رأوا أن بيانات «الوطني للإحصاء» لا تعبّر عن واقع التوظيف في الدولة

اقتصاديون يطالبون بتعديلات في هيكل الاقــــتصاد لمواجهة البطالة

تفضيل توظيف عمال وافدين برواتب أقل يدفع إلى زيادة البطالة بين المواطنين. أرشيفية

طالب خبراء اقتصاد بمواجهة البطالة في الإمارات، عبر إجراء تعديلات في هيكل الاقتصاد الوطني، ودعم القطاعات التي تؤثر في مستوى التوظيف، ودمج العمالة الوطنية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، مرجعين أسبابها إلى خلل في التركيبة السكانية.

ورأى الخبراء الذين استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم، أن نسب البطالة التي وردت في بيانات المركز الوطني للإحصاء كبيرة، وربما لا تعبر عن واقع التوظيف في الإمارات، وتحتاج إلى بحث عن مدى حقيقته على أرض الواقع، مؤكدين أن الاقتصاد الإماراتي لا يمر بحالة ركود، بل يحقق مستوى ملحوظاً من النمو.

وكان المركز الوطني للإحصاء أفاد بأن معدل البطالة بين المواطنين بلغ 20.8٪ عام ،2011 بينما بلغ معدل البطالة العام في الدولة 4.6٪. وذكر أن معدل المشتغلين بين المواطنين بلغ 25.5٪، وبين غير المواطنين 70.6٪، كما انخفض معدل الناشطين اقتصادياً بين المواطنين (الأشخاص الذين يسهمون في البيع والشراء والتعاملات المالية وأي نشاط اقتصادي آخر) إلى 32.2٪، مقابل ارتفاعه بين غير المواطنين إلى 72.9٪. وارتفعت نسبة البطالة بين المواطنات إلى 28.7٪، وانخفض معدل النساء المواطنات الناشطات اقتصادياً إلى 19.5٪، فيما تراجع معدل المشتغلات بين النساء المواطنات إلى 19.5٪. فيما كشف تقرير اقتصادي لمؤسسة «بوز آند كومباني» المتخصصة في الاستشارات الإدارية، أن 22٪ من الحاصلين على شهادات التعليم العالي في الإمارات عاطلون عن العمل.

تقرير «بوز آند كومباني»

زيادة البطالة

ذكر كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد العربي، جمال زروق، أن «الأزمة المالية العالمية لها تأثير ملحوظ في زيادة معدلات البطالة في الإمارات»، مضيفاً أن «المؤسسات الاقتصادية المحلية تواجه صعوبات ناجمة عن ركود اقتصادي عالمي يؤدي إلى تراجع الطلب على التوظيف». وأكد أن «التركيبة السكانية تحتاج إلى دراسة، إذ يجب إدماج العمالة الوطنية في القطاعات الاقتصادية المختلفة».

وأشار إلى أن «الاقتصاد المحلي قادر على إيجاد مزيد من الوظائف مع الدعم الذي تقدمه الدولة للقطاع الخاص والشركات»، موضحاً أن رغبة المواطنين في الإمارات في الالتحاق بوظائف حكومية، أمر غير صحي، إذ يجب توزيع العمالة المواطنة على القطاعات الاقتصادية والقطاع الخاص، خصوصاً أنه لا يمكن للدوائر الحكومية بأي حال استيعاب كل تلك العمالة».

وتفصيلاً، أظهر تقرير لمؤسسة «بوز آند كومباني» العالمية المتخصصة في مجال الاستشارات الإدارية، أن العالم العربي يحتاج على مدار العقد المقبل، إلى 75 مليون وظيفة، بزيادة تبلغ 40٪ عن النسبة الحالية، وذلك لمواكبة وتيرة النمو السكاني السريع للفئات الشابة التي تتأهب للانضمام إلى القوى العاملة. ونقل عن البنك الدولي بيانات تشير إلى أن «دول مجلس التعاون الخليجي الستة تُسجل أعلى معدلات بطالة بين الشباب عالمياً، إذ تصل إلى 40٪ بين بعض الفئات العمرية».

وقال الشريك في «بوز آند كومباني»، سامر بحصلي، إن «أحد أهم أسباب ارتفاع معدلات البطالة هو الفجوة القائمة بين المهارات التي يحصل عليها المتعلمون من مناهجهم وأنظمتهم التعليمية، وتلك التي يحتاجها القطاع الخاص».

وأضاف أن «43٪ من الحاصلين على شهادات التعليم العالي عاطلون عن العمل في السعودية، فيما تبلغ 22٪ في كل من المغرب والإمارات»، مشيراً إلى أن حكومات مجلس التعاون الخليجي حاولت التخفيف من وطأة أزمة البطالة التي تعانيها خلال الأعوام الماضية من خلال تبني مبادرتين رئيستين، هما تحديد حصص لتوظيف المواطنين، والمساهمة في كلفة توظيفهم. ولفت إلى أنه «في حين حققت تلك السياسات قدراً من النجاح، لم تحقق الأهداف المرجوة منها».

تحد كبير

بدوره، قال الخبير الاقتصادي، عرفان الحسني، إن «مشكلة البطالة هي أكبر تحد يمكن أن يواجه أي اقتصاد». وأضاف أن «الرقم الذي أعلنه المركز الوطني للإحصاء هو معدل كبير، ويحتاج إلى بحث عن مدى حقيقته على أرض الواقع، والتعرف إلى أسبابه، والسياسات التي يجب اتباعها للمواجهة».

ورأى أن «زيادة معدلات البطالة في الإمارات ربما تعود بصورة ما إلى الخلل في التركيبة السكانية»، موضحاً أن العامل الوافد يعمل براتب أقل من العامل المواطن، وبالتالي فإن من مصلحة صاحب العمل توظيف عمال وافدين برواتب أقل. وأكد أن «هذا السلوك يدفع إلى زيادة البطالة بين المواطنين، وهذا ما تظهره بيانات المركز».

وأوضح أن «البطالة في النظرية الاقتصادية تعني تعطيل الموارد البشرية، وهذا أمر له انعكاسات سلبية خطرة على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في أي بلد»، لافتاً إلى أن «الإنسان مورد اقتصادي يسهم في عملية الإنتاج، وبالتالي فإن توقفه عن العمل يعني عدم الاستفادة من هذا المورد، بل وتحمل أعبائه، إذ يستنزف الموارد الأخرى من دون أي إضافة للمجتمع أو للاقتصاد».

وأفاد بأن «هناك جوانب اجتماعية خطرة تصاحب ظاهرة البطالة، إذ إن تفشي حالات الطلاق والتفكك الأسري، نتائج مباشرة لها»، مؤكداً أن «ظهور البطالة يستدعي العمل على وضع سياسات حكومية لمواجهة تلك الظاهرة، والتعرف إلى أسبابها ومنعها». وبيّن أن «هناك نوعين من الأسباب التي تؤدي إلى البطالة، أولهما الأسباب الهيكلية المتعلقة بهيكل الاقتصاد المحلي، وتوزيع القطاعات الاقتصادية، والآخر أسباب دورية تتعلق بالتغيرات التي تطرأ على الاقتصاد الدولي».

تعديلات

وشدد الحسني على أن «مواجهة البطالة ربما تتطلب إجراء تعديلات في هيكل الاقتصاد الوطني، ودعم القطاعات التي تؤثر في مستوى التوظيف»، مشيرا إلى أن البطالة ظاهرة مركبة يدخل في تركيبها عوامل داخلية اقتصادية واجتماعية.

وقال إن «المتغيرات التي تحدث في الاقتصاد العالمي تؤثر أيضاً في مستويات البطالة، إذ تعد ظاهرة معقدة ليس من السهل اختزالها».

واشار إلى أن «العالم يمر حالياً بتأثيرات العولمة، فالتغيرات التي تحدث في الاقتصادات الكبرى تؤثر بصورة ملموسة في دول الخليج جميعها، خصوصاً مع انفتاحها على العالم، وتأثرها بما يحدث في سوق النفط التي تؤثر في ايراداتها وحركة النشاط الاقتصادي الكلي»، لافتاً إلى أن «الخلل في التركيبة السكانية في منطقة الخليج يؤثر في ضخامة حجم العمالة الوافدة إلى الدول الخليجية».

دراسات ميدانية

من جانبه، قال الباحث في وزارة الاقتصاد، عبدالباقي السعدي، إن «نسب البطالة التي وردت في بيانات المركز الوطني للإحصاء ربما لا تعبر عن واقع التوظيف في الإمارات، إذ إنها تستند إلى بيانات المسجلين في البحث عن عمل، وهؤلاء ربما يكونون مرتبطين بعمل فعلي، ويبحثون عن تغيير وظائفهم»، مشدداً على أن «تحديد نسب البطالة يجب أن يكون وفقاً لدراسات ميدانية».

وأضاف أن «مؤشر البطالة الذي ورد في البيانات يشير إلى أن الاقتصاد ربما يعاني حالة ركود، وهو ما لا يبدو في اقتصاد الإمارات، الذي يحقق مستوى ملحوظاً من النمو»، لافتاً إلى أن معدلات النمو تظهر أداء متوازناً للاقتصاد.

ودعا الموطنين إلى العمل في القطاع الخاص، ما يؤدي بدوره إلى خفض نسب البطالة بينهم.

تويتر