لماذا الشارقة؟

بدور بنت سلطان القاسمي

خلال زياراتي الخارجية، لعدد من الدول، بصفتي رئيساً لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، والتي تأتي في إطار الجهود الرامية إلى الترويج لعوامل الجذب الاقتصادي التي تتمتع بها إمارة الشارقة، في مختلف المجالات، والتواصل مع قادة قطاعات الأعمال في تلك البلدان، كثيراً ما أضع نفسي في مكان هؤلاء المستثمرين وأتخيلهم وهم يسألون أنفسهم أو يتساءلون في ما بينهم.. لماذا الشارقة؟ ما الذي يدفعنا إلى الاستثمار في هذه الإمارة؟

أتفهم بالطبع فضول المستثمرين الساعين لاغتنام الفرص، وحتى تحفظهم على استثمار مبالغ مالية كبيرة في مدينة قد لا تكون معروفة لديهم كما يعرفون الوجهات الاستثمارية التقليدية الأخرى، في الشرق الأوسط، وآسيا، وأوروبا، وأميركا. لكن، هذا السؤال تحديداً هو ما يحفزني أنا وفريقي على العمل باجتهاد وجد من أجل ضمان توضيح ما نقدمه لهؤلاء المستثمرين.

دعونا نتكلم قليلاً بلغة الأرقام، فوفقاً لآخر الإحصاءات الصادرة عن دائرة التنمية الاقتصادية في الشارقة، بلغ الإنتاج المحلي للإمارة 140 مليار درهم خلال عام 2015، محققاً نمواً قوياً وصلت نسبته إلى 3.4%، في حين بلغ عدد الشركات التي تتخذ من الإمارة مقراً لها، أكثر من 70 ألف شركة بنهاية العام نفسه، ويأتي هذا في وقت شهدنا نمواً بنسبة 3% في الطلب على إصدار رخص الأعمال في النصف الأول من عام 2016، وهو ما يتماشى مع نسب النمو المحققة في الناتج المحلي الإجمالي للإمارة، وينسجم تماماً مع توقعاتنا للنمو الاقتصادي مستقبلاً.

هذه المعطيات، وغيرها، تمثل دلالات واقعية حول ما تتمتع به الشارقة من استقرار وثبات، في ظل اضطرابات تعصف باقتصادات دول ومناطق ومدن رئيسة حول العالم، كما أنها تؤكد مرة أخرى نجاح استراتيجيتنا القائمة على التنويع الاقتصادي بعيداً عن هيمنة القطاع الواحد، وهو ما يمنح الاستثمارات مزيداً من الأمان.

وعندما أردت أن أضع جواباً واقعياً لسؤالي، «لماذا الشارقة؟»، وجدت الإجابة لدينا في الشارقة تتكون من ثلاثة عناصر رئيسة، هي: الإنسان، والبيئة الاستثمارية، والعمل ضمن منظومة الدولة المتكاملة. فنحن في الشارقة نقدّر عالياً قيمة الفرد في مجتمعنا، ونعتقد أننا نوفر البيئة الاستثمارية المستندة على مزيج من التشريعات والتسهيلات التي تذلل العقبات أمام المستثمر، وتسهم في تحقيق أهدافه وزيادة عوائده، في وقت يتكامل هذا كله وبصورة مثالية مع المنظومة الاقتصادية القوية لاتحاد دولتنا، وما تقدمه الإمارات الست الشقيقة من جهود لاستقطاب المزيد من الاستثمارات، والارتقاء بالمكانة الاقتصادية للدولة في مختلف المحافل الدولية.

وبالإضافة إلى رأس المال البشري والمعرفي الذي ننعم به في الشارقة، ونحاول إبرازه للعالم بهدف جذب المستثمرين، فإننا نمتلك أيضاً مقومات حقيقية ترسخ القناعة بجدوى الاستثمار في الإمارة، فالشارقة هي إحدى الإمارات السبع التي اتحدت معاً لتأسيس دولة الإمارات في عام 1971، وهي بذلك جزء لا يتجزأ من واحد من أكثر اقتصادات المنطقة حداثة وتنوعاً وديناميكية.

ولطالما أبدت قيادتنا الحكيمة في الشارقة اهتمامها الشديد باستراتيجية التنويع الاقتصادي، حيث كانت الإمارة منذ القدم مركزاً إقليمياً مهماً لحركة الملاحة البحرية، والنقل، والخدمات اللوجستية. وترسيخاً لما تمتلكه الإمارة من مقومات طبيعية وجغرافية في هذا الشأن، تم تطوير مطار الشارقة الدولي الذي بات مقراً لشركة العربية للطيران التي تربط الإمارة بأكثر من 100 وجهة. ويُعد قطاع الملاحة الجوية أحد القطاعات الرئيسة الجاذبة للاستثمارات الأجنبية الخارجية. كما تمتلك الشارقة ثلاثة موانئ بحرية متطورة ومزودة بأفضل وأحدث المرافق في دولة الإمارات، وترتبط الموانئ البحرية والجوية في الإمارة بشبكة من المناطق الصناعية ومناطق حرة عدة توفر الكثير من عوامل الجذب الرامية إلى استقطاب الأعمال والاستثمارات.

كما يجب أن نتذكر أن الموقع المتميز والمركزي للإمارة وسط شبكة طرق متطورة يوفر أيضاً وصولاً سهلاً لإمارتي دبي وأبوظبي، إضافة إلى المناطق الشمالية والمحيط الهندي، وهذا يشكل عاملاً جاذباً وجوهرياً في تسهيل حركة الاستثمار.

وبالإضافة إلى السياحة، تعمل حكومة الشارقة على ترسيخ مكانة الإمارة مركزاً علاجياً متقدماً وعصرياً ليصبح قبلة عالمية للسياحة العلاجية، وللباحثين، والمتخصصين، والأطباء، وطلبة الطب؛ وأستطيع أن أقول إن القطاع الصحي في الإمارة، البالغ حجمه 7.35 مليارات درهم العام الماضي، يحمل فرصاً قوية جداً للنمو خلال الأعوام المقبلة، تقدر بنحو 365 مليون درهم سنوياً، ليصل بذلك الحجم المتوقع للقطاع إلى 8.8 مليارات درهم بحلول 2019؛ وفي هذا السياق، جاء إطلاق مدينة الشارقة للرعاية الصحية، وهي منطقة حرة توفر الكثير من العوامل الفريدة لاستقطاب المستثمرين في المجال الصحي، حيث تتيح لهم ملكية كاملة بنسبة 100% غير خاضعة لأي قيود أو ضرائب، كما تمنح التراخيص بشكل ميسر بطريقة النافذة الواحدة مباشرة.

وعلى الرغم اهتمامنا بالبنية التحتية والمشروعات الاقتصادية الكبرى، فإن ذلك لم ولن يطغى على اهتمامنا الاستراتيجي بالتعليم، انطلاقاً من إيماننا الراسخ بأن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل شبابنا ومستقبل إمارتنا ومنطقتنا.

تويتر