البحث عن حلم تيم بورتون

«كان 63».. السيف والخيل والتعري

الممثل الفرنسي ماثيو أميرليك يتوسّط أبطال أول أفلامه السينمائية. غيتي

يمكن الحديث عن الأحلام في الدورة الثالثة والستين من مهرجان كان السينمائي، ويمكن البحث عنها برفقة رئيس لجنة التحكيم المخرج الأميركي تيم بورتون، وهو يرى في الفيلم حلماً، لكنه يتحقق متى صار فيلماً، وعليه فإن ثنائية «الفيلم ـ الحلم» ستكون على شيء من معاينته أفلام هذه الدورة، ويمكننا القول، سيكون الفيلم المتوج بالسعفة الذهبية، هو القادر على أن يحول الحلم إلى فيلم ربما!

بورتون الخارج للتو من «أليس في بلاد العجائب»، يبحث عن المفاجأة أو الدهشة للدقة، وفي تصريح له يؤكد أنه على عكس شون بن، الذي ترأس لجنة التحكيم عام 2008 لا يأبه للأفلام السياسية، ويقول إنه ولجنة التحكيم «سنعاين كل فيلم ونناقشه بناء على ما لامسنا عاطفياً وفكريا».

طبعاً وبما أن بورتون استعاد شون بن، فإن هذا الأخير يحضر في أفلام المسابقة من خلال قيامه ببطولة فيلم Fair Game (لعبة عادلة)، من إخراج دوغ ليمان، وعلى شيء من تقديم دراما سياسية لها أن تعود بنا إلى موضوع أسلحة الدمار الشامل في العراق، حيث المساحة غير متاحة تماما للحلم الذي يبحث عنه بورتون، إذ يجدر بنا الحديث هنا عن الكابوس.

فيلم الافتتاح «روبن هوود» لم يأتِ كما قدمه ريدلي سكوت ليجسد هوود أحلام الفقراء، مستبعداً الفكرة الأثيرة الملتصقة بهذه الشخصية الأسطورية أي روبين هوود الذي يسرق الأغنياء ليعطي الفقراء، المقاربة في الفيلم تريد الابتعاد عن كل «الكلشيهات» الملتصقة بهوود، والمتأتية بالتأكيد من الانتاجات التي لا حصر ولا عد لها من الأفلام التي تناولت هذه الشخصية، ابتداء من عام ،1922 والفيلم الصامت عنه من إخراج دوغلاس فيربانكس، وصولاً الآن إلى ريدلي سكوت والذي لن يكون الأخير، أو كما يقال: لو لم يكن هناك من روبن هوود حقيقي فإن هوليوود ستقوم باختراعه.

راسل كرو هو هوود الألفية الثانية، ولعل اليوم الأول من «كان» مضى على وقع السيف والخيل، وليلحق به فيلم قادم من اتجاه معاكس تماماً، قفز بالممثل الفرنسي ماثيو أميرليك من صهوة التمثيل إلى ساحة الإخراج، حيث قدم فيلماً ضمن أفلام المسابقة الرسمية حمل عنوان On Tour (الجولة)، والذي يأتي بمثابة أولى تجاربه الإخراجية، وليعبر السجادة الحمراء بوصفه مخرجاً وليس ممثلاً هو الذي شاهدناه في أفلام مثل «ميونيخ» و«قدر من العزاء» بجوار بوند أو العميل 007 وغيرها من أدوار يدور الحديث عنها أينما وليت وجهك، والكل يسأله عن شعوره وهو يحضر هذا العام بوصفه مخرجاً وليس ممثلاً، وهو يؤكد على الدوام أن الأمر مختلف كلياً.

فيلم أميرليك مأهول بأشياء كثيرة، أبرزها الاصرار على العودة، بمعنى أن قصة الفيلم التي تدور حول منتج تلفزيوني فرنسي، يعاود مقاربة الفن بطريقة مختلفة تماماً عما كان عليه، واجدا في راقصات التعري مساحة لهذه العودة، متجولاً في أرجاء فرنسا وهو يقدم هؤلاء الراقصات، وعلى شيء من مقاربة عوالمهن وعوالم المنتج السابق، الذي يؤثر هوسه بتقديم الفن أي فن على أي شيء آخر، إنها حياته المنهكة التي نشاهدها طيلة الفيلم، وهو يلهث في سبيل مواصلة تلك الجولة، ومعها أيضا حماقاته الصغيرة والكبيرة، علاقته بأولاده وعائلته وبالوسط الفني المحيط به، بينما النساء حوله مصرات على الفرح، وعلى امتزاج التعري والعروض التي يقدمها الفيلم مع مسار الأحداث التي تسلط الضوء على نوع الرهان الذي يمضي خلفه هذا المنتج وفرحه به، المحاصر بأعداد كبيرة من الخيبات التي لا تستوقفه.

البداية مع هذين الفيلمين، ستمهلنا قليلاً بانتظار أفلام كثيرة مقبلة، وعلى شيء من احتشاد لأهم انتاجات هذا العام، ونحن نتكلم عن جديد عباس كياروستامي «نسخة منقحة» الذي سيأتي فيلماً غير ايراني لهذا المخرج الايراني الكبير، وفي تعقب لما تقدمه جوليت بينوش فيه، ونحن نراها أينما نظرنا في «كان» وهي ترسم الرقم 63 بالضوء على ملصق هذه الدورة المرتبط ببينوش بامتياز، بينوش على خلفية زرقاء وهي حافية القدمين.

عربياً لا يمكن الحديث إلا عن جديد رشيد بوشارب المرتقب «خارج القانون» الذي يتعقب من خلاله مصائر ثلاثة إخوة يتفرقون بعد أن يهجروا بلدهم الأم الجزائر، ولعل هذا الهم الجزائري الذي سيمضي إلى الاغتراب الفرنسي سيقابله فيلم خافير بيفوا «عن الله والإنسان» الذي يروي مصائر ثمانية رهبان فرنسيين في الجزائر في تسعينات القرن الماضي، وقد فتحت أبواب جهنم والعنف الديني.

كين لوتش أضيف قبل يوم من افتتاح المهرجان إلى قائمة الأفلام المشاركة في المسابقة، ويحضر إلى جانبه أيضا اليخاندرو أناريتو بفيلم «جميل» وقد صارت تفصله أربعة أعوام عن آخر أفلامه «بابل».

خارج المسابقة وضمن البرنامج الرسمي للمهرجان سيحضر أوليفر ستون في جديده «وول ستريت 2» أو «المال لا ينام أبدا» وجديد وودي آلن «ستلتقي رجلاً طويلاً أسمر»، وبالتأكيد الفيلم الذي يحمل عنوان «كارلوس» عن المناضل الشهير والذي سيكون على مساحة كبرى من الجدل بين أن يكون مناضلاً أو إرهابيا، ولعل هذا التراوح بين المفهومين خاضع للكثير من المعايير التي لن تكون بالنهاية معايير سينمائية، لكن مخرج الفيلم أوليفير آسياس يعدنا بتتبع حياة كارلوس من بدايته وعلاقته بالجيش الأحمر الياباني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وصولاً إلى إلقاء القبض عليه في السودان.

حساسية شخصية كارلوس ومفصليتها التاريخية، ستحضر في شخصيات أخرى تحملها أفلام، مثل «داركولا ـ إيطاليا تهتز» والذي يشكل وثيقة إدانة إن صح الوصف لرئيس الوزراء الايطالي الحالي بيرلسكوني، الأمر الذي دفع الحكومة الايطالية إلى الاحتجاج على عرضه، وفي فعل استعادي سيحضر الرئيس الروماني نيكولا تشاوشيسكو من خلال فيلم اندريا أوجيكا «السيرة الذاتية لنيكولا تشاوشيسكو».

حلم بورتون الذي بدأنا به، على قدر لا بأس به من الإغراء، ولعل البحث عنه في الأفلام سيكون على شيء يبعدنا عن ما نلاحظه من آثار الأزمة المالية البادية من خلال قلة الانتاجات السينمائية الجادة هذا العام، وليكون مهرجان «كان» كشافاً لها، ونحن نشهد عددا أقل من الأفلام التي تحملها المسابقة الرسمية التي تراوحت بين الثمانية عشر والتسعة عشر، وليبقى السؤال كم هو مبارك المنتج الذي ينتج فيلماً منحازاً للسينما في مثل هذه الظروف، ويرضى أن يكون بعيداً عن اغراءات الأفلام التجارية مضمونة الربح، لنشاهد ما ستحمله إلينا الأيام المقبلة، واضعين كل ثقتنا بالحلم.

تويتر