«معلمة الإنجليزية» يُعرض في صالات الإمارات ويحاكي النفس البشرية وتقلّباتها

سينما بنكهة تلفزيونية

تناول الفيلم قصة معلمة تريد أن تترك أثرها في طلابها حتى بعد تخرّجهم. أرشيفية

تقع في غرام معلمة اللغة الإنجليزية (ليندا سينكلير) من المشهد الأول في فيلم «معلمة الإنجليزية»، الذي يعرض حالياً في دور السينما المحلية، وهو للمخرج كريغ زيزك، فهي الأربعينية التي كرست حياتها لتدريس الأدب الإنجليزي للطلاب الأميركيين، لم تفت على حياتها مسرحية من هنا أو هناك، تعطي الإحساس لطلابها بكل عبارة تريد أن تترك الأثر في حياتهم مستقبلاً، هكذا اعتقدت، أو هكذا أرادت أن تقنع نفسها، كي تحارب وحدتها الخالية من الحب والرفيق، لكنها المملوءة بالأفلام الرومانسية والكتب. تتوقع الكثير من هذا الفيلم الذي تلعب دور البطولة فيه جوليان مور ومايكل أنجارانوا، لكن في النهاية تصل إلى أنك لم تكن تتابع سوى فيلم أشبه بالتمثيليات التلفزيونية التي تعنى بالمراهقين، خصوصاً في مرحلة الثانوية، فقد ضاعت القصة تماماً وانتقلت إلى منحى آخر، فكسرت الرمز ببساطة، وقلبت المشاعر على المعلمة التي آمنت بأحد تلاميذها السابقين، وقررت دعم مسرحيته من جيبها الخاص، ولم تسعفها خبرتها الطويلة وقراءاتها المتعددة في كشف حقيقة هذا الطالب الذي استغلها عملياً وأقام علاقة معها، ليس لشيء، بل لأنه كاتب يحتاج إلى نماذج كثيرة في حياته كي يعطي الخصب لمخيلته في الإبداع الأدبي.

تاريخ كامل تم نسيانه بمجرد انتشار قصة العلاقة بين المعلمة وتلميذها السابق، والمعضلة الحقيقية ليست في هذه الحكاية التي قد تحدث بشكل عابر في مجتمعات غربية كثيرة، المعضلة الحقيقية في ردة فعل طلابها تجاهها، هؤلاء الطلاب الذي كانوا ينظرون إليها كأيقونة، لتدرك المعلمة ليندا أنها كانت تقنع نفسها بقبول الوحدة، لأن لديها ميراثاً تعطيه لأجيال كثيرة، فأدركت أنها كانت ضحية هذه الكذبة، فسرت حياة كاملة، فقد وقف جايسون أمامها يوماً، وقال «هل تعتقدين أن أحداً من طلابك سيذكرك، فالطلاب لا يذكرون أساتذتهم إلا إذا احتاجوا إليهم يوماً ما لمصلحة ما، كما حدث معي تماماً».

القصة بدأت عملياً، في وقت متأخر من الليل، والمعلمة ليندا تريد سحب النقود من أمام الصراف الآلي، تتنبه إلى خطوات مريبة من خلفها، فتلتفت إلى الشاب، وترشه برذاذ الفلفل الخاص للدفاع عن النفس، فتدرك أن الضحية أحد طلابها القدامى، واسمه جايسون، وقد انتقل من بنسلفانيا إلى نيويورك لاحتراف الكتابة المسرحية، تصر على نقله إلى منزله، لتعرف أنه عاد ليتعلم المحاماة، لأنه لا أحد يؤمن بموهبته، مع أنه انتهى أخيراً من كتابة مسرحية، أصرت المعلمة ليندا على قراءتها من باب الفضول فيقبل جايسون.

من لحظة المشهد الأول بين المعلمة ليندا وجايسون، تعتقد أن القصة ستكون بدعم الأستاذ لطالبه طوال عمره، وهذه حقيقة، ظهرت فوراً بعد أن قرأت ليندا المسرحية، وأجهشت بالبكاء، وتحدثت مع جايسون في وقت متأخر من الليل كي تقول له إن المحاماة لن تصلح لك، بل الكتابة فقط.

في هذه الأثناء يدرك المشاهد أن ليندا أسيرة الكتب لدرجة تصديقها، وصب كلماتها على الحياة الشخصية للكاتب، فهي تعاطفت مع جايسون من خلال المسرحية التي كتبها، اعتقاداً منها أنه يتحدث عن نفسه، فشعرت أن والده هو السبب في دماره، فقررت إنتاج المسرحية، وعرضت على زميلها في المدرسة، الأستاذ المسرحي كارل، الذي أعلن أنه منذ سنين طويلة لم يقرأ نصاً مدهشاً كهذا، فقررا عرض المسرحية على إدارة المدرسة كي تقوم بدعمه هي الأخرى، وتقديم مسرحية نوعية للجمهور.

نهاية المسرحية، كانت الخلاف بين فريق ليندا وكارل، وإدارة المدرسة التي رأت أن مشهد مراهقة تنتحر ليس مناسباً لمدرسة ثانوية، لكنهما يصران على أن العبرة بالنهاية، فهي لا تعني الانتحار الذي يعتقده كثيرون، بل مجرد تورية لإيصال فكرة، وتصر الإدارة على تغيير النهاية، فيرضخان، مع وعد من كارل لليندا بأنه لن يغير شيئاً، لكن عليها أن تجعل جايسون يقتنع بتوقيع الموافقة على تغيير النهاية.

تلتقي المعلمة ليندا بتلميذها جايسون الذي يظهر دائماً كشخص مضطهد من والده الطبيب المتحكم، فيزداد حنق ليندا على هذا الوالد الذي لا يدرك قيمة ابنه، خصوصاً أنها ربطت بينه وبين الأب الموجود في المسرحية، وفي لمح البصر، ودون ذكر بند تغيير النهاية في العقد شفوياً على الأقل لجايسون، يقوم بالتوقيع.

ينتقل صخب الحياة في المدرسة والهدوء القاتل في بيت ليندا، وذكريات الاستاذ المسرحي كارل مع الماضي، والعقد النفسية التي يعانيها جايسون كاتب النص، إلى خشبة المسرح، وفريق عمل كامل من الطلاب (من المنصف ذكره أنه لم يؤد دوراً واحداً يعلق في الذاكرة)، وجاؤوا كمكملة لحكاية تحوم حول شخصية ليندا التي كشفتها ورشات العمل في المسرحية.

لنعد ونتذكر شخصية المعلمة ليندا قبل الدخول في التخبطات التي ستعيشها، والتي ستنتهي بطردها من المدرسة، هي امرأة وحيدة، تعيش حياتها بين الكتب والأفلام الرومانسية في المنزل، وتدريس الأدب الإنجليزي في المدرسة، فاشلة عاطفياً، حتى أنها جربت المؤسسات التي تدبر مواعيد عاطفية لأمثالها، وفشلت أيضاً، يلازمها في كل خطوة في حياتها شيآن: صوت يتحدث بلكنة إنجليزية خالصة، يشجعها على الوحدة التي تعيشها، هو الصوت الداخلي لها، وكتابات تظهر في مخيلة ليندا يشاهدها المتفرج فقط، تعبر عن توقعاتها تجاه كل من تحاوره، تظهر كامرأة خجولة ومنعزلة، لتتحول إلى امرأة شغوفة لدرجة إقامة علاقة عاطفية في فصل المدرسة مع طالبها السابق جايسون، هذه العلاقة التي ستقلب حياتها رأساً على عقب، مع أنها علاقة عابرة، كانت بحاجة إليها، حاولت إقناع نفسها بأنها تشبه شخصية ما في رواية ما قرأتها يوماً، فهي أسيرة الروايات والحكايات، البعيدة عن الواقع الذي جعلها في لمح البصر كبش فدا، يريد كل من لديه خطأ لم يفصح عنه أن يصب جام غضبه عليها.

نعود الى أحداث الفيلم، التي تستمر بين التحضير للمسرحية، وكشف حقيقة جايسون المعقدة الذي يبني من خياله قصصاً تحوم حوله، والتي يكشفها والده الطبيب، الذي كان تعتقده المعلمة ليندا أنه متسلط وقاس، وأن والدة جايسون ليست ميتة، بل تعيش في ولاية أخرى، كل هذا كُشف عندما دخلت المعلمة في غرفة تحضير المسرحية، ووجدت جايسون في وضع مخل مع طالبة تؤدي الدور الرئيس في المسرحية، غضبها لم يتم فهمه، هل كان غضب معلمة على طالبتها، أم غضب أساسه الغيرة منها؟ لكن الكفة ترجح الخيار الأول، فهي بالفعل معلمة محترفة وشغوفة بكل ما له علاقة بالجمال، لكن هذا المشهد الذي جعل جايسون يلحق بمدرسته، ويتهمها بالغيرة، تم تصويره من طالب آخر نشر الفيديو على المدرسة كلها، فذهبت قضية إقامة جايسون علاقة مع طالبة قاصر، وتحولت إلى قضية معلمة تقيم علاقة مع طالب سابق، فيتم طردها.

تخسر كل شيء في لحظة، ومن شدة توترها تصدم بسيارتها وتنقل المستشفى الذي يعمل فيه والد جايسون، فتعي الحقيقة الكاملة حول هذا الطالب الذي خدعها.

المسرحية اقتربت من النهاية، وعدم وجود المعلمة ليندا فيها كمنتجة أثر كثيراً، خصوصاً في معضلة تغيير النهاية التي لا يعرف جايسون شيئاً عنها، فتصبح المعلمة ليندا تحمل صفة مخادعة، مع أنها أخذت وعداً من كارل بأنه لن يغير شيئاً، لكن لا شيء يثبت ذلك. وبالحديث عن كارل، الذي كان يترجى المعلمة ليندا كل يوم العودة الى المسرح، والذي أدى دوره الممثل والمنتج الأميركى ناثان لين، وكان له أثر كبير في معنى السعي وراء الحلم، ولو بُني على كذبة، فهو كمدرس مسرحي، جعل من نفسه نموذجاً لطلابه، من خلال القصص التي كان يختلقها حول علاقاته بمسرحيين كبار، وماذا كانوا يقولون له بعد كل تجربة أداء، وبسبب المطبات التي وقعت فيها ليندا اضطر إلى أن يعترف لها بسره، كي يؤكد لها أن الأخطاء جزء من الحياة الإنسانية، فالأهم ألا يتم تكرارها، مع أنه شخصياً كرر كذباته طوال فترة تدريسه، وكل عام يختلق قصة خيالية مع ممثل مسرحي لم يقابله أبداً. يصاب كارل بوعكة صحية، فتعود المعلمة ليندا ــ بواجبها المهني وشغها الحقيقي ــ إلى المسرح، لتضع لمساتها الأخيرة على المسرحية، وتقوم بتغيير النهاية بشكل أدبي فريد يعجب جايسون نفسه، وفي غمرة التصفيق والتهليل للمسرحية، تُنسى المعلمة ليندا تماماً. أخيراً اقتنعت بذلك، لم يذكرها حتى كارل، والطلاب، والإدارة، تلملم نفسها وتخرج بصمت من المسرح، تقرر العودة الى روتين حياتها، لكن ثمة بريقاً يسطو على حياتها، الدكتور توم، والد جايسون، فعلاقة ليندا والطبيب توم تتطور مع تطور الأحداث، وكشف كل الخيوط، بعد كرهٍ كبير جمعهما، إلا أن الكيمياء بينهما وشغفهما بالأدب يجعلانهما يتجاوزان الكثير من الأمور، خصوصاً في ما يتعلق بعلاقة ليندا مع ابنه جايسون العابرة.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر