التحذيرات والقوانين الصارمة لم تقللا خطورتها.. والحل يبدأ من فهم أسبابها

التفقد المستمر للهواتف المحمولة عادة تحفل بالمخاطر على الطريق

صورة

هل يحدث لك أحياناً أن تلتقط هاتفك المحمول قبل أن تفكر فيمَ تريد فعله به، وما إذا كان أمراً ضرورياً أم يمكن تأجيله، وكذلك قبل التفكير في ما إذا كان الوقت والمكان ملائمين لاستخدام الهاتف أم لا؟ أياً كانت إجابتك عن الأسئلة السابقة يبدو أن إجابة البعض هي «نعم»، وأن استخدام الهاتف المحمول تحول بشكل ما من كونه فعلاً واعياً مُسبباً إلى عملٍ لا إرادي، يشبه كثيراً من العادات اليومية التي نفعلها من دون تفكير.

وقد يُقدم هذا تفسيراً لما يقوم به آلاف الأشخاص حول العالم من الإصرار على استخدام هواتفهم المحمولة أثناء قيادة السيارة، على الرغم من إدراكهم خطورة ذلك على سلامتهم وسلامة الآخرين، ما يعني أن علاج مشكلة كهذه يتطلب ما هو أكثر من التحذيرات والقوانين الصارمة، ويحتاج إلى البحث في كيفية استخدام الهاتف المحمول، وتأثير التقنيات الحديثة في سلوكياتنا، وفقاً لما كتب المحرر في صحيفة «ذا بوسطون غلوب» الأميركية، ليون نيفاخ.

وأشار مقال نيفاخ إلى وصف وزير النقل الأميركي، راي لحود، مسألة كتابة الرسائل النصية أثناء قيادة السيارة بأنها «وباء وطني»، وهو وصف صحيح؛ فبحسب مسح أجراه مركز «السيطرة على الأمراض والوقاية منها» في الولايات المتحدة، اعترف ما يقرب من ثلث الأميركيين البالغين بكتابتهم رسائل نصية أو عبر البريد الإلكتروني على هواتفهم أثناء قيادة السيارة لمرة واحدة على الأقل خلال الشهر السابق، وفي حين أن رحلات معظمهم انتهت بسلام، تعرض آخرون لحوادث.

وحذرت دراسات عدة من خطورة استخدام الهواتف المحمولة بشكل عام أثناء قيادة السيارة وتسببها في تشتت انتباه السائقين، خصوصاً كتابة الرسائل النصية، وأظهرت دراسة حديثة أجراها «معهد فرجينيا لتكنولوجيا النقل» أن السائقين الذين يكتبون الرسائل النصية أثناء القيادة يزيد احتمال تعرضهم لحوادث الاصطدام بمعدل أكثر مرتين مقارنة مع السائقين الذين يركزون انتباههم على الطريق، كما قدر «مجلس السلامة الوطني»، وهو منظمة غير حكومية، تعرض نحو 213 ألف سيارة داخل الولايات المتحدة لحوادث تصادم خلال عام 2011 بسبب سائقين يكتبون الرسائل النصية، مقارنة مع 160 ألف سيارة في العام السابق.

ودعا الانتشار المتزايد للظاهرة وخطورتها، 41 ولاية أميركية إلى إصدار قوانين تحظر كتابة الرسائل النصية أثناء قيادة السيارة، كما تختبر الشرطة تطبيق استراتيجيات أكثر حسماً لتنفيذ القانون، إلى جانب تنظيم حملات توعية، مثل واحدة أطلقتها شركة «أيه تي آند تي» للاتصالات تحت شعار «يمكن أن ينتظر»، وتضمنت فيلماً وثائقياً جمع بعض الأشخاص ممن تسببوا في حوادث السيارات بسبب كتابتهم للرسائل النصية، وآخرين ممن فقدوا أحباءهم في مثل هذه الحوادث لدعوة الجمهور للتوقف عن هذه العادة.

لكن القوانين والحملات الدعائية المكثفة لم تُسهِم في التقليل من ظاهرة كتابة الرسائل النصية أثناء القيادة؛ لأن المشكلة لا تتعلق بقلة الوعي العام، فالناس تُدرك بالفعل خطورة ذلك، فبحسب استطلاع يعتقد 94% من الأميركيين وجوب إصدار قوانين تحظر كتابة الرسائل النصية على السائقين، مع ذلك تُصر نسبة منهم على مخالفة ما يعتقدون أنه الصواب، ويزداد الأمر خطورة مع المراهقين الذين يندمجون عادة في محادثات أطول، ولا تُؤثر القوانين بصورة ملحوظة فيهم، بحسب دراسة حديثة.

ويُشير ذلك إلى وجود عوامل أقوى تتغلب على إدراك الأشخاص لخطورة ما يقومون به أثناء قيادة السيارة، وانتهت نتائج أبحاث علماء النفس والاتصالات إلى اختلاف استخدام الهاتف المحمول عن أي من قضايا السلامة الأخرى، كأهمية حزام الأمان وخطورة القيادة تحت تأثير الكحول، ويرى خبراء أن أحد العوامل الأساسية المؤثرة في المشكلة؛ أن الهاتف الذكي الحديث صار جزءاً لا يتجزأ من وعينا بطريقة غيرت من سلوكياتنا على نطاق واسع.

ولذلك يتطلب علاج مشكلة الإصرار على كتابة الرسائل النصية أثناء القيادة فهم كيفية حدوث هذه الرغبة، إلى جانب الاعتراف بعدم كفاية التوعية بخطورة الفعل وعقاب الفاعلين لحلها.

ونقل المقال عن أستاذ الاتصالات في جامعة ميشيغان، المهتم بدراسة الاستخدام القهري للهاتف المحمول، سكوت كامبل، قوله: «عليك أن تبدأ بالتساؤل عن سبب حدوث ذلك، وبمجرد أن تعرف السبب، يمكنك بعدها البدء بمهاجمة الآليات الفعلية التي تؤدي إلى هذا السلوك، ومن دون ذلك أنت تجرب فقط».

فالحل لا يكمن ببساطة في معرفة الناس خطورة كتابة الرسائل النصية أثناء قيادة السيارة، لأنهم يدركون ذلك فعلاً، ولا في اتخاذهم قراراً بتجاهل هواتفهم أثناء القيادة، فبحسب ما يرى باحثون، يُمثل استخدام الهاتف المحمول لكثيرٍ من الناس عادة أكثر منها قراراً، وحركة يقومون بها من دون تفكير.

وكانت دراسة بحثت في استخدام الأشخاص للهواتف المحمولة، وشملت 136 مشاركاً أعطيت لهم هواتف ذكية مزودة ببرنامج يرصد استخدامهم على مدار ستة أسابيع، أظهرت نتائجها أن المشاركين تفقدوا هواتفهم فترات وجيزة جداً مرات عدة في اليوم وصلت إلى 60 مرة، كما اقترب نمط تعاملهم مع الهواتف من تعريفات عدة للسلوك المعتاد، بحسب المؤلف الرئيس للدراسة، أنتي أولاسفيرتا.

وبالنسبة للأشخاص الذين يستخدمون الهاتف المحمول من باب العادة التلقائية، يزيد احتمال كتابتهم للرسائل النصية أثناء قيادة السيارة، وفق بحث نُشر في وقت سابق من العام الماضي، أجراه الباحثان سكوت كامبل وجوزيف باير، وتضمن سؤال 441 من طلبة الجامعات، بهدف تحديد إلى أي حد يُمثل استخدامهم للهاتف المحمول عادة، واعترف الأشخاص الذين سجلوا معدلاً مرتفعاً في الإجابة بكتابتهم الرسائل النصية أثناء القيادة على نحو منتظم.

وهنا، لن يكون البحث عن حل لمشكلة استخدام الهاتف المحمول كعادة أمراً يسيراً؛ نظراً لأن قدرة الدماغ على تشكيل العادة واحدة من نقاط القوة، فالعادة تشبه الطريق المختصرة للقيام بالأشياء، وتكون مفيدة في أحيانٍ كثيرة، فمثلاً لا نحتاج إلى التفكير كل يوم في إطفاء الأنوار وإغلاق الأبواب قبل الخروج من المنزل.

وفي نهاية المطاف، يرى الباحثون أننا من أجل إيجاد حل يجعلنا نتوقف عن التحديق في الهواتف، نحتاج بداية إلى أن نعرف أن ارتباطنا بالتقنية الجديدة يتصل بغرائز قديمة للغاية، وقال كامبل: «إنها مشكلة جديدة كما أنها بطريقة ما المشكلة القديمة نفسها التي طالما واجهتنا كبشر، وهي الحاجة الأساسية للاتصال والتغلب على الحدود الفاصلة بين الذات والآخر، وهو ما أدعوه الحالة الإنسانية».

 

 

تويتر