يتركز على مادة منه تلزم المواقع بمراجعة كل حرف وصورة وفيديو ورسم قبل النشر

خلاف شديد بين صانعي وناشري المحتوى على القانون الأوروبي للنشر عبر الإنترنت

توقعات بأن يستمر الصراع بين الطرفين المتنافسين على محتوى الفضاء الرقمي حتى سبتمبر المقبل. من المصدر

مع إقرار اللجنة التشريعية للاتحاد الأوروبي بصفة مبدئية مسودة القانون الأوروبي الجديد للنشر على الإنترنت، دخل الطرفان المتنافسان على المحتوى في الفضاء الرقمي جولة «صراع وخلاف» حقيقية، لا يمكن التنبؤ بنتائجها بسهولة، لأن الطرف الأول يمثله مؤسسات صناعة الترفيه والموسيقى والأغاني والكتب والصحافة والإعلام والمصنفات الفكرية على اختلاف أنواعها، فيما يمثل الطرف الثاني شركات ومنصات معالجة وتخزين ونشر المحتوى عبر الإنترنت، التي يقف وراءه التكتل المعروف باسم «جافام»، أو شركات «غوغل» و«أبل» و«فيس بوك» و«أمازون» و«مايكروسوفت» الأميركية، والذي يشكل مجتمع الطرف «فوق العملاق» الذي يتربع على عرش الإنترنت، وينعم بحصة الأغلبية الساحقة من عائدات نشر والاتجار في المحتوى في الفضاء الرقمي، المقدرة بمئات المليارات من الدولارات سنوياً.

وتوقعت مواقع تقنية عدة أن تستمر هذه الجولة وتتصاعد حتى يوليو، وربما سبتمبر المقبلين، وهو التوقيت الذي يستكمل فيه الاتحاد الأوروبي إجراءات إصدار القانون، بما في ذلك التصويت في الجلسات النهائية للبرلمان الأوروبي، ثم موافقة حكومات دوله على القانون، وغيرها من الإجراءات الأخرى.

الطرف الأول

ويركز الطرف الأول سلاحه الأساسي في مادة واحدة تحمل الرقم «13» في القانون المقترح، والتي تقضي بأن كل منصة أو موقع على الإنترنت، صغرت أو كبرت، عليها أن تقوم بمراجعة كل حرف وكل نص وكل صورة وكل فيديو وكل رسم، وأي شكل من أشكال المحتوى قبل نشره، للتأكد من أنه غير مسروق وغير منقول عن محتوى ألفه وأبدعه وكتبه وصوره مؤلف أصلي، ومحمي بقوانين حقوق الملكية الفكرية، وإذا ما كان هذا المحتوى نابعاً من مؤلف آخر غير الذي قدمه للنشر يتم حجبه وعدم نشره.

الطرف الثاني

«نصر حقيقي»

أعلنت العديد من النقابات المهنية العالمية، مثل اتحادات الصحافيين، ونقابات إنتاج الأعمال الفنية، عن ترحيبها بالتشريعات الأوروبية الجديدة للنشر عبر الإنترنت، معتبرة إياها «نصراً حقيقياً على عمالقة الإنترنت الذين اعتقدوا أنهم يفرضون قواعد لعبتهم بلا حسيب أو رقيب»، على حد تعبير تلك النقابات.

أما الطرف الثاني فإن سلاحه يتركز حول أن تلك المادة تؤدي إلى «تقويض وتدمير الإنترنت» عبر فرض قواعد ليس لها آليات تنفيذ موثوق بها على نحو دقيق وشفاف وعادل، لأنه لا يوجد حتى لدى أكبر الشركات حلول وأدوات تقنية جاهزة بمقدورها تصفية هذا الكم الهائل من المحتوى الذي يتدفق عبر منصاتها على مدار اللحظة، والحكم على ما إذا كان مملوكاً لطرف آخر أم مسروقاً أو منقولاً بصفة غير قانونية. وإضافة إلى ذلك، فإن منطق «الفلترة» والتصفية والمراجعة لن تكون من الناحية العملية في جوهرها سوى رقابة صارمة مسبقة على ما ينشر، بأكثر مما هي حماية لحقوق المؤلف والمبدع، ثم لن تقود إلى حماية الإبداع، بل إلى إنهاء حرية التعبير التي هي المنبع الأول للإبداع ذاته.

تعديلات

وجاءت موافقة اللجنة التشريعية للاتحاد الأوروبي على القانون والمادة «13» منه تحديداً، أشبه بالولادة العسرة، إذ إنه بعد أشهر من النقاشات، أقر النواب القانون بأغلبية 13 صوتاً لمصلحة هذا البند، مقابل 12 ضده، فيما صوتوا لبند آخر يفرض على منصات مثل «غوغل» و«فيس بوك» تقاسم إيرادات مع مواقع إلكترونية تابعة لصحف ووكالات أنباء وناشرين آخرين، عندما يرد محتوى هؤلاء في تلك المنصات، حيث تمت الموافقة على هذا البند بـ15 صوتاً مقابل 10 أصوات.

وأكدت مصادر النواب المؤيدين للقانون، أن التعديلات هدفها إنهاء حالة الالتباس هذه، التي تجعل أصحاب المحتوى عاجزين عن طلب حقوق مادية مقابل نشر أو بث ما ينتجونه في نطاق معروف شيق، ثم يجدونه في فضاء رقمي واسع النطاق. وأجمع المهنيون المتابعون على أن ما يفقده المنتجون جراء ذلك الالتباس كبير جداً، وأن التعديلات التشريعية ستسمح بمكافأة هؤلاء بشكل أفضل يسمح لهم بالاستمرار والنمو، بدلاً من حالة التقهقر التي يعيشونها الآن، مشيرين إلى أن أزمة الصحف الورقية خير مثال على تلك المعاناة التي يفترض أنها ستخف حدتها مع التشريعات الأوروبية الجديدة، ومن ثم فهذا التقدم يعد «إنجازاً كبيراً»، لأنه تحقق رغم قوى الضغط الهائلة التي استخدمتها مجموعة «جافام».

«آباء الإنترنت»

في المقابل، تحركت مجموعة «آباء الإنترنت» لمناهضة القانون، وانضمت إلى معسكر «جافام»، وإن كانت قد التزمت في تحركها بما ترى أنها القيم الأساسية التي قامت الإنترنت على أكتافها. وضمت هذه المجموعة كلاً من مبتكر بروتوكول الإنترنت الأساسي «تي سي بي آي بي»، فين سيرف، الملقب «أبوالإنترنت»، ومخترع الـ«ويب»، تيم برنارد لي، ومؤسس ويكيبيديا، جيمي ويلز، ومؤسس أرشيف الإنترنت، بروستر كاهلي، وأكبر خبير في تشفير الإنترنت، بروس شناير، وغيرهم، الذين كتبوا في رسالة إلى الاتحاد الأوروبي: «بصفتنا مبدعين أنفسنا، نشارك في القلق من أنه يجب أن يكون هناك توزيع عادل للعائدات من الاستخدام عبر الإنترنت لأعمال حقوق الطبع والنشر، التي تعود بالنفع على المبدعين والناشرين والمنصات على حد سواء، لكن المادة (13) ليست الطريقة الصحيحة لتحقيق ذلك، فمن خلال إجبار منصات الإنترنت على توفير أداء التصفية التلقائية لكل المحتوى الذي يقوم المستخدمون بتحميله، فإنها تتخذ خطوة غير مسبوقة نحو تحويل الإنترنت من منصة مفتوحة للمشاركة والإبداع، إلى أداة المراقبة التلقائية والتحكم لمستخدميها».

تويتر