«غوغل» اعتبرتها غير دقيقة.. وأكاديميون أكدوا أنها تقود إلى قرارات خاطئة

جدل حول الاعتماد على الترجمة الآلية عبر الإنترنت في الأعمال الحكومية

أبرز مشكلات الترجمة الآلية التعامل بسطحية مع النص وعدم القدرة على «فهم السياق» بعمق. من المصدر

على الرغم من استخدام الملايين حول العالم أدوات الترجمة الآلية عبر الإنترنت في ترجمة الكثير من الكلمات والنصوص يومياً، فإن جدلاً كبيراً تفجر، أخيراً، حول قيام الأجهزة الحكومية والرسمية بالقبول بتلك الترجمة كوسيلة معتمدة، يمكن الاستناد إليها في اتخاذ قراراتها المتعلقة بالعمل.

وأفادت شركة «غوغل» الأميركية، صاحبة أكبر خدمة ترجمة آلية عبر الإنترنت وهي «غوغل للترجمة»، أن الترجمة الآلية ليست دقيقة في كل الأحوال، وليست بديلاً للمترجمين البشر، ناصحة بعدم الاعتماد عليها وحدها في الأعمال الرسمية، فيما قال أكاديميون وباحثون متخصصون في «معالجة اللغات الطبيعية» إن الترجمة الآلية لاتزال تقدم ترجمات مثيرة للسخرية، وتقود إلى قرارات خاطئة عند تعاملها مع اللهجات واللغات العامية.

وأثير هذا الجدل بعد قرار دائرة الهجرة والجنسية الأميركية التوسع في استخدام الترجمة الآلية عبر الإنترنت، في فحص حالة المتقدمين للحصول على تأشيرات الدخول، وطالبي الهجرة إلى الولايات المتحدة، واللاجئين وغيرهم، وذلك من خلال الاعتماد على هذا النوع من الترجمة في ترجمة المحتوى الموجود بحسابات هؤلاء الأشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات النشر الإلكترونية المختلفة.

«النص والسياق»

ومع احتدام الجدل بخصوص ذلك، تركز الحديث حول مجال «معالجة اللغات الطبيعية»، أو ما يعرف بتقنيات «إن إل بي»، التي تعتبر إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي، لكونها تمثل المكون الرئيس لتقنيات الترجمة الآلية عبر الإنترنت. وعبر عدد من الخبراء والمتخصصين في هذا المجال بكلٍّ من القطاع الأكاديمي، ومراكز البحوث والتطوير في الشركات التجارية، والمنظمات غير الهادفة إلى الربح، عن أن الوقت لم يحن بعد للاعتماد كلياً على الترجمة الآلية عبر الإنترنت، في اتخاذ قرارات تتعلق بالأعمال الرسمية لكيانات ووحدات تابعة للدول أو الحكومات.

وأرجعوا السبب الرئيس في ذلك إلى أن الترجمة الآلية لاتزال تتعامل بصورة سطحية إلى حد ما مع النصوص، حيث يتوقف تعاملها في كثير من الأحيان على فهم معاني الألفاظ المفردة، ومعاني الجمل والتركيبات في صورتها المباشرة، لكنها لم تتعمق بالصورة الكافية في فهم وإدراك «السياق» الكامل للمعاني الكامنة في النص، وهي قضية ذات أبعاد ثقافية ومجتمعية، تتجلى في أوضح صورها، عندما يتعلق الأمر بترجمة اللهجات المحلية، واللغات العامية، والتعبيرات الأدبية ذات المعاني والأبعاد البلاغية، المتنوعة الدلالات، التي يحكمها «سياق ثقافي» متنوع، ففي كثير من هذه الحالات، تأتي الترجمة مثيرة للسخرية، وغير معبرة، وتقود لقرارات خاطئة.

تحذير

وفي رسالة بعثت بها عبر البريد الإلكتروني، رداً على استفسارات لمحرري موقع «بيزنس إنسايدر»، الذين نشروا تقريراً حول هذه القضية، حذرت «غوغل» من الاعتماد على خدمة ترجمتها الشائعة في المهام الرسمية المعقدة، وقالت إنها لا تهدف لأن تكون بديلاً للمترجمين البشر أو تحل محلهم.

وقال أستاذ العلوم المعرفية في جامعة إنديانا، دوغلاس هوفستادتر، الذي درس اللغة والتشابه، إنه «من السذاجة أن يعتمد المسؤولون الحكوميون على الترجمة الآلية عبر الإنترنت في أعمالهم، مثل اعتماد الحكومة على الترجمة التلقائية للتنقيب في حسابات وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة باللاجئين، فهذا أمر مزعج ومن المحتمل أن يكون مملوءاً بالأخطاء، نظراً لأن خدمات الترجمة الآلية غير مصممة لتحليل الفوارق الدقيقة أو التعرف إلى اللغات العامية، وبالتالي قد تخطئ الجهات الحكومية في فهم المعنى الحقيقي للمحتوى، أو تفوت أي تهديد فعلي».

أمر صعب

من جانبه، قال أستاذ معالجة اللغات الطبيعية في جامعة سان فرانسيسكو، ديفيد جي بريزان، إنه «يتم تدريب خدمات الترجمة الآلية عادة باستخدام النصوص التي تمت ترجمتها بالفعل، والتي تميل إلى استخدام خطاب رسمي أكثر، مثل وثائق الأمم المتحدة الرسمية، لكن هذا قد لا يكون كافياً، لأن اللغة تنمو وتتجدد وتكرر بسرعة كبيرة، خصوصاً بين الشباب، ما يجعل من المحتم أن تتطور الترجمة الآلية بالسرعة نفسها». وأوضح أن هذا أمر صعب، لأسباب عدة، منها السياق غير النصي المتمثل في مقاطع الفيديو والصور والمجموعات المشاركة في المحادثة وعلاقتها والمراجع الثقافية تضيع بالكامل عند الترجمة الآلية، ومواجهة ذلك يتطلب ما أطلق عليه «محو الأمية الثقافية عبر اللغات وعبر الأجيال»، وهذا أمر مستحيلة مواجهته أو تحقيقه حتى الآن على الأقل.


اختبار

أجرت منظمة «بروبابليكا»، وهي عبارة عن غرفة أخبار، تنتج صحافة استقصائية لتحقيق المصلحة العامة، تحقيقاً استقصائياً حول استخدام الترجمة الآلية عبر الإنترنت في الجهات الرسمية. وخلال الاختبار طلبت من أساتذة متخصصين في اللغة، نسخ ولصق تغريدات منشورة عبر «تويتر»، ومكتوبة بلغات غير رسمية في خدمة «غوغل للترجمة»، ومقارنة النتائج بالطريقة التي يكتبون بها هذه التغريدات، حيث شمل ذلك تغريدات مكتوبة بلغات عدة. وجاءت النتائج مخيبة للآمال، فمثلاً تمت ترجمة نص من الأردية معناه الحقيقي «والدي يضرب كثيراً لكن لديه الكثير من الحب»، على أنه «الضرب كبير جداً والحب عاصف جداً».

تويتر