خبراء دعوه إلى تفعيل دوره الرقابي.. والإعلان عن مخالفات البنوك

مطالبات لـ «المركزي» بتحديث أدوات التـعامل مع الشكاوى

لا يجوز لـ «المركزي» توقيع أي جزاء على المصرف التجاري إلا بعد سماع إيضاحاته. الإمارات اليوم

قال خبراء ماليون ومصرفيون إن المصرف المركزي نجح في إدارة الأزمة المالية، وحافظ على استقرار القطاع المالي في الدولة، مؤكدين أن قوة المصرف المركزي وتعاونه مع البنوك أسهما كثيراً في استقرار النظام المالي بالدولة، وحميا بقوة الاقتصاد الوطني.

وأضافوا أنه على الرغم من ذلك، فإن «المركزي» يحتاج كثيراً إلى تحديث أدواته وآلياته للتعامل مع شكاوى المتعاملين، وتفعيل دوره حكماً ورقيباً.

وشددوا على ضرورة تأسيس نافذة سريعة وحديثة للتواصل مع الجمهور، تصاحبها إجراءات ومخالفات معلنة بحق البنوك غير الملتزمة، حتى يكون هناك رادع يدفع البنوك الأخرى إلى الالتزام، مطالبين «المركزي» بأن يكون تشاوره مع البنوك ضمن حدود معينة، وأن يكون القرار النهائي له باعتباره جهة تنظيمية ورقابية.

إلى ذلك، لم تتمكن «الإمارات اليوم» من التواصل مع أي من مسؤولي «وحدة حماية المستهلك» التابعة للمصرف المركزي، للوقوف على آلية تلقي الشكاوى، والرد عليها ومعرفة مدى التزام البنوك معها، فيما يقول موظفو الوحدة الذين يردون على الهاتف، ويتلقون رسائل البريد الإلكتروني إنهم غير مخولين الرد على الصحافة.

كما أنه لا توجد معلومات معلنة من قبل المصرف المركزي، عن عدد المخالفات التي قامت بها بنوك، وطبيعتها، على الرغم من كثرة النشرات والتقارير الدورية التي تصدر عن «المركزي»، على عكس ما تقوم به البنوك المركزية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مثلاً، من الإفصاح بشكل دائم عن مخالفاتها للبنوك.

إدارة الأزمة

جزاءات إدارية على البنوك المخالفة

يؤمن قانون المصرف المركزي جزاءات إدارية على مخالفة البنوك التجارية للنظام الأساسي لإنشائها، أو بنود هذا القانون، وذلك في المادة (‬112)، التي تنص على أنه «إذا خالف أحد المصارف التجارية نظامه الأساسي أو أحكام هذا القانون، أو أي تدابير فرضها المصرف المركزي، أو لم يقدم البيانات والمعلومات المفروض عليه تقديمها، أو قدم معلومات ناقصة، أو غير مطابقة للحقيقة، جاز للمصرف ـ إضافة إلى غرامات التأخير المنصوص عليها في المادة رقم (‬107) من هذا القانون وهي ‬200 درهم غرامة تأخير عن اليوم الواحد ـ أن يوقع على المصرف التجاري المخالف أحد الجزاءات الآتية: التنبيه، وتخفيض تسهيلات التسليف الممنوحة له أو تعليقها، ومنعه من القيام ببعض العمليات أو فرض أية تحديدات أخرى في ممارسة أعماله، وشطبه من سجل المصارف. فيما لا يجوز ـ في جميع الأحوال ـ توقيع أي جزاء على المصرف التجاري إلا بعد سماع إيضاحاته.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/04/0221532255521452.jpg


القانون يمنح «المركزي» صلاحيات إدارية

قال المحامي حامد المنهالي، إن «المعاملات بين البنوك والأفراد تظل مدنية، إلى أن يظهر بها شق جنائي، مثل حالات الاختلاس أو السرقات، وهنا تكون نيابة الأموال العامة هي الجهة صاحبة الاختصاص». وأوضح أنه «يحق لجميع المتعاملين رفع دعاوى أمام القضاء ضد البنوك المتضررين منها، وأيا كانت المبالغ، ويتم استشارة (المركزي) فيها، ويكون هو الطرف الذي ينفذ الأحكام الصادرة بحق البنوك». وأضاف أن «العديد من المتعاملين يفضل اللجوء إلى (المركزي) لسرعة البت في الشكوى، إلا أن قراراته في النهاية إدارية وفنية وليست قانونية ملزمة».

وأكد أن «القانون يمنح المصرف المركزي صلاحيات إدارية، ويمكنه من فرض غرامات أو اتخاذ إجراءات إدارية بحق البنوك المخالفة، إلا أن ذلك لا ينسحب على القضايا ذات الشق الجنائي، وهنا لا يكون أمام المتعامل إلا اللجوء إلى النيابة العامة التي تأخذ بدورها إجراءات قانونية، وتحال من ثم إلى القضاء».


مهام المصرف المركزي وفق قانون ‬1980

يمارس المصرف المركزي مهامه، وفق قانون صادر منذ ‬23 عاماً، وهو القانون الاتحادي رقم ‬10 لسنة ‬1980، بشأن المصرف المركزي والنظام النقدي وتنظيم مهنة المصرفية، الذي يعطي «المركزي» مهمة تنظيم السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية، والإشراف على تنفيذها وفقاً للخطة العامة للدولة، وبما يساعد على دعم الاقتصاد القومي، واستقرار النقد.

ويمنح القانون «المركزي»، في سبيل ذلك، صلاحيات وفقاً للمادة رقم (‬5) منه، هي: ممارسة امتياز إصدار النقد، والعمل على دعم النقد وتحقيق ثباته في الداخل والخارج، وضمان حرية تحويله إلى العملات الأجنبية، والعمل على توجيه سياسة الائتمان، بما يساعد على تحقيق النمو المتوازن للاقتصاد القومي، وتنظيم المهنة المصرفية وتطويرها ومراقبة فاعلية الجهاز المصرفي، وفقاً لأحكام هذا القانون، والقيام بوظيفة مصرف الحكومة، وتقديم المشورة للحكومة في الشؤون النقدية والمالية، والاحتفاظ باحتياطي الحكومة من الذهب والعملات الأجنبية، والعمل مصرفاً للمصارف العاملة بالدولة، والقيام بوظيفة الوكيل المالي للحكومة لدى صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وغيرهما من المؤسسات وصناديق النقد العربية والدولية.

وتفصيلاً، قال مدير إدارة التميز في خدمة المتعاملين في بنك وطني، راشد محبوب، إن «المصرف المركزي له دور ملموس في تنظيم القطاع المصرفي، ويعد من أهم المصارف التي أدارت الأزمة المالية باقتدار، فضلاً عن عمله مع البنوك عن كثب لتجاوز الأزمة».

وأضاف أن «(المركزي) وضع أنظمة مسبقة لتنظيم سوق الإقراض، وتوضيح كيفية التعامل مع المتعاملين، مثل نظام القروض الشخصية الذي جاء بالدرجة الأولى في مصلحة المتعاملين»، لافتاً إلى أن «المركزي» ينظم القطاع المصرفي، ويعمل في الوقت نفسه حكماً بين المتعاملين الأفراد والبنوك التي يتعاملون معها.

وأكد أن «هذا الدور يحتاج إلى تفعيل أكبر، ليكون التجاوب سريعاً من قبل (المركزي) في أي من شكاوى وحالات الاختلاف بين المتعامل والبنك الذي يتعامل معه»، مشيراً إلى أن المتعاملين هم أهم أصول البنك، والحفاظ عليهم تحدٍ كبير.

سوق حرة

إلى ذلك، قال مصرفي كبير، طلب عدم ذكر اسمه، إن «هناك معايير دولية يحاول المصرف المركزي التزامها، للتماشي مع اقتصاد السوق الحرة، ورغبة الحكومة في جذب استثمارات خارجية، لذلك فإنه لا يمكنه منع منتجات مصرفية، أو الحد منها».

واعتبر المصرفي أن «المشكلة تكمن في بعض البنوك التي تستغل ذلك بإغراق المتعاملين، الذين يتحملون بدورهم جزءاً من المسؤولية لاقتراضهم ما يفوق طاقاتهم المالية، لأغراض استهلاكية بحتة، مثل شراء سيارات فارهة أو السفريات»، منتقداً غياب الوعي لدى جمهور المتعاملين، ما يؤسس لمشكلات عدة، عندما يجدون أنفسهم وقد دفعوا معظم دخلهم الشهري للبنوك.

سياسات مدروسة

بدوره، قال الخبير المصرفي العضو المنتدب لشركة أبوظبي للأوراق المالي، محمد علي ياسين، إن «المصرف المركزي يطبق صلاحياته المتعلقة بالأمور التنظيمية بين البنوك باقتدار كبير، ويعد من المصارف القليلة التي نجحت في إدارة الأزمة المالية على سبيل المثال».

وأضاف أن «(المركزي) يقوم بدور الناصح للبنوك، أكثر من فرضه سياسات بعينها»، مذكراً أن «المركزي» تحدث بشفافية قبل بداية الأزمة المالية العالمية عن الأموال الساخنة وخطورتها، وحذر منها البنوك كثيراً، ولو استمعت تلك البنوك لذلك، لقلصت كثيراً من فجوة القروض مقابل الودائع التي وصلت في بعض الأوقات إلى نسبة ‬100٪.

وأوضح أن «مجمل سياسة (المركزي) حكيمة ولا تأتي غير مدروسة أو رد فعل، الأمر الذي ساعد كثيراً في استقرار النظام المالي على الرغم من الضغوط من الخارج، دليل ذلك تقديمه سيولة للبنوك وقت الأزمة، ما رفع كفاءتها المالية ضعفي متطلبات (بازل ‬2)، فضلاً عن إعادة التوازن لمعادلة (الودائع مقابل القروض)، حتى ازدادت الأولى على الأخيرة بحسب أحدث احصاءات موجودة، والأهم من ذلك الحفاظ على الثقة بالقطاع المصرفي المحلي، الأمر الذي انعكس في عدم خروج الودائع من بنوك الدولة، في وقت بدأت فيه المصارف أخيراً، تعيد أموال الدعم، ما يعني أن ملاءتها المالية عالية، وفي الوقت نفسه يؤكد نجاح سياسة (المركزي)».

أدوات مالية

رأى ياسين أن ارتباط الدرهم بالدولار أفقد «المركزي» القدرة على توفير أدوات مالية تحارب التضخم مثلاً، أو خفض سعر الفائدة لارتباطها بالفائدة على الدولار، مشدداً على أهمية وجود أدوات للتحكم في السياسة النقدية داخلياً، بعيداً عن المؤثرات الخارجية.

وأشار إلى نجاح «المركزي» في إيجاد بعض تلك الأدوات، مثل الودائع قصيرة الأجل، أو شهادات الإيداع الإسلامية، إلا أنه لاتزال هناك حاجة إلى مزيد من هذه الأدوات.

وقال إن «جميع المصارف المركزية في العالم، تتلقى شكاوى المتعاملين مع البنوك وتحلها، إضافة إلى جمعيات حماية المستهلك، إلا أنه لديها الطاقة الاستيعابية والوسائل التقنية التي تمكنها من تلقي الشكاوى ومتابعتها وسرعة البت فيها، ما ينعكس على المتعاملين الذين يشعرون بالتجاوب، وهو أمر يحتاجه المصرف المركزي لدينا بشدة».

أنظمة وآليات

واعتبر ياسين أن «أنظمة وآليات المصرف المركزي لم تتطور بالقدر الذي تطور به القطاع المصرفي، في ما يتعلق بحل الشكاوى، ما يعني ضرورة وجود أقسام للشكاوى تستوعب هذا الكم من المتعاملين المشتكين، وتحسين التواصل مع المتعامل والرد عليه سريعا».

ولفت إلى وجود جهات خدمية حكومية عدة، تميزت في ذلك مثل أجهزة الشرطة، التي يمكن الاستعانة بتجربتها في التعامل مع شكاوى المتصلين، مشددا على أن «المركزي» يحتاج إلى رفع مستويات أدائه، وتحديثها، خصوصاً المتصلة بالمتعاملين ليواكب التطور الذي يحدث في القطاعات والمؤسسات كافة.

وأوضح أن «هناك مشكلات عدة مع البنوك، يتم توجيه أصحابها للذهاب إلى أقسام الأمن، على الرغم من أنها مالية وينبغي أن يبت فيها (المركزي)»، مؤكداً رفع بنوك مركزية في العالم (البنك المركزي الاسترالي)، قضايا على مصارف غير ملتزمة.

التواصل مع الجمهور

من جانبه، أكد الخبير المصرفي، أمجد نصر، أن «(المركزي) لم يطور نافذة التواصل مع الجمهور، لتناسب طريقة عمل البنوك، إضافة إلى وجود أكثر من جهة يلجأ إليها المتعامل مثل وحدة حماية المستهلك التابعة لوزارة الاقتصاد، وجمعية الإمارات لحماية المستهلك، فضلاً عن الوحدة التابعة للمصرف المركزي، على الرغم من أن الجهتين الأولى والثانية تحولان الشكاوى إلى (المركزي) باعتباره جهة صاحبة اختصاص».

وشدد نصر على ضرورة توفير آلية جديدة، لا تقتصر على تلقي الشكاوى وإرسالها للبنك المعني فقط، وإنما يكون دورها دراسة الشكوى ومتابعتها، حتى يتم حلها وفق وسائل حديثة ومتطورة تختصر الجهد والوقت، إضافة إلى ضرورة وجود إجراءات مشددة ومعلنة ضد البنوك غير الملتزمة، أو التي لا ترد على شكاوى المتعاملين أو تستهين بخطابات «المركزي»، لافتاً إلى وجود بنوك تتجاهل الرد على شكاوى المتعاملين، خصوصاً إذا لجأوا إلى «المركزي».

رد فعل قوي

إلى ذلك، قال الخبير المالي، وضاح الطه، إن «هناك العديد من الأحداث التي تطلبت رد فعل مناسباً من قبل (المركزي) مثل تمويل الاكتتابات الأولية، الذي تم وقت فورة الأسواق عامي ‬2005 و‬2006، والذي منحت فيه البنوك تمويلات بخمسة أضعاف، بمعنى أنه إذا كان لدى المكتتب مليون درهم، فقد أعطته تلك البنوك خمسة ملايين درهم، تمويلاً، بل وصل في بعضها إلى ‬20 ضعفاً، وتلا ذلك، فتح الأبواب لاقتناء بطاقات ائتمان دون حدود، ثم تمويلات العقار، وغيرهما من الأحداث التي تطلبت ردة فعل قوية من (المركزي)، إلا أن الرد كان دون المأمول».

واستطرد أنه «ابتداء من عام ‬2008، بدأ (المركزي) مرحلة جديدة تميزت بتشديد الرقابة نوعا ما، وإصدار أنظمة تحمي طرفي العلاقة المصرفية، وغيرهما، لكن السوق لاتزال تحتاج إلى مزيد من الجهد من قبل (المركزي)، وإلى جعل التشاور مع البنوك بحدود معينة، لتكون الكلمة الفصل له، باعتباره الجهة المنظمة وصاحبة القرار».

تقييم المتعامل

رأى الطه أن أهم ما تفتقده السوق المصرفية حالياً، هو وجود مرجعية لتقييم المتعامل لمعرفة تاريخه الائتماني، وعدد الجهات التي اقترض منها، ما يساعد البنوك على منحه تمويلات في حدود قدراته المالية».

وأفاد بأن «اكتمال شركة المعلومات الائتمانية، يساعد كثيراً في هذا الأمر».

قرارات ملزمة

وبحسب الرئيس التنفيذي لـ«مصرف الهلال»، محمد جميل برو، فإن «هناك عملاً دؤوباً، وضوابط وتشاوراً بين (المركزي) والبنوك، لتطوير القطاع المصرفي برعاية اتحاد المصارف»، لافتاً إلى حل أمور كثيرة، وأخرى في طور النقاش.

ونفى برو، أن يكون المصرف مجرد وسيط يتلقى شكاوى المتعاملين، ويرسلها للبنك المعني، بل إن هناك متابعة للوصول إلى حل مرضٍ، موضحاً أن القرارات التنظيمية، التي يصدرها المصرف المركزي ملزمة للبنوك كافة، في حين تترك التوصيات والتوجيهات هامشاً للبنوك، لتوفيقها مع سياستها الداخلية.

وشدد على أن دور «المركزي» أساسي في الحفاظ على قوة القطاع المصرفي، مؤكداً أن البنوك الاماراتية لن تكون بهذا المستوى المتطور والمنظم، في وجود مصرف مركزي ضعيف.

وقال إن «قوة المصرف المركزي وتعاونه مع البنوك أسهما كثيراً في استقرار النظام المالي في الدولة، وحميا بقوة الاقتصاد الوطني».

صلاحيات أكبر

في السياق نفسه، قال المحامي والمستشار المالي، صلاح الحليان، إن «هناك حاجة لتحديث قوانين المصرف المركزي، لمنحه صلاحيات أكبر، ودوراً أكثر فاعلية في ظل تنامي القطاع المصرفي».

وأضاف أن «لدى البنوك في الدولة عدداً كبيراً من الموظفين من ثقافات وبلدان متنوعة، ويغيب في كثير من الأحيان الالتزام الأخلاقي والمهني في التعاملات مع المتعاملين، وهنا يجب أن يكون للمصرف المركزي دور تثقيفي للمتعاملين عن طريق نشر الوعي بكيفية التعامل مع البنوك».

وأوضح أن «العديد من الشكاوى تقدم من المتعاملين شفهياً وغير مكتوبة، وهذا خطأ كبير يقع فيه المتعامل، إذ يجب أن يتم توعيته من قبل (المركزي) بحفظ حقه كتابياً، سواء لجأ للبنك الذي يتعامل معه أو ذهب للمصرف المركزي».

تويتر