ولن نحاسب، تتردد النادلة، لكن الطاهية تصر، وتضع بالفعل السم على الطعام، وأثناء شروعه في الأكل، يصل إلى المطعم ابنه، فتتوتر النادلة، وتحاول أن تسحب صحن الطعام من أمام الرجل، لكن الرجل يصرخ عليها ويتهمها بالجنون، في هذه الأثناء يتناول الابن قطعة بطاطا، ويبدأ بالترنح، فيهجم الأب على النادلة، وتظهر الطاهية، وتغرز السكين في ظهره، هذه الطاهية أرادت أن تدخل السجن، بعد كل العذابات التي روتها في بداية الفيلم عن الظلم والفقر.

من الممكن أن لا تكون مع هذه الحكايات الست، ومن الممكن أن تصف ردود الفعل الغاضبة بالمبالغة، ومن الممكن أيضاً أن تصف الفيلم بالمحرض، لكن الأكيد أن هذا الفيلم سيجعلك تضحك وتبكي وتصرخ وتصفق في الوقت نفسه، لأنه سيخلق في داخلك تساؤلات، وكل الإجابات حاضرة في «حكايات برية».

تويتر