«‬678» يعود ليفتح ويضمّد جراح المُتحرَّش بهن

نساء مصر يصرخن.. والعالم يلبي النــداء

فيلم «‬678» يستند إلى قصص واقعية من الحياة اليومية. ارشيفية

«نحن، مواطنات ومواطنين، من جنسيّات العالم كلّه، نرفض أن نشاهد في صمت تفشّي ظاهرة الإرهاب الجنسي المُمارس على المتظاهرات المصريّات، نريد أن نظهر دعمنا وتضامننا وتقديرنا للمعتدَى عليهنّ اللواتي يدفعن من لحمهنّ الحيّ ثمن مشاركتهنّ في الثورة المصريّة المستمرّة».. هكذا بدأت الدعوة التي أقيمت فعاليتها، أول من أمس، في أكثر من ‬12 دولة من حول العالم، حيث آثر الإنسان الموجود في داخل النفس البشرية ألا يقف ويتضامن مع قضية تناولتها وسائل الإعلام أخيراً حول التحرش الجنسي الذي تتعرض له نساء في مصر وتونس واليمن، وسواء كانت الحوادث حقيقة أم لا، فمجرد الترهيب الفكري في استخدام انتهاك جسد المرأة كي لا تشارك الرجل في المطالبة بحقوقها، هو جريمة انسانية، فتجمهر الناس أمام السفارة المصرية في بلدانهم، في فلسطين والأردن ولبنان وبريطانيا وفرنسا، وغيرها من الدول، ليعبروا عن تضامنهم مع جسد امرأة أبى إلا أن يكون حراً.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل يرجي الضغط علي هذا الرابط.

هذه الأحداث تعود بنا سينمائياً إلى ثلاث سنوات مضت مع فيلم (‬678) لمخرجه محمد دياب، الذي استند إلى قصص حقيقية لنساء تعرضن للتحرش الجنسي، سواء في المواصلات العامة، أو الشوارع ،وأماكن التجمهر الكبيرة كملاعب كرة القدم، فيلم يدق ناقوس الذكرى كي يكون حاضراً في هذه الأوقات بالذات مع تفاقم هذه المشكلة. شارك في بطولة الفيلم كل من ماجد الكدواني، ونيللي كريم، وبشرى، وغيرهم، وعرض لأول مرة عالمياً في الدورة السابعة من مهرجان دبي السينمائي.

دبوس يفي بالغرض

من أكثر الجمل التي يقف أمامها المشاهد في أحداث فيلم يلعب على الوتر النفسي، من خلال ثلاث شخصيات نسائية مختلفات البيئة والطباع والفكر، عندما وقفت «صبا» التي أدت دورها نيللي كريم، ونزعت دبوس حجاب فايزة التي أدت دورها بشرى، وقالت «بهذا تستطيعين الدفاع عن نفسك، بشكة دبوس».

أحداث الفيلم تدور حول ثلاث فتيات من مستويات اجتماعية مختلفة تتعرض إحداهن (فايزة) لتحرش جنسي بشكل يومي في الحافلة رقم (‬678)، ما يؤثر في عملها وحياتها الزوجية.

و(صبا) التي تعرضت الى تحرش جنسي جماعي أمام أعين زوجها بعد مباراة بين مصر وزيمبابوي فازت فيها مصر، قام بها مجموعة من الشباب مستغلين الازدحام، لكنها بعد فشل علاقتها مع زوجها الذي لم يتجاوز هذه المسألة تقرر الطلاق وتتحول إلى مرشدة اجتماعية لتوعية النساء للوقوف أمام هذا السلوك، لتظهر الفتاة الثالثة (نيللي) التي أدت دورها ناهد السباعي، التي تنتمي إلى عائلة ليبرالية، والتي ترد على المتحرش بها من خلال لحاقه وضربه في الشارع العام، وترفع قضية في المحكمة ضده، لتكون أول امرأة في مصر ترفع هذا النوع من القضايا. وبين هؤلاء النسوة وأزماتهن تظهر تفاصيل حياة كاملة، تبدأ بزوج فايزة الفنان، باسم سمرة، المدمن على هيفاء وهبي، مروراً بطليق (صبا) الفنان أحمد الفيشاوي، المفترض أن يكون مثقفاً لكنه لم يقف إلى جانب زوجته وحملها المسؤولية، وليس انتهاء بالليمون، وهوحكاية في حد ذاته عن أساليب تملص المتحرشين إذا ما لاحقهم القانون الذي جسده ماجد الكدواني.

الليمونة

تظهر قصة الليمونة مع (فايزة) وهي امرأة عاملة وجهها لا يبتسم أبداً، ترتدي اللباس الشرعي الكامل، متزوجة لكنها باردة جنسياً مع زوجها نتيجة ضغط العمل، الحجة التي تستند إليها مقابل إخفاء الحقيقة، التي تتمنى ألا تلحق بـ«باص ‬678» كي تأخذ سيارة أجرة حتى لو كلفتها راتبها كله، لكن مع تجهم الزوج تضطر إلى ركوب الباص الذي يجري فيه اختبار «الليمونة» التي يضعها المتحرش بجيبه ليلمس جسد الفتاة فإذا استجابت انتقل إلى اللمس باليد، واذا حاولت فضحه يصرخ بأعلى صوت «هذه ليمونة».

القوة في البوح

لقاء الشخصيات يكون من خلال مركز (صبا) للاستشارات الاجتماعية ضد التحرش، يلتقون مع بعضهن بعد مشاهد حية بالنسبة لـ(فايزة) و(نيللي) ومشاهد اعتمدت على «الفلاش باك» بالنسبة لـ(صبا)، تحاول فايزة أن تحضر المحاضرات التثقيفية من دون أن تحكي حكايتها الى أن تواجهها (صبا) التي تحثها على الصراخ والدفاع عن نفسها ولو من خلال شك المتحرش بها بدبوس حجابها، تتوطد العلاقة بينهما، وتبدآن التخطيط في آلية الدفاع عن النفس، في هذه الأثناء تظهر (نيللي) التي تنتمي لعائلة يسارية ليبرالية والدتها سوسن بدر، المحاضرة في الجامعة والمدافعة عن حقوق المرأة، وخطيبها الذي يعمل «ستاند آب كوميدي» والذي يدعمها بكل قوته بعد حادث تحرش سائق سيارة بها، لم يكتف بمحاولة لمسها بل مسك شعرها وسحلها أمام أعين المارة، وهي هنا تجسد واقعة حقيقية حدثت في مصر لـ«نهى رشدي» أول فتاة مصرية تحصل على حكم قضائي عام ‬2008 ضد المتحرش بها. تقرر (نيللي) رفع قضية على هذا السائق مع دعم والدتها وخطيبها مع تخوف مبطن لا تظهره الوالدة كي لا تهتز صورتها أمام ما علمته لابنتها طوال حياتها، وخطيب محب يقف ضد رغبة عائلته في فسخ الخطبة بعد رفع القضية، هذه القضية تقوي من عزيمة كل من (فايزة) و(صبا) فيزددن إصراراً على مواجهة هذا الظلم.

فرح وحقيقة

تبدأ بالفعل حكاية «شكة الدبوس» التي تنتشر انتشار النار في الهشيم بين النساء، المتحجبات وغير المتحجبات اصبحن يحملن دبوساً معهن، يشكونه اما في حجابهن او في ملابسهن، وبمجرد محاولة المتحرش بهن يقمن بشك مناطق حساسة لديه بالدبوس، فيبدأ الصراخ ويتم نقله الى المستشفى، تكرر هذا الضرر على رجال متحرشين عدة، وهنا يدخل دور القانون الذي جسده الضابط (عصام) ويقصدهم في المستشفى، يسألهم عن الحادث لا يعترفون له بالحقيقة ويحاولون التملص، يبدأ الإعلام برواية حكاية الدبوس والليمونة، حتى إن (فايزة) أصبحت تقصد الباص من دون خوف، فهو لم يعد مزدحماً، وإذا ما دخلت فتاة يقوم رجل لإجلاسها محله، تتحسن حالتها، وتقرر فتح صفحة جديدة مع زوجها، فتقصد المنزل، تحضر نفسها وتتعطر وتتزين، في هذه الأثناء يكون زوجها في المستشفى، فقد تلقى هو الآخر شكة دبوس من فتاة، يأتيها محملاً من قبل أصحابه، تحاول فهم ما حدث، لتكتشف الليمونة في داخل جيبه، تقوم وكأن قوة العالم اجتمعت فيها، تضربه بكل قوتها وكأنها تضرب كل رجل مد يده على جسدها، تغضب وتصرخ وتتساءل وتبكي وتضحك، وتمارس كل أنواع المشاعر التي تتجمع في اقل من ثلاث دقائق، لكنها اختصرت حكاية كاملة لكل امرأة مازالت تعاني التحرش الجنسي، وقدمته الفنانة بشرى ببراعة وإتقان.

حكاية قضية

من الصعب تناول كل خيوط الفيلم والشخصيات فيه، إلا أنه في النهاية انتصر لواقع امرأة تناضل من أجل كرامتها، ولو تخلل الفيلم مشاهد عكرت من صفو الحبكة، كمشهد مهاجمة (فايزة) لـ(صبا) و(نيللي) لأنهما لا ترتديان الحجاب، وأنهما السبب في ما يحدث لعقول الشباب، مع أن (فايزة) محجبة وتتعرض بشكل أكبر للتحرش، لكن من الجميل ذكر مشهد (صبا) وهي تتجول في السوق ، واذ بطفل صغير يقترب منها ويلمس جسدها، فتقوم بملاحقته بكل قوتها وتطلب من المارة اللحاق به واصفة إياه باللص، فيقبضون عليه، فتنهال عليه ضرباً أمام استغراب الناس من شدة قسوته، وتقول «من هذا العمر يجب محاسبتهم كي لا تكبر معهم القصة ويتحولون الى متحرشين جدد».

تويتر