فيلم بوليوودي خالٍ من اللوحات الراقصة و«الأكشن»

«البحث عن فاني».. هندي بنكــهة يونانية

منذ اللحظة الأولى للفيلم يشعر المشاهد بالموسيقى التي تستحوذ على كل شيء فيتحمس بشكل إيجابي لتقبل فكرة جديدة وشكل جديد للسينما الهندية بات حاضراً بقوة. أرشيفية

في غاوا، إحدى أصغر ولايات الهند من حيث المساحة وعدد السكان، تدور أحداث الفيلم الهندي «البحث عن فاني» الذي يُعرض حالياً في دور السينما المحلية، وإذا لم يكن المشاهد يعلم مسبقاً جنسية الفيلم فقد يقع في حيرة من أمره، فالنكهة اليونانية؛ سواء في شكل الممثلين وحتى في الموسيقى المستخدمة، حاضرة بقوة، فغاوا كمدينة تعج في الحياة المطلة على بحر العرب لا تقل عن أي مدينة هندية تسكن الألوان والموسيقى روح سكانها وبيوتها.

الفيلم الذي أخرجه هومي أدجانيا، وقام ببطولته ديبيكا بادوكان، وبانكاج كابور، ونصرالدين شاه، وآخرون، يحكي عن الحب إذا ما فُقد، وإذا ما جاءت فرصة واحدة لإعادته، فرصة لن تتكرر، وعلى هذا الأساس يقرر أبطال العمل القيام برحلة بحث عن الحبيبة التي لم ترد على رسالة فيردي بطلب يدها، ليكتشف بعد مرور أكثر من 40 عاماً أن الرسالة لم تصلها، فقد وجدها (الرسالة) ملقاة أمام منزلة بالمصادفة التي ستتكشف مع أحداث الفيلم الذي يصنّف بالرومانسي والكوميدي.

منذ اللحظة الأولى من الفيلم يشعر المشاهد بالموسيقى التي تستحوذ على كل شيء، فيتحمس بشكل ايجابي لتقبل فكرة جديدة وشكل جديد للسينما الهندية بات حاضراً بقوة، بعيداً عن الأكشن والأجسام البشرية الطائرة واللوحات الغنائية الراقصة الكثيرة، التي لابد منها لإعطاء نكهة تميزت بها الأفلام الهندية.

يخلو الفيلم تماماً من اللوحات الراقصة ويحفل من أوله الى آخره بالعواطف، فالقصة ببساطة تروى بصوت الشخصية الرئيسة في الفيلم «آنجي» التي تتحدث عن مدينتها غاوا، ليس غزلاً بجمال الطبيعة فيها، بل بأهلها الذين اختزلتهم بحماتها «روزي» التي تلعب دوراً مميزاً من حيث الشكل والأداء، هي أقرب إلى امرأة يونانية ستينية، مهندمة دائماً، وتمسك بمروحة يد لا تفارقها، إضافة الى وردة بشعرها، هذه الحماة فُقد ابنها بليلة زفافه على آنجي، التي كانت تربطه بها علاقة صداقة مع شخص ثالث اسمه «سافيو»، كان يحب «آنجي» لكنه لم يعترف لها أبداً، وفي يوم الزفاف غادر المدينة إلى مومباي، وذاع صيته حتى أصبح من أهم رجال الأعمال هناك، لكن الحقيقة غير ذلك فهو لم يكن سوى نادل في مطعم، هذا التفصيل جزء من وصف طبيعة حياة الناس في غاوا، لتنتقل بعد ذلك للتحدث عن «بيدرو»، الرسام التشكيلي الذي لا تثير فرشاته وألوانه سوى النساء المتقدمات في العمر، وتُنهي تعريفها بشخصية «فيردي»، وهو لبّ الحكاية، فهو شخص طاعن في السن، لكنه لم يتخلَّ عن الفرقة الغنائية الخاصة للأطفال في الكنيسة، ويرتدي مثلهم ويقف إلى جوارهم، يعيش بين أدويته في منزل متواضع، خفيف الظل وسليط اللسان وجريء إلى حد الحب، حكايته ببساطة أنه وقبل 46 عاماً أحب امرأة، فبعث برسالة لها يطلب يدها للزواج، لكنها لم تجب، فاعتبر أن عدم ردها دلالة على رفضها، فاعتزل الحب وقرر الاعتكاف.

كل هذا الغوص في تفاصيل حياة أناس يبدو أنهم يعيشون في هدوء يتناسب مع طبيعة المكان، الذي يحتاج إلى عاصفة ما تغيّر مجرى الحياة الرتيب، وتمثلت هذه العاصفة بحدثين رئيسين: أولهما عودة سافيو بسبب موت والده، وخلال وجوده في المنزل كان يبحث عن شيء مادي ربما وضعه والده له قبل وفاته، مع الإشارة إلى أن والد سافيو كان مسؤولاً عن البريد في المدينة، لكنه لم يجد سوى علبة زجاجية مملوءة بأطقم الأسنان، لكن بعد هذا المشهد وعندما حل المساء، يصل إلى بريد فيردي رسالة، فيفتحها ويعي أنها رسالته التي أرسلها قبل 46 عاماً، فيصرخ صرخة مدوية توقظ سكان المدينة من خلال الإنارة التي تعم المدينة حينها، هذه الصرخة هي بداية مشوار تلك المجموعة المؤلفة من خمسة أشخاص للبحث عن فاني حبيبة فيردي.

كل فرد في المجموعة (آنجي، وروزي، وسافيو، وبيدرو، وفيردي) لديه علاقة مصلحة مع الآخر، ولن تتحقق هذه الرحلة سوى بتحقيقها، فالسيارة مطلوبة في هكذا رحلة، وسافيو كان قد باع سيارة والده إلى الفنان بيدرو، الذي يحلم برسم روزي، فتستغل آنجي ذلك كي تنجح الرحلة، وهي بحاجة أيضاً للحديث مع سافيو عن سبب عدم اعترافه لها بحبه، وكل هذا ضمن رحلة البحث عن فاني التي استعد لها فيردي بارتدائه أجمل ثيابه، وابتياع الأزهار.

وقبل الخوض بالتفاصيل في الفيلم، ينبغي التطرق للسيناريو الذي أسهم في كتابته مخرج الفيلم إلى جانب الكاتب كيرسي كامباتا، والذي يتميز ببساطة عميقة، كما وفّق المخرج في اختيار الممثلين الذين بدوا وكأن السيناريو قد فُصّل لهم، فشخصية بيدرو - على سبيل المثال - جديدة نوعاً ما، فالفنان بشكل عام تلهمه المرأة، لكن الإلهام لدى بيدرو يرتبط بالمرأة الكبيرة، فهو يبحث عن النفس وتغيرها مع تغير الجسد، ولذلك قدم النص فكرة فلسفية حيكت مع مشاهد طريفة وعميقة في الوقت ذاته، وتحديداً عندما وصل بيدرو إلى مبتغاه ووضع روزي أمامه ليرسمها، تشعر بأن المشاهد يريد أن يرى هذه اللوحة التي تعب بيدرو للوصول اليها، فتكون عبارة عن شيء كبير لا ملامح له، فهو استطاع فعلاً أن يدخل إلى روح روزي التي تدعي قوتها من الخارج، وتحافظ على كبريائها، ناشرة شائعة حب زوجها لها، وموته بسبب الحب، لكن الحقيقة أنه غادرها ورحل مع امرأة أخرى، هذا كله وضح في الرسم واللوحة، وهذا الفن الحقيقي الذي يدخل إلى صميم المادة الملهمة.

وبالعودة إلى الفيلم، يصل أبطال الفيلم إلى منزل فاني، ليظهر من خلف الباب رجل روسي يشرب، معلقاً صورة لينين على حائطه، وعلم الشيوعية، فتعتقد المجموعة أن فاني تزوجت أجنبياً، وفي خفة ظل يرتبط المشهد ببيان سياسي لا علاقة للمجموعة به، فيهربون بعد أن أعطاهم عنوان فاني الجديد.

المأزق في الفيلم أو ما يُراد له ذلك، هو عندما ينفد الوقود من السيارة، وقبل ذلك تجدر الإشارة إلى أن قطة روزي كانت بصحبة المجموعة، لكنها تنفق في الطريق بسبب فيردي الذي من غير قصد يلقيها بالشارع، لكن المجموعة تتواطأ على الحقيقة وتقنع روزي بأن القطة نائمة، وهذا التفصيل سيكون من ضمن الحقائق التي تتكشف في شخصية روزي تحديداً، فالشكل الخارجي والقوة لا يدلان على صلابة المرء من الداخل، فروزي اعتادت اهتمام الآخرين بها، والاهتمام بكل ما يخصها، لذلك اقتنعت بعدم موت القطة لاتكالها عليهم، مع أنها لم تلحظ أن القطة لم تطلب طعاماً أو ماء.

تلتقي المجموعة في منطقة مملوءة بالأشجار والمناظر الخلابة، كل فرد فيها يخلو إلى نفسه مفكراً في مصلحته التي خرج لأجلها، مستغلاً حاجة فيردي في البحث عن فاني، والأكثر حميمية كان اللقاء الذي جمع آنجي مع سافيو، إذ سألها: «كيف رضيت الارتباط بشخص آخر مع أنك تحبينني؟»، لتجيب: «لأنك ولا مرة واحدة قلت لي إنك تحبني، واكتفيت بالمغادرة». وتضيف: «عندما سلمتك دعوة الزفاف وجهاً لوجه انتظرت أن تقول لي أحبك». هذه الفرصة الضائعة لا تتكرر كثيراً، الفيلم كله يحكي عن الفرصة الوحيدة التي قد تُمنح لشخص، ولا يقبض عليها فتضيع منه، وقد ينتظرها مرة أخرى لكن سنوات كثيرة قد تفصل بينه وبينها، كما حدث مع فيردي. تعود علاقة الحب بين العاشقين، وفي الصباح يرسم بيدرو روزي الرسم الغريب الذي يشعرها بأنه انتهك كرامتها، ويقرر فيردي الذهاب وحيداً لجلب الوقود للسيارة، ويمضي في البحث عن فاني، فتقرر المجموعة العودة إلى المدينة، مع شجار حاد يحدث نتيجة معرفة روزي بموت القطة، والحقيقة التي يكشفها سافيو لها بأنها أنانية واعتادت الاتكال، مؤكداً ضرورة العودة إلى فيردي لأنه السبب في وضع الرسالة على باب منزله، فقد كان والده بغيضاً لدرجة منع وصول هذه الرسالة إلى فاني. تتدهور السيارة ويطير الفنان بيدرو إلى البحر ويغرق، ولا ينتبه أحد له، وكأنهم في داخلهم لم يهتموا بموت أحد يستغل الفن من أجل القباحة ونشرها، ويجدون فيردي ويصلون إلى بيت فاني الجديد، وتصادفهم جنازة، فيلمح فيردي حبيبته فاني التي تظهر امرأة عشرينية في أوج جمالها، لن تتغير صورة الحبيبة رغم السنين، يذهب إليها، ليكتشف أنها ابنتها من زواج ثالث، فقد تزوجت الحبيبة أربعة، ولم تأتِ على ذكره يوماً من الأيام، فيدرك فيردي أنه لم يكن بالحسبان، وأن سنين عمره ذهبت هباءً إلا من نظرة روزي له الشاكرة بأنه لم يفصح عن سر زوجها الخائن، والمحبة أيضاً، فهي ذهبت معه كي تمنعه من ملاقاة فاني لأنها تحبه، وينتهي مشهد الجنازة بنظرة أخيرة من قبل فيردي على تابوت فاني، التي أصبحت ضخمة الحجم وكبيرة في العمر، صورة لم تكن في عقله، لكنها ضرورية لإزالة الصورة الساكنة في رأسه. عملياً ينتهي الفيلم هنا، لتلحقه مشاهد سريعة تخبر الجمهور بأن سافيو تزوج من آنجي، وأن روزي تزوجت من فيردي.

كما يبرز الحوار ممتعاً، خصوصاً أنه ملاحق دائماً بموسيقى هندية امتزجت بأخرى يونانية أسهمت في جعل إيقاع الفيلم قريباً من القلب، ليزرع ابتسامة على وجوه مشاهديه.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

تويتر