ستضطر إلى اتباع قوانين أو التوصل إلى اتفاقات مع الجهات التنظيمية في تلك الدول

شركات «الإنترنت» الأميركية تُواجه معركة قانونية مُحتملة في دول عدة

«مايكروسوفت»: خدمات الحوسبة السحابية التي تُتيح للمستخدمين تخزين الصور والوثائق على الإنترنت تتوافق الآن مع قواعد حماية الخصوصية في أوروبا. أرشيفية

تبدو الشركات الأميركية العملاقة المتخصصة في التكنولوجيا، امبراطوريات ضخمة دائمة التوسع تحظى بالشعبية والانتشار في مناطق تفوق ما سيطرت عليه أيٌ من الدول الكبرى يوماً ما، دون أن تمنعها الحدود الجغرافية والتباينات الثقافية والسياسية، وبفضل لهف المستخدمين، بصرف النظر عن جنسياتهم، على منتجات التكنولوجيا.

وأصبحت بعض هذه الشركات ضمن أهم العلامات التجارية وأكثر المؤسسات تحقيقاً للأرباح في العالم، وفي المُقابل، يضطرها الانتشار العالمي إلى التعامل عن قُرب مع القوانين والتشريعات المُنظمة للخصوصية وحماية البيانات في بيئاتٍ متنوعة، التي يفرض بعضها حقوقاً وحماية تفوق ما تُوفره هذه الشركات للمستهلكين في وطنها الأم.

ومثلاً تحظى شركة «غوغل» بالمرتبة الأولى بين محركات البحث على الإنترنت في أوروبا، وهو ما يجاوز حصتها في الولايات المتحدة التي تُشكل فيها «مايكروسوفت» منافساً قوياً. ويعيش أكثر من 80% من بين 1.3 مليار مستخدم لموقع «فيس بوك» خارج الولايات المتحدة.

وفي داخل الولايات المتحدة، تستمر الشركات في الاعتماد على الحقوق التي يُنادي بها التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يُعلي كثيراً من شأن حرية التعبير، لمواجهة أية اتهامات لها بإساءة استخدام بيانات المستخدمين على الإنترنت، لكن هذا الدفاع لا يصمد في أجزاءٍ كبيرة من العالم تتضمن ماليزيا، جنوب إفريقيا، البرازيل، سنغافورة، هونغ كونغ، اليابان، والأرجنتين.

ويرجع ذلك أساساً إلى معاملة حق الأفراد في الخصوصية بالتقدير نفسه الذي يُعطى للحق في حرية التعبير خارج الولايات المتحدة لاسيما في أوروبا، وفيها يُفكر المشرعون في فرض غرامات كبيرة على أية شركة تنتهك القوانين الصارمة الساعية لحماية البيانات، وتصل قيمتها إلى 125 مليون دولار أو ما يُعادل 5% من العائدات السنوية للشركة.

ووسط تصاعد النداءات في أنحاءٍ مختلفة من العالم بالدعوة إلى مزيد من تحكم الأفراد في ما ينشرونه بمواقع ومنتديات الإنترنت والشبكات الاجتماعية، يتبع العديد من بلدان العالم النهج الأوروبي في حماية الخصوصية، وينسخ بعضها وبشكلٍ حرفي أحياناً التشريعات الأوروبية عند إعداد القوانين الوطنية.

وقال المسؤول السابق عن حماية البيانات في أيرلندا، بيلي هاوكس: «لقد أصبحت القوانين الأوروبية لحماية البيانات الإعدادات الافتراضية للخصوصية في العالم». وتضمن عمل هاوكس وضع سياسة للتعامل مع بيانات المستخدمين الدوليين للشركات الأميركية التي تُدير عملياتها الخارجية في بلاده.

ونتيجة للحاجة المُلحة لتلبية مطالب الجمهور العالمي والتعامل مع جهات تنظيمية دولية تعتبر الخصوصية أولويةً رئيسة، اضُطرت الشركات الأميركية للامتثال لمعايير حماية البيانات، تجاوز صرامتها ما تُوفره داخل الولايات المتحدة.

وعلى سبيل المثال، أعادت شركة «فيس بوك» مراراً وتكراراً كتابة سياستها للخصوصية لمنح مُستخدمي موقعها قدراً أكبر من التحكم في كيفية استخدام بياناتهم. ومع ذلك، يرى أفراد ومشرعون في أوروبا، حيث يتم تنظيم بيانات جميع المستهلكين غير الأميركيين، أن الشركة تخرق قوانين الخصوصية المعمول بها عند تعاملها مع المعلومات الشخصية.

ويرى المحامي النمساوي ماكس شيرمس، أن «فيس بوك» ينقل سياسته للخصوصية داخل الولايات المتحدة ويُطبقها في أوروبا. ويتولى شيرمس حالياً رفع دعوى قضائية جماعية تشمل أكثر من 25 ألف شخص، تتهم «فيس بوك» بانتهاك قوانين حماية البيانات في أوروبا بنقل بيانات المستخدمين إلى الولايات المتحدة، إذ يُمكن لوكالات الاستخبارات فيها الوصول إلى المعلومات.

أما «مايكروسوفت» فتقول إن خدماتها للحوسبة السحابية، التي تُتيح للمستخدمين تخزين الصور والوثائق على الإنترنت، تتوافق الآن مع قواعد حماية الخصوصية في أوروبا، وهي الشركة الوحيدة التي تحظى بهذا القبول حتى الآن.

وفي الوقت نفسه، تبذل «غوغل» جهودها للاستجابة مع قرار «محكمة العدل الأوروبية» في مايو الماضي الذي أعطى الحق للأشخاص داخل دول الاتحاد الـ28 طلب حذف روابط تقود إلى معلومات عنهم من نتائج البحث في «غوغل».

وعلى الرغم من مكافحة «غوغل» لعرقلة ما يُطلق عليه «الحق في النسيان»، فإنها خسرت معركتها، واستجابةً للحكم القضائي حذفت حتى الآن الآلاف من الروابط، بحيث لا تظهر ضمن نتائج البحث للمستخدمين داخل أوروبا. ويُحاول أنصار هذا المعيار الجديد الضغط على «غوغل» من أجل تطبيقه على نتائج البحث عالمياً. واعتبر الزميل البارز في منظمة «برايفسي إنترناشيونال» أو «الخصوصية الدولية» التي تتخذ من لندن مقراً لها، جوس هوسين، أن الولايات المتحدة لا تعنى كثيراً بقضايا الخصوصية، وقال: «لا يهتم الأميركيون حقيقةً بهذه المسائل، إلا أن لديهم حقوقاً محدودة جداً يُمكنهم ممارستها على الكيفية التي تُستخدم بها بياناتهم». وتُعنى «برايفسي إنترناشيونال» بالدفاع عن المستهلكين وتُطالب بإقرار قوانين أشد صرامة لدعم الخصوصية.

وفي ما يتعلق بالشركات، تُصر «غوغل» و«فيس بوك» على التزامهما بمعايير الخصوصية المُطبقة حيث يوجد مستخدموها، كما يظل بإمكان الأشخاص الانسحاب من إعلانات الإنترنت وحذف ملفاتهم الشخصية متى أرادوا.

لكن الشركات الأميركية عموماً تُواجه اهتماماً عالمياً متزايداً بحماية البيانات يظهر في سن تشريعات جديدة، وفي ذلك تتطلع دول العالم إلى القارة الأوروبية لاستلهام أفضل السبل للدفاع عن خصوصية مواطنيها. وكشفت البرازيل أخيراً عن مشروع قانون يشترط حصول شركات التكنولوجيا على موافقة المستخدمين قبل تبادل معلوماتهم مع المعلنين والمسوقين على الإنترنت.

وفي جنوب إفريقيا، تُوجد قواعد جديدة تحظر إرسال بيانات الأفراد على الإنترنت إلكترونياً إلى دولٍ أخرى لا تُطبق المعايير الصارمة نفسها لحماية الخصوصية.

وسنت كوريا الجنوبية بعضاً من أقوى قوانين حماية البيانات في العالم، يخول للأفراد الحق في الوصول إلى معلوماتهم على الإنترنت التي تحتفظ بها «ركات» التكنولوجيا وقتما يريدون.

في المقابل، وعلى الرغم من توافر قوانين أميركية لحماية الخصوصية تتطرق إلى القُصّر والسجلات الطبية وحماية المستهلك، فإن ما يزيد على 90% من الأميركيين يرون أنهم فقدوا السيطرة على كيفية جمع الشركات واستخدامها لبياناتهم على الإنترنت، وفقاً لاستطلاع أجراه «مركز بيو للأبحاث».

وعموماً يبدو التغيير خياراً حتمياً أمام شركات التكنولوجيا الأميركية، وستضطر عاجلاً أم آجلاً إلى اتباع قوانين أو التوصل لاتفاقات مع الجهات التنظيمية في دولٍ مختلفة.

تويتر