مصرفي اعتبرها إساءة لسمعة البنوك.. وموظفون أرجعوها إلى تحقيق الـ «تارغت» والحصول على المكافآت

ظاهرة تسويق المنتجات المصرفــــية في الشارع تعود من جديد

«الإمارات دبي الوطني»: البنوك الكبيرة الحريصة على سمعتها ترفض أن «يدلل» موظف التسويق على المنتجات المصرفية بشكل يسيء إلى البنك. تصوير: أشوك فيرما

عادت ظاهرة تسويق المنتجات المصرفية عبر وضع مواد ترويجية على واجهات ونوافذ السيارات للظهور من جديد، أخيراً، وأصبح مألوفاً في دبي أن يجد أي صاحب سيارة ورقة على سيارته تتضمن رقم هاتف مندوب بنك يعرض عليه منتجات مصرفية بمزايا تنافسية. وتطور الأمر إلى قيام مندوبي التسويق في البنوك بتوزيع منشورات ترويجية على العامة في الشوارع والمناطق الرئيسة في دبي، إذ يراقبون المارة ويعرضون عليهم الحصول على بطاقات ائتمان وقروض وتمويلات سيارات بمزايا تنافسية تشمل عدم اشتراط تحويل الراتب والحصول على سعر فائدة منخفض.

ومن وجهة نظر مندوبي تسويق في البنوك التقتهم «الإمارات اليوم»، فإن تسويق المنتجات المصرفية في الشارع ليس عيباً طالما أنهم لا يجبرون المتعاملين على شيء، مؤكدين أنهم مضطرون لمثل هذا الأسلوب لتحقيق الرقم المستهدف من المبيعات الـ«تارغت» حتى لا يتم الاستغناء عن خدماتهم.

إلى ذلك، عزا مصرفيون عودة الموظفين لاتباع مثل هذا الأسلوب إلى صدور تعليمات مشددة أخيراً من مصرف الإمارات المركزي تحظر الاتصال المباشر بالمتعامل لتسويق المنتجات المصرفية، وكذا إلى سعي موظفين إلى زيادة مبيعاتهم للحصول على المكافآت التي تصرفها الإدارة للموظفين الأكثر تسويقاً للمنتجات المصرفية، معتبرين أن مثل هذا الأمر يمثل إساءة للبنك وترفضه البنوك الحريصة على سمعتها. ورفض المصرفيون تبرير اتباع موظفين في البنوك لهذا الأسلوب بسعيهم إلى تحقيق الـ«تارغت» حتى لا يتم الاستغناء عن خدماتهم، مشيرين إلى أن إدارات البنوك لا تطلب من موظفيها القيام بذلك، فضلاً عن أن البنوك لديها أساليب محددة في تسويق منتجاتها، سواء عبر الفروع أو عبر الحملات الترويجية.

تحقيق الـ«تارغت»

تفصيلاً، أقر موظف تسويق في بنك محلي (ر.ك) بأنه اتبع أسلوب تسويق المنتجات المصرفية عبر وضع أوراق مطبوعة على واجهات السيارات المصطفة في مواقف سيارات الشركات الكبيرة، التي يتميز موظفوها بالدخل المرتفع، عازياً ذلك إلى أن إدارة البنك الذي يعمل فيه تطالبه بتحقيق رقم معين من مبيعات البطاقات الائتمانية والقروض، وتهدد الموظفين بالاستغناء عن خدماتهم في حال عدم تحقيق الرقم المستهدف.

وعن تسويق المنتجات المصرفية في الشارع، قال إن «الأمر لا يختلف، فالمهم هو الوصول إلى أكبر عدد من المتعاملين المحتملين، وتحقيق أكبر قدر من المبيعات»، موضحاً أنه شخصياً يستهدف الفئات الأكثر دخلاً، خصوصاً المواطنين، لذا يوزع دعاياته في مناطق سكنهم وعملهم والأماكن التي يقضون فيها إجازاتهم الأسبوعية، الأمر الذي أثبت نجاحه فعلياً معه.

ليس عيباً

برأي موظف آخر في أحد البنوك، فضل عدم ذكر اسمه، والذي نشر إعلاناً على نفقته الخاصة في إحدى الصحف الإعلانية يتضمن رقم هاتفه الخاص، فإن لجوء موظفي البنوك إلى مثل هذا الأسلوب ليس عيباً، ولا يختلف عن الأسلوب الذي تتبعه البنوك في الإعلان عن منتجاتها وخدماتها في الصحف، متسائلاً ما العيب في ذلك طالما أن المؤسسات المالية الأخرى من شركات تأمين وغيرها تفعل الأمر ذاته وطالما أن الأمر لا يضر أحداً؟».

وعزا الموظف إقدامه على مثل هذه الخطوة إلى سعيه للتميز في عمله، وتحقيق المستهدف من المبيعات، مؤكداً أنه تلقى بالفعل اتصالات من أشخاص عاديين يستفسرون عن كيفية الحصول على تلك الخدمات، لاسيما العاملين من ذوي الدخل المحدود الذين كانوا يعتقدون أنهم لا يستطيعون التعامل مع البنوك لتدني رواتبهم.

على الأبواب

بدورها قالت الموظفة السابقة في بنك وطني، «تغريد .أ»، إن كثيراً من العاملين في إدارات التسويق الخارجي في البنوك يلجأون إلى أساليب عدة لترويج المنتجات خارج نطاق عمل البنوك، ومنها نشر إعلانات في الصحف الترويجية والتواصل المباشر مع الأقارب والمعارف، حتى وصل الأمر إلى ترك الدعايات على أبواب المنازل، ولزقها على الحوائط وأعمدة الإنارة في المناطق السكنية الراقية.

وقالت إنها عند بدء عملها في البنك تلقت نصيحة من أحد الزملاء باللجوء إلى مثل هذه الأساليب لتحقيق الـ«تارغت» الذي كان مبالغاً فيه، لكنها لم تفعل، واكتفت بطرق الترويج المعروفة في الشركات والدوائر الحكومية.

وأضافت أنه بعد أشهر عدة من عدم تحقيق الـ«تارغت» أبلغت مديرها المباشر (آسيوي) بصعوبة تحقيق المستهدف من دون اللجوء إلى الترويج بتلك الطرق المهينة، فما كان منه إلا أن طالبها بأن تفعل مثل أقرانها، بزعم أن هذه الطرق في التسويق ليست خطأ، ولا توجد بها إهانة للموظف أو البنك»، لافتة إلى أن إدارة البنك أصدرت قراراً بتفنيشها وزملائها الذين لم يلجأوا إلى تلك الأساليب، بحجة أنهم أقل كفاءة وأكثر تقاعساً من زملائهم الآسيويين.

إساءة للبنك

من جهته، أعرب نائب الرئيس للتسويق والعلامة التجارية لمجموعة «الإمارات دبي الوطني»، سيف المنصوري، عن استيائه من وجود ظاهرة تسويق المنتجات المصرفية في الشارع، وفاجأنا بأنه تعرض لموقف مماثل، إذ إنه أثناء توجهه إلى سيارته في المساء اقترب منه شخص واتضح أنه موظف في بنك آخر، وناوله ورقة تتضمن رقم هاتفه وتعرض عليه الحصول على بطاقة ائتمانية أو قرض.

وقال إنه «على الرغم من وجود مثل هذا الظاهرة، إلا أن الأمر يختلف في البنوك الكبيرة الحريصة على سمعتها، التي ترفض أن (يدلل) موظف التسويق على المنتجات المصرفية بشكل يسيء إلى البنك»، مؤكداً أن «مجرد وضع شعار أو اسم البنك على الورقة التي يوزعها الموظف يعد أمراً غير مقبول، ويجب على البنك معاقبة الموظف الذي يفعل ذلك».

وكشف المنصوري لـ«الإمارات اليوم» أن بعض العاملين في إدارة التسويق في البنك طلبوا منه الموافقة على وضع أسمائهم وأرقام هواتفهم المحمولة على المواد الدعائية التي يوزعونها أثناء الحملات الترويجية التي ينظمها البنك، فرفض بشدة، مسوغاً ذلك بأن عدم رد موظف البنك على هاتفه المحمول في حال تلقيه اتصالاً من متعامل ما أو تعامله بشكل غير لائق يسيء إلى البنك ذاته، لأن المتعامل سيظن في هذه الحالة أن البنك لا يرد، وأنه لا يهتم بالمتعاملين معه.

وأشار المنصوري إلى أن «محاولة بعض العاملين في البنوك تسويقهم المنتجات المصرفية في الشارع، وتبرير ذلك بأنهم مطالبون بتحقيق مستوى معين من المبيعات، لعدم الاستغناء عن خدماتهم، هي محاولة غير مقبولة»، مفسراً ذلك بأن إدارات البنوك لا تطلب من موظفيها القيام بذلك، فضلاً عن أن البنوك لديها أساليب محددة في تسويق منتجاتها، سواء عبر الفروع أو عبر الحملات الترويجية التي تنظمها في المراكز التجارية أو في الدوائر الحكومية.

وأوضح أن «البنك يقوم بنحو 200 نشاط ترويجي منظم خلال العام، بالتشاور مع إدارات البنك المختلفة، وتشمل تلك الحملات وضع منصات للتسويق في جميع المراكز التجارية أو الدوائر الحكومية، ما يساعد الموظفين على تحقيق الرقم المستهدف من المبيعات»، لافتاً إلى أن «تحديد الـ(تارغت) يتم عبر آليات مدروسة، ويأتي من أجل استهداف تحقيق أرباح معينة في نهاية العام من خلال تسويق المنتجات والخدمات المصرفية».

تعليمات «المركزي»

من جهته، عزا نائب الرئيس الأول، رئيس برنامج «الصدارة» لإدارة الثروات في البنك العربي المتحد، الشيخ محمد بن عبدالله النعيمي، عودة هذه الظاهرة إلى صدور تعليمات مشددة من مصرف الإمارات المركزي تحظر الاتصال المباشر بالمتعامل لتسويق المنتجات المصرفية.

وقال إن «بعض الموظفين في البنوك يلجأون إلى مثل هذا الأسلوب لتحقيق الـ(تارغت) أو للحصول على المكافآت التي تصرفها إدارات البنوك للموظفين الأكثر تحقيقاً للمبيعات»، موضحاً أن «أساليب التسويق للمنتجات المصرفية التي يتبعها الموظفون في البنوك اختلفت كثيراً في الفترة الأخيرة، لتشمل أيضاً وضع الدعايات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتوزيع الدعايات في المراكز التجارية وأمام المساجد، مع إغراء المتعاملين المحتملين بمميزات مثل سرعة تنفيذ معاملة القرض، والإعفاء من تحويل الراتب».

وأضاف النعيمي أن «تعامل مندوبي التسويق المباشر مع موظفي الشركات بشكل رسمي قد لا يجدي، إذ يتطلب الأمر التواصل فقط مع مدير شؤون العاملين في الشركة، وعادة ما يفضل كثير الموظفين ألا يعرف زملاؤهم في العمل البيانات الخاصة بتعاملاتهم مع البنوك»، لافتاً إلى أن «زيارة مقر الشركة أو الدائرة الحكومية لا يتيح لموظف التسويق شرح وعرض المنتجات المصرفية المختلفة، لأن وقت الزيارة يكون محدداً، لذا يلجأ الموظف إلى توزيع الدعايات بنفسه».

تويتر