وسط تساؤلات حول تأثيره في الخصوصية.. وكيفية الموازنة بين مصالح المستخدمين واتجاهات المطوّرين

المساعد الشخصي الافتراضي.. مجال للتنافس بين شركات التكنولوجيا

انتقال «سيري» من «آي فون» إلى أجهزة التلفزيون يؤشر إلى ازدهار برمجيات المساعد الافتراضي التي تحاكي بعض مهارات السكرتير البشري. غيتي

ربما كانت تقنية المساعد الشخصي الافتراضي «سيري» من أبرز الحاضرين في المؤتمر الأخير لشركة «أبل»، إذ أعلنت الشركة عن إضافتها إلى أدوات التحكم عن بُعد في «تلفزيون أبل»، إلى جانب توافرها بالفعل لهواتف «آي فون»، ويعني ذلك تقديم «سيري» لاقتراحات حول البرامج الملائمة، وإعفاء المستخدمين من الحاجة إلى البحث عن برنامج إخباري معيّن، أو حالة الطقس ونتائج المباريات الرياضية، ويمكنهم طلبها عبر الأوامر الصوتية مباشرة، وتلقي الرد سريعاً على شاشة التلفزيون.

ويُؤشر انتقال نظام «سيري» لأجهزة التلفزيون، إلى ازدهار برمجيات المساعد الشخصي الافتراضي التي تحاكي بعض مهارات السكرتير البشري، مثل المساعدة في تنظيم المواعيد، والتذكير بالاجتماعات، والبحث عن المعلومات. وكانت «أبل» استحوذت على الشركة المطوّرة لخدمة «سيري» عام 2010 مقابل 200 مليون دولار، ولاحقاً خاض المجال نفسه كثير من المنافسين.

ويتيح «سيري» البحث وإرسال الرسائل النصّية عبر الأوامر الصوتية، ويقتصر على أجهزة «أبل». وتوفر شركتا «غوغل» و«مايكروسوفت» خدمتين مشابهتين باسم «غوغل ناو» و«كورتانا» على الترتيب، وتستفيد كلٌ منهما من دراسة عادات المستخدم وتقويم المواعيد.

وتسوّق «أمازون» جهازاً مستقلاً باسم «إيكو» يستجيب للأوامر الصوتية لتشغيل الموسيقى، وقراءة الكتب بصوت مرتفع، والمساعدة على التسوّق عبر موقع «أمازون»، وتطمح لجعله مركزاً للتحكم في أجهزة «المنزل الذكي».

وكشفت شركة «بايدو» الصينية، صاحبة محرك البحث الأكثر شعبية في الصين، أخير، عن مساعد شخصي افتراضي باسم «ديور» Duer، وأعلنت «فيس بوك» سابقًا عن «إم» المساعد الافتراضي ضمن تطبيق «ماسنجر» للتراسل.

وتواجه جميع هذه الخدمات مشكلات لاتزال بحاجة إلى إصلاح وتطوير، وفي الوقت نفسه تتطوّر باستمرار إمكاناتها والمهام التي يمكنها إنجازها. وفي الواقع يلفت تطوّر «سيري» والمنتجات المماثلة إلى اتجاهين رئيسين سيشكلان مستقبل الإنترنت.

ويتمثل الاتجاه الأول في تطوّر خدمات البحث بعيداً عن الاستفسارات المكتوبة في محركات البحث إلى خدمات أكثر تفاعلية وتخصيصاً بحسب كل شخص. أما الاتجاه الثاني فيكمن في التحوّل التدريجي من التطبيقات المنفردة إلى نظام من الخدمات يتمحور حول مساعد افتراضي قوي.

ووفقاً لبيانات شركة «جارتنر» للأبحاث، استخدم نحو 38% من الأميركيين خدمات المساعد الشخصي الافتراضي على هواتفهم الذكية أخيراً، وبحلول نهاية عام 2016 سيستخدمها يومياً ثلثا المستهلكين في الدول المتقدمة. وتتحّسن قدرات برمجيات المساعدة الشخصية على التنبؤ باحتياجات المستخدمين استناداً إلى سلوكياتهم السابقة وموقعهم الحالي.

وتشكل خدمات المساعد الشخصي الافتراضي، التي تقدمها شركات التكنولوجيا، جزءاً من جهود أكبر للتفوّق في مجال الذكاء الاصطناعي، خصوصاً تقنية تعلم الآلة التي تشير إلى تدريب الحواسيب على معالجة قدر ضخم من البيانات، والتعرف إلى ما تتضمنه من أنماط، والاستعانة بذلك لتحسين أداء مهامها المختلفة.

وتنفق شركات التكنولوجيا مبالغ طائلة للاستحواذ على شركات ناشئة، وتوظيف مختصّين في الذكاء الاصطناعي. وتتحدث تقارير عن سعي «أبل» وحدها لتوظيف 90 خبيراً، كما استعانت «فيس بوك» بالأكاديمي البارز، يان لوكون، لرئاسة مركز أبحاثها حول المجال الاصطناعي.

وتواصل هذه الشركات تحسين منتجاتها من نواح عدة، منها تمييز الأوامر الصوتية. وقبل عامين، اعتاد «غوغل ناو» تقديم تفسير خاطئ لنسبة 25% من الكلمات، في حين يخطئ حالياً في 8% منها فقط، حسب ما قالت مديرة المنتجات والهندسة في «غوغل ناو»، أبارنا تشنبرغادا.

وفي الوقت الراهن ينصب التركيز الأكبر لهذه الشركات على تحسين طرق استفادتها من المعلومات التي يحتفظ بها المستخدمون على أجهزتهم لتقديم توصيات مسبقة، بدلاً من الاقتصار على الاستجابة لطلباتهم. وتبرز في هذا الجانب تحديداً «غوغل» فتقدم خدمة جيدة أو فضولية، بحسب اختلاف الرؤية. ويبحث «غوغل ناو» في رسائل البريد الإلكتروني ليقترح على المستخدم الموعد الملائم للمغادرة كي يلحق برحلة طيران أو موعد. ويُنجز «كورتانا» الأمر نفسه، وإن اقتصر عمله حتى فترة قريبة على نظام «ويندوز».

ويستعين المساعدون الرقميون بتقنية تحديد المواقع الجغرافية المتوافرة على معظم الهواتف الذكية لإنجاز مهامهم على نحو أفضل وفي الوقت المناسب. ومثلًا ففي حال رغب أحد المستخدمين أن يتلقى تذكيراً بشراء حليب، يظهر الهاتف التنبيه بمجرد رصده لوصول المستخدم إلى المتجر.

وتتيح التكنولوجيا أيضاً التخفيف من مشكلات تنظيم المواعيد، ويوفر قليل من الشركات الناشئة مثل «كلارا لابز» Clara Labs و«إكس. إيه آي» x.ai خدمات للمساعدة الافتراضية تعنى بتنظيم المواعيد، وتمزج بين الاستفادة من الخوارزميات والمساعدة البشرية.

ويرسل المشتركون نسخة من رسائل البريد الإلكتروني إلى هذه الخدمات لتتحقق من المواعيد وتختار تاريخاً مناسباً. وفي المتوسط يحتاج البشر إلى تبادل نحو سبع رسائل بالبريد الإلكتروني لتحديد ميعاد مقابلة أو اجتماع، وبذلك يمكن للمساعدين الافتراضيين توفير الكثير من الوقت.

ولا يعني تعدد خدمات المساعد الشخصي الافتراضي وتقدمها تهديداً لوظيفة السكرتير أو المساعد الشخصي البشري، أو على الأقل في الوقت الحاضر، فلا يتجاوز المساعد الرقمي الحالي طريقة للبحث عن المعلومات عبر الأوامر الصوتية أو دون استخدام اليدين، وتُواجه صعوبات لإتمام مهام تتطلب خطوات أكثر تعقيداً، مثل حجز الرحلات الجوية، أو الإجابة عن أسئلة معقدة، أو اختيار أفضل المطاعم.

ويتطلب تقدم المساعد الشخصي الافتراضي ارتباطه بخدمات خارجية لتلبية طلبات المستخدمين، وهو ما تعمل عليه شركة «فيف» Viv الناشئة التي يقودها مؤسسو «سيري»، ويتوقع إطلاق خدمتها خلال العام المقبل. وتعمل خدمة «كورتانا» على تحسين هذا الجانب، فترتبط بتطبيق «أوبر» لمساعدة المستخدمين على حجز السيارات، كما تعرض قسائم التخفيضات المناسبة عند التسوّق في المتاجر أو عبر الإنترنت.

ويرتبط بخدمات المساعدين الافتراضيين العديد من التحديات منها ما يتعلق بالخصوصية، إذ يعتمد تحسنها على استفادتها من قدر هائل من البيانات، في حين لم يُحسم بعد كيفية مشاركتها لمعلومات المستخدمين مع أطراف خارجية.

كما تثار التساؤلات حول كيفية التنسيق بين نفع المستخدمين ومصالح الشركات المطوّرة، وتواجه نوعاً من الولاء المزدوج بعكس السكرتير أو المساعد الشخصي البشري، الذي يعمل غالباً لمصلحة مؤسسة أو شخص واحد. ومثلاً من المفترض أن يعمل «غوغل ناو» و«إم» لمساعدة المستخدمين، في الوقت الذي تعتمد فيه أرباح «غوغل» و«فيس بوك» على التنقيب في بيانات المستخدمين وتوجيه الإعلانات إليهم استناداً إلى سلوكياتهم وتفضيلاتهم. وربما هذا ما دفع «أبل» إلى التركيز على حماية الخصوصية كركيزة أساسية في «سيري».

ويُضاف إلى ذلك معضلة أخرى تتعلق بالتجارة، لاسيما مع الدور المتزايد للمساعد الشخصي الافتراضي في مساعدة المستخدمين على الشراء عبر الإنترنت، فهل يمكن أن تدعم شركات معينة على حساب أخرى؟

 

 

تويتر