مشاركات لافتة من الدوحة

فيصل آل ثاني: الفن السابع رسائل تسبق المونديال

صورة

تحظى المشاركة القطرية في مهرجان الخليج السينمائي في دورته الحالية بأهمية نقدية مختلفة، لأسباب متعددة متعلقة بتصاعد الاهتمام الرسمي في الدوحة بصناعة الأفلام، والالتفات إليها عبر إقامة أحد أحدث المهرجانات العربية «ترابيكا الدوحة»، وهو أمر انعكس بالفعل على الأقل في ما يتعلق بكم المشاركات القطرية، التي وصلت هذا العام إلى خمسة أفلام جميعها قصيرة، منها أربعة ضمن مسابقة الطلبة، وفيلم وحيد ينافس في المسابقة الدولية.

ثلاثة مخرجين شباب ومخرجتان، هو مجموع الوفد القطري للمهرجان، أهم ما يميزهم، إنهم بالفعل يعملون في كواليس المهرجان بمفهوم الوفد، دون أن ينشغل كل منهم بشكل فردي بفيلمه الشخصي، وهو أمر كان لافتاً جعل السؤال عن جهة الإنتاج التي تقف وراء تلك الأعمال يبدو مفتاحياً مع مخرج فيلم «ديمي بليه» الشيح فيصل بن حمد آل ثاني، الذي أشار إلى أن مؤسسة الدوحة للأفلام هي الجهة المنتجة للأفلام الخمسة، مضيفاً «رغم ذلك ما يوحدنا ليس هو الانتماء إلى جهة إنتاج واحدة، بل رؤية واحدة تؤمن بأن الفن السابع لغة مثالية، ورسائل لتواصل قطر مع العالم، ربما تكون أكثر جدوى إذا أحسن استثمارها، من بوابة المونديال التي ستحتضن فيها الإمارة العالم».

«إسكندر أبي»

كشف المخرج المصري المقيم في قطر، أمير اسكندر لـ«الإمارات اليوم» أن اسمه الحقيقي هو أمير عفيفي، وأنه قد اختار انتسابه لاسم اسكندر عرفاناً للمخرج الفلسطيني اسكندر قبطي، مضيفاً «هو لم يعلمني كيف أصبح مخرجاً فقط، بل علمني كيف أكون إنساناً حقيقياً». وأصر أمير بإلحاح شديد على أن يُنشر له هذا التنويه، مضيفاً «استأذنت والدي في هذا الأمر، وابدى تفهمه لرغبتي». ورفض أمير الربط بين فيلمه «دنيا» والفيلم المصري «كباريه»، مضيفاً «الصحيح أن (دنيا) و(كباريه) يتشابهان في مكان تجمع وتلاقي أبطال كل منهما، وكلاهما يشبه في ذلك الفيلم الأميركي (كازينو)، لكن مصائر البطال والتفاصيل الدرامية والرؤية الإخراجية، رغم ذلك تبدو في كل منهما شديدة التباين».

مخرج «ديمي بليه» عرف بنفسه رغم ذلك مخرجاً هاوياً، قبل أن يستدرك «مازلت في مرحلة هواية الإخراج، لأن البون مازال شاسعاً بين أدواتي الحالية، وتلك التي أطمح إليها، سواء في ما يتعلق بالأدوات التقنية أو الفنية، لكنني أعتقد أنني مصور محترف، سواء في ما يتعلق بعلاقتي بكاميرا التصوير الفوتوغرافي أو الفيديو، وبغض النظر عن أنني لا أكاد أذكر متى تماماً تعرفت إلى أول كاميرا استخدمتها في طفولتي، إلا أن العمل الاحترافي في التصوير امتد سبع سنوات قبل أن أقدم على أول تجربة إخراج سينمائي».

وأضاف فيصل آل ثاني أن «الربط بين التصوير والإخراج السينمائي جاء بالأساس من خلال الآلية التي اتبعها في الأول، حيث تمثل كل صورة بالنسبة لي أحد أجناس الأفلام السينمائية، حسب كثافة لغتها التعبيرية، فبعض الصور تكاد تنبئ عن حقائق وأحداث وانفعالات تعادل تلك التي يحتاج الوصول إليها فيلما روائيا، وأخرى تقترب دلالياً مما يمكن أن يفرزه فيلم قصير، وربما وثائقي، وفي بعض الأحيان أتعامل مع الفيلم السينمائي باعتباره مجموعة من الصور المتسلسلة، وهي آلية فنية أخرى تختلف عن السابقة».

وحول فيلمه المشارك في المسابقة الرسمية لفئة الطلبة، بدءاً من مسماه «ديمي بليه»، قال «الأمر يتعلق بمصطلح يؤشر إلى تحية أو تقليد معين تقوم به الراقصة أثناء أدائها استعراضات الباليه، لكن جوهر العمل يتطرق إلى معاناة فتاة عربية تسعى إلى التوفيق بين رغبتها في ممارسة شغفها بالباليه، ونظرة المجتمع السلبية لهذا الشغف، في إطار من الإسقاط الذي يأخذ اتجاهات متوازية، دون أن يتم تبني وجهات نظر بعينها، بل هناك حرص ملحوظ في العمل على المحافظة على تلك المسافة التي تفصل سياق الأحداث عن أي آراء فكرية أو فلسفية، وحتى اجتماعية مسبقة».

العمل الذي مدته 13 دقيقة لا يخضع للتقسيمات التقليدية، ولم يأت نمطياً في تطوره، بل تأثر فيه مخرجه بنمط الصورة الفوتوغرافية، التي تكشف الإطلالة عليها كل ملامحها فجأة، كما يظل المشاهد خارج إطار عدساتها أيضاً محجوباً، وغير خاضعا لوصول افق استكشاف الرؤية لحدودها تدريجياً، وهو ما يعني أن «ديمي بليه» جاء أقرب إلى صيغة الكشف.

وبرر مخرج «ديمي بليه» ثنائية اللغة في فيلمه القصير، بأن ثنائية اللغة الواقعية في مدن مثل الدوحة ودبي، وغيرهما تبقى على تماس دائم بثقافات مختلفة، مضيفاً «إذا سلّمنا بأن العولمة أضحت حقيقة وليست خياراً، وإذا كانت هناك رغبة حقيقية في وصول أصواتنا إلى الآخر على اختلاف تنوع ثقافته، فإن من البديهي أن يكون ذلك الخطاب بلغة يتقنها ذلك الآخر، فضلاً عن أن قصة الفيلم نفسها كانت مبرراً منطقياً لتلك الثنائية».

وأضاف آل ثاني أن مؤسسة الدوحة للافلام قامت في عامها الأول بإنتاج ثمانية أفلام، وهو الرقم نفسه التي قامت بإنتاجه هذا العام، إضافة إلى اخضاع منتسبيها إلى ورش تدريبية متخصصة في السيناريو والإخراج وغيرهما في نيويورك، الأمر الذي مكّن من إنضاج خبرات أصبحت قادرة على صناعة فيلم روائي طويل، بل إن هذه الخطوة تم اتخاذها بالفعل من خلال تقديم مساعدة إخراجية وإنتاجية لفيلم عالمي تم تصويره في تونس أثناء ثورتها، وشارك فيه الفنانون العالميون انطوني باندرياس وجاك كانون، بعنوان «الذهب الأسود»، من إخراج التونسي طارق بن عمار.

وضمن المشاركة القطرية في المهرجان تشارك مخرجتان قطريتان، إذ تشارك صوفيا المري، حائزة لقب أفضل مخرجة واعدة في مهرجان ترابيكا بالدوحة عام ،2009 بفيلم «كناري» الذي يتعرض لصدمة أب يكتشف أن ابنته على علاقة بأحد الشباب، لتدور علامات استفهام متعددة عن مسؤولية كليهما في ذلك، فيما تشارك وفاء الصفار بفيلم «أم الصبيان» الذي يعود إلى زمن الخمسينات، متعقباً أسطورة تحمل اسم الفيلم حول جنية تفترس الأطفال، متطرقة إلى كثير من الإسقاطات المجتمعية.

وإضافة إلى فيلم «بلاد اللؤلؤ» لمخرجه محمد إبراهيم، الذي يتتبع عبره رواية جد صاحب محل لبيع اللؤلؤ تفاصيل شبابه لحفيده على نحو ينبي بتوالي الأجيال ويتطرق للحفاظ على الموروث، فإن فيلم «دنيا» لأمير اسكندر الذي يتوقع أن ينافس فعلياً على الجائزة الدولية للفيلم القصير، يدور في جو مشابه لفيلم «كازينو» الأميركي، متتبعاً مصائر ثلاثة أشخاص التقوا في ملهى، محاولين البحث عن حلول لمشكلات متباعدة شكلاً، لكنها تتوحد في جذورها المجتمعية.

تويتر