بعد إطلاق «سبيس إكس» الدفعة الثانية من الأقمار الاصطناعية للمشروع

علماء يحذرون: «ستارلنك للإنترنت» يوّلد «قمامة فضائية مرعبة»

«سبيس إكس» التي يقودها إيلون ماسك تعتزم نشر 42 ألف قمر اصطناعي حول الأرض. غيتي

تعالت خلال الأيام الماضية أصوات العديد من علماء الفلك والفضاء، محذرة من النتائج الوخيمة والخطرة لمشروع شركة «سبيس إكس» الأميركية المتخصصة في هندسة الطيران والفضاء الجوي والرحلات الفضائية، التي يقودها خبير التقنية الأميركي إيلون ماسك، لنشر 42 ألف قمر اصطناعي حول الأرض بحلول عام 2037، وذلك بهدف توفير خدمة الإنترنت الفضائية السريعة بكلفة رخيصة ضمن مشروع يعرف بـ«ستار لينك للإنترنت الفضائية».

ورأوا أن المشروع سيقتل علم الفلك على الأرض، لكونه يعرقل عمل التليسكوبات الأرضية بسبب الضوضاء الضوئية الكثيفة التي ستنتج عن هذا العدد الهائل من الأقمار، فضلاً عن توليد قدر هائل ومرعب من «القمامة الفضائية»، التي ستنتج من الأقمار المتصادمة التي تخرج عن السيطرة، أو المتقادمة التي ينتهي عمرها الافتراضي، لتولد مئات الآلاف من قطع الخردة، وتنضم إلى أكثر من 100 مليون قطعة حالية من القمامة أو الخردة الفضائية المتفاوتة الأحجام، الناجمة عن الأنشطة الفضائية السابقة، الأمر الذي يحول هذه «القمامة» إلى كابوس يعرقل أنشطة الفضاء الخارجي، ويهدد الأرض نفسها.

ونشرت مجلة «نيتشر» العملية المتخصصة تقريراً على موقعها nature.com/‏‏‏articles تناول هذه القضية، وعرضت خلاله مخاوف العديد من العلماء والكيانات والمؤسسات العلمية العالمية المهتمة بعلم الفلك، والأنشطة الفضائية، وذلك عقب إطلاق شركة «سبيس إكس» للدفعة الثانية من أقمارها الاصطناعية التي يصل عددها إلى 60 قمراً اصطناعياً، تضاف إلى المجموعة الأولى المكونة من 60 قمراً، تم إطلاقها قبل أشهر عدة، وذلك ضمن مشروع طموح يستهدف إطلاق ونشر 42 ألف قمر اصطناعي حول الأرض بحلول عام 2027، لتوفير خدمة إنترنت عالية السرعة عبر الأقمار الاصطناعية تغطي كوكب الأرض كاملاً بكلفة رخيصة.

نجوم زائفة

يخشى العلماء من أن أقمار «سبيس إكس» الاصطناعية يمكن أن تكون ساطعة للغاية وهي تدور في الفضاء، وبسبب عددها الكبير، يمكن أن تشكل كتلة ضخمة من الضوء المتلألئ في الفضاء، ومن ثم يكون هناك احتمال بأن تبدو السماء ليلاً وكأنها مرصعة بالنجوم، في حين أنها نجوم زائفة ناجمة، وإذا حدث ذلك، فلن يتمكن الفلكيون من مراقبة الكون من الأرض.

في هذا السياق، قال عالم الفلك جيمس لوينثال، إنه إذا كان هناك الكثير من الأجسام المتحركة الساطعة في السماء، فإن ذلك سيعقّد عملنا بشكل كبير، ويحتمل أن يهدد علم الفلك نفسه، ويجعل استمراره أمراً مستحيلاً.

وتابع: «عندما أطلقت (سبيس إكس) أول مجموعة من أقمار (ستارلينك)، رصد بعدها أشخاص من أنحاء العالم قطار الأقمار الاصطناعية متلألئاً مثل النجوم، وشعرت ساعتها كما لو أن الحياة كفلكي وعاشق لسماء الليل لن تكون هي نفسها، فعلى الرغم من أن معظم أقمار ستارلينك انتقلت بعد ذلك الحين إلى نطاقات أعلى من المدار، فإن بعضها لايزال مرئياً في المناطق الريفية ذات الأجواء الليلية المظلمة، لذلك إذا أطلقت (سبيس إكس) آلافاً أخرى من الأقمار الاصطناعية، فإن هناك احتمالاً بأن تبدو السماء وكأنها تزحف مع النجوم».

أول الضحايا

ذكر تقرير «نيتشر» أن هناك تليسكوباً متطوراً يجري نصبه في تشيلي، ومقرر الانتهاء منه في عام 2022، ويحمل اسم «تليسكوب المسح الكبير السينوبتي» أو تليسكوب «إل إس إس تي». ووفقاً لتقديرات العلماء فإن هذا التليسكوب ربما يكون أول ضحايا مشروع «ستارلينك»، فهو مصمم للبحث في الفضاء العميق وفائق البعد عن كائنات خافتة بعيدة، وسيدرس القوى الغامضة للمادة المظلمة والطاقة المظلمة، ويرصد ويعمل مخططات للكائنات التي تتغير أو تتحرك عبر السماء، بما في ذلك الكويكبات التي يحتمل أن تكون خطرة، والتي تطير بالقرب من الأرض بشكل خطر.

ولأنه فائق الحساسية، ويعمل في نطاق واسع بعيد المدى، فإنه يمكن أن يلتقط بسهولة هذه النجوم الزائفة من «ستارلنك»، ولذلك يشعر الباحثون القائمون على المشروع بقلق عميق من أن الأقمار الاصطناعية في «ستارلينك» يمكن أن تعبث بالبيانات التي يتعامل معها التليسكوب، إذ يمكن لقمر اصطناعي واحد أن يولد سلسلة طويلة من الضوء عبر صور التليسكوب الطويلة للسماء، ما يولد إشارات خاطئة.

قمامة فضائية

وأشار العلماء في التقرير إلى مسألة القمامة الفضائية، والخوف من أن يرفع مشروع «ستارلينك» من احتمالات حدوث الحالة المعروفة بين الباحثين والعلماء في مجال الفضاء باسم «متوالية كيسلر»، نسبة إلى أحد علماء الفضاء الذي قدم سيناريو محاكاة في سبعينات القرن الماضي، افترض فيه نظرياً أن ازدياد القمامة الفضائية، يمكن أن يؤدي إلى حدوث سلسلة متتابعة نهايتها غير معروفة من الاصطدامات. ويقصد بذلك أن قطع القمامة أو الخردة الفضائية تولدت في الأصل عن انفجار وتحطم واصطدام مركبات وصواريخ وأقمار سابقة، وباتت تسبح في الفضاء بسرعات خارقة، تجعل كلاً منها قادراً على تفتيت أي جسم يصطدم به، ويحوله إلى قطع أصغر، ما يرفع عدد قطع الخردة، وبالتالي يرفع احتمالات الاصطدام، فيزداد بالتالي احتمالات التفتيت والتحطم، وهكذا، يتسع نطاق هذا الأمر، ليشكل نطاقاً خطراً من الاصطدامات المتوالية، يصعب عبوره بصواريخ أو مركبات منطلقة من الأرض، ومن ثم يصبح الخروج من الأرض للفضاء الخارجي خطراً، ويزداد الأمر سوءاً، حتى يصبح مستحيلاً.

ويرى العلماء أن نشر 42 ألف قمر اصطناعي في مدار متقارب، سيعمل على جعل «متوالية كيسلر» أكثر احتمالاً وحدوثاً، ويقولون إنه «كابوس بكل المقاييس».

أقمار سوداء

قالت شركة «سبيس إكس» لأبحاث الفضاء إنها ستطلي أقمارها باللون الأسود على الجوانب التي تواجه الأرض، ما يجعلها أقل انعكاساً، لكن الفلكيون يرون أن تليسكوباً مثل «إل إس إس تي» سيظل قادراً على اكتشاف ضوء الأقمار الاصطناعية، كما أن الطلاء الأسود لن يفعل شيئاً لتغطية موجات الراديو، لأن الاتصالات عبر أقمار «ستارلنيك» تستخدم أطوالاً موجية مماثلة لتلك التي تستخدمها التليسكوبات الراديوية على الأرض.

تويتر