فيلم القصص الخيالية والعوالم السحرية

«سنو وايت والصيــــّـــــــــاد».. ساحرة وأميرة وأقزام

صورة

الحاجة ماسة إلى الأسطورة والقصص الخيالية! وكلما ازداد الواقع تسطيحاً كلما ازدادت تلك الحاجة، وعلى شيء من منح هذا الواقع الذي لا يحمل أية خوارق أو معجزات فرصة العثور على ذلك افتراضياً، وتلقفه من على الشاشة الكبيرة التي تسعى بكل ما أوتيت من تقنيات منح المشاهد واقعاً مغايراً للذي يعيشه، ولتكون الأبعاد الثلاثة إضافة في هذا الخصوص، ومعبراً أكيداً لاستحضار أبطال غابرين ومعاصرين، وحتى مستقبليين، وبناء كل ما يقوم عليه الفيلم وفقاً لاحتياجات الخيال الصرف.

فيلم Snow White and The Huntsman (سنو وايت والصياد)، المعروض حالياً في دور العرض المحلية، ينضوي ضمن تلك الحاجة، وهو فيلم مبني على ميراث انساني طويل إن تعلق الأمر بالساحرة الشريرة والأميرة الحسناء الخيرة، والصياد أو الفارس الشهم الذي يهبّ لنجدتها، مروراً بالغابة السوداء والأقزام والعوالم السحرية التي تحتويها القصص الخيالية التي تمنح الطفولة أفقاً خيالياً له أن يمتد طويلاً ليصل نهاية العمر، ولعل أفلمة تلك القصص الخارجة من الطفولة وقصص الأمهات والجدات يتيح للشاشة تقديم عوالم بصرية مدهشة، كون تلك القصص نفسها مصاغة وفق مخيلة لا تعرف الحدود، ويمكن لها أن تستجلب حلولاً درامية مصادقاً عليها انسانياً ومنذ غابر الأزمان، ومع التطور التقني الهائل، وقدرة السينما الحالية على صياغة أي عالم، لا بل خلقه من العدم، فإن ما كان يقرأ بوصفه قصصاً خيالية أصبح يتجسد بصرياً، وهذا مرتبط مع بدايات السينما، وهي عملية مماثلة تماماً لفعل القراءة أو حتى السرد الشفاهي، فالمتلقي يجسد ما يقرأه أو يسمعه بصرياً، بينما تعمل السينما جاهدة على مطابقة تلك العوالم، لا بل تخطيها، بحيث نقع على «أليس في بلاد العجائب» كما يراها تيم برتن، كذلك الأمر بالنسبة لكل القصص الساكنة في المخيلة البشرية، والفعل الذي تقوم به ساحرة شمطاء، ويبدو ضرباً من المستحيل نجده على الشاشة قائماً وواقعاً.

كل ما تقدم آتٍ من تحريض«سنو وايت والصياد»، والذي لن يتوانى عن المضي خلف تلك العوالم، والاطباق عليها، وتقديمها مصاغة بصرياً، وفق ما تقدم، ولن يستغرق الأمر سوى أقل من 15 دقيقة لتكون القصة التي يجسدها واضحة المعالم أمامنا، فمع ولادة سنو وايت، سيخوض والدها الملك حرباً ينتصر فيها، لكنه سيقع في غرام رافينا (تشارليز ثيرون)، امرأة فاتنة تأسرها قواته، وليتزوجها، وفي ليلة عرسه سنكتشف أن في الأمر مكيدة، إذ ستقدم رافينا على قتل الملك، ومن ثم فتح بوابات المدينة أمام جحافل قواتها، وبالتالي فإنها ستستولي على المدينة وتنصّب نفسها ملكة، وتودع ابنة الملك سنو وايت السجن. سنتعرف الى رافينا أكثر، فهي ساحرة شريرة لا حدود لشرها وقدراتها التي توظفها في خدمة إطالة شبابها، وهي تمتص شباب كل امرأة تقع عليها، وهي دائماً برفقة مرآتها التي تخبرها المستقبل الذي ينتظرها ومن يتهدده، وهناك إلى جانبها سيكون أخوها الذي عاهدها على حمايتها وخدمتها. سنكتشف مرور الزمن في الفيلم من خلال وقوعنا على الأميرة السجينة سنو وايت (كريستين ستوارت) وقد أمست شابة حسناء، بينما حصل ما حصل وهي فتاة صغيرة لا تتجاوز العاشرة من عمرها، وليدخل الفيلم مساحة تشويقية أخرى تتمثل بهربها، والذي سيدخلنا أيضاً في مساحات سحرية وحلمية جديدة، طالما أن أقدام سنو وايت ستقودها إلى الغابة السوداء، التي تشكل عالماً سحرية قائماً بحد ذاته، له كائناته ونباتاته الخاصة به، ولن يتمكن أخو رافينا وقواته من دخوله، بما يدفعهم للاستعانة بمن قام بذلك ألا وهو الصياد (كريس هيمسورث)، والذي ستودع زوجته رهينة مقابل مضيّه إلى الغابة السوداء والقبض على سنو وايت، لكن سينقلب دور الصياد ليصبح حامي سنو وايت مقابل الذهب، ومن ثم حاميها والمستعد لفدائها حين يعرف بأنها الأميرة ابنة الملك المقتول. يقدم الفيلم الذي أخرجه رابرت ساندرز عبوراً كاملاً إلى كل ما حفلت به القصص الخيالية، فبعد الغابة السوداء، وذاك الوحش الشجري المكسو بلحاء الأشجار، والذي يستكين بمجرد أن تلمسه الأميرة، سنقع على الأقزام، ومن ثم الغابة السحرية التي يعيشون فيها، والتي تحتوي كائنات سبق وسمعنا بها أو شاهدنها في القصص الخيالية، وهنا أيضاً سنكون حيال جنة مؤقتة، فحين تلامس سنو وايت الحيوان أو الوعل ذا القرون المتشابكة والمتشعبة، كما لو أنه يباركها كملكة، سيكون جنود رافينا قد وصلوا أرض الأقزام، لا بل إن سحر رافينا نفسها سيكون حاضراً بقوة هذه المرة، إذ إنها ستأخذ شكل وليم (سام كلفلين) حب سنو وايت الطفولي، وتجبرها على أكل التفاحة التي وقعنا عليها مع بداية الفيلم، فإذا بها تفاحة مسمومة أو شيئاً آخر غير التفاحة، سرعان ما ستقضي على سنو وايت، الأمر الذي لن يقبله المشاهد، لا بل إن هكذا فيلم لن يقبل بحال من الأحوال أن يدفع الأمور إلى تغيير بطلته في الجزء الأخير من الفيلم. ووفق مسار الفيلم فإن المعجزات أمر مرحب به جداً، ونحن حيال قصة خيالية قد يعود فيها الأموات إلى الحياة، كون كل ما يحدث يكون آتياً من السحر، وتفكيك هذا السحر يعني أي شيء. لن يسود الشر، كما تخبرنا القصص الخيالية، ومهما طغى وتجبر فإن له نهاية، هكذا هو ناموس تلك العوالم، والتي لن يخل بها الفيلم الوفي لكل ما حملته القصص الخيالية، وبالتالي لا داعي للقلق، فالخير ما ينتصر في النهاية، وإن طال الوقت، وفي ذلك ما يستدعي الغلبة دائماً والنصرة لهذا الخير، فكيف بأميرة حسناء قلبها أبيض كالثلج أن تهزم في النهاية، وكيف لرافينا أن تسود إلى ما لا نهاية، والعبرة دائماً في الخواتيم، كما على الفيلم أن يكون.

تويتر