اكتشفه مركز أبحاث سويسري.. ويمزج بين البرمجيات و«نظم التحليل الطيفي»

نظام تقني يقرأ أفكار مرضى «الشلل التام» ويساعدهم على التواصل

النظام قام بتحليل نشاط المخ الذي يحدث عند توجيه أسئلة للمرضى، تحتمل الإجابة «بنعم» أو «لا». أرشيفة

بعد أيام قليلة من احتفاء عالم التقنية بـ«البدلة الروبوت»، التي ساعدت أحد مرضى الشلل النصفي، على الوقوف والمشي، أعلن مركز أبحاث سويسري، أخيراً، عن نجاحه في تصميم وتشغيل (نظام معلومات) يمزج بين البرمجيات و«نظم التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة»، لقراءة أفكار المرضى المصابين بـ«متلازمة المنحبس التامة» أو «الشلل التام»، الذي يجعل مصابيه يفقدون القدرة على تحريك أي شيء بأجسامهم، حتى جفون العين، ولا يستطيعون النطق، في حين يظل المخ لديهم يعمل بكامل طاقته.

جهد بحثي ضخم

أكّد الباحث الرئيس بمركز بحوث «وايس» السويسري، الدكتور نيلس بيرباومر، أنه رغم أن هذا الجهد الضخم انتهى بمجرد قراءة كلمتين فقط ممّا يجري بعقل الانسان، هما (نعم ولا)، إلا أن ما حدث يعتبر ذا قيمة عالية، لأن قراءة (نعم ولا) من داخل عقل المريض بواسطة الحاسب، تفتح أمامه باباً للتواصل مع المحيطين به، وتمنح حياته معنى، لأنه لا قيمة للحياة من دون تواصل، وسيكون مجرد رؤيته للإجابة على الشاشة أمامه أمراً طيباً بالنسبة له.


• وزن النظام بمكوناته بين خمسة وسبعة كيلوغرامات، ويمكن استخدامه منزلياً.

• المركز لم يحدد كلفة النظام، لكنه مشمول بالتغطية التأمينية.

وأكد المركز أن النظام قام بتحليل نشاط المخ الذي يحدث عند توجيه أسئلة لهؤلاء المرضى، تحتمل الإجابة «بنعم» أو «لا»، ثم استخدم هذه التحليلات في قراءة أفكار المريض، وهل تعبر عن الإجابة «نعم» أم «لا». وتم عرض النتيجة على شاشة الحاسب لتتحقق بذلك الخطوة الأولى نحو قراءة ما يدور بعقل الإنسان من أفكار بواسطة الحاسب دون أن ينطق به.

بحوث «وايس»

وحقق هذا الإنجاز فريق بحثي بمركز بحوث «وايس» السويسري، برئاسة الدكتور نيلس بيرباومر، الباحث الرئيس بالمركز، والمتخصص في دراسات وبحوث الأمراض العصبية الحركية، خصوصاً المرض المعروف بـ«متلازمة المنحبس التامة» أو حالة «الشلل التام». ويقصد بها الحالة المرضية التي يكون فيها المريض في حالة استيقاظ ووعي، لكنه غير قادر على التواصل الشفهي مع الآخرين، بسبب كونه في حالة شلل كامل لكل عضلاته الإرادية، حتى عضلات الجفون، وبالتالي يصبح فيها المريض محبوساً أو محاصراً في جسده، وغير قادر على التواصل مع من حوله.

وفي لقاء مع شبكة «زد دي نت»، zdnet.com، المتخصصة في التقنية، شرح بيرباومر هذا النظام والفكرة الأساسية التي يقوم عليها، موضحاً أن النظام يحمل اسم «واجهة التفاعل بين الحاسب والمخ»، وهو يتكون من جزأين، الأول، نظام لرصد ومتابعة وتحليل النشاط الحيوي للمخ، وهو عبارة عن «طاقية» توضع على رأس المريض، ومغطاة بأجهزة استشعار بصري، وتعمل بتقنية «التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة»، وتستخدم الليزر في قياس النشاط «الأيضي» أو الحيوي بالمخ.

حزمة برمجيات

بينما يتضمن الجزء الثاني، حزمة برمجيات معقدة متخصصة في تلقي المعلومات الواردة من التحليل الطيفي وأشعة الليزر عن نشاط مخ المريض، وتحليلها بعمق لتوليد ما يمكن وصفه «ببصمة» نشاط المخ، أو شكل وطبيعة النشاط الذي يظهر بالمخ عندما تجول «خاطرة» أو فكرة ما في عقل المريض، بحيث تعبر كل بصمة عن شيء أو معنى محدد، يقوم النظام بترجمتها إلى معنى ما، ثم التعبير عن هذا المعنى على الشاشة في صورة كلمات. وفي التطبيق العملي لهذه الفكرة، اقتصرت جهود الباحثين على تحليل النشاط الذي يحدث بالمخ، حينما يتم توجيه سؤال للمريض، والإجابة عنه بكلمة (نعم أو لا)، وذلك لاستخلاص والتعرف الى بصمة هاتين الكلمتين في المخ، ثم ادخال معناهما للنظام، ليقوم بإظهارهما على الشاشة، حينما يطرأ على ذهن المريض أن يقول (نعم أو لا).

وقال بيرباومر: «من الناحية الفسيولوجية أو الوظيفية، حينما يتم توجيه سؤال للمريض يتطلب (نعم أو لا)، يقوم جزء من المخ بالعمل استعداداً للإجابة»، مضيفاً أنه في تلك الأثناء التي تستغرق ثواني أو ربما جزءاً من الثانية، تطلب خلايا المخ المعنية بالإجابة، مزيداً من الأكسجين من الدم، فيزداد تدفق الدم والأكسجين بالمنطقة الموجود بها هذه الخلايا.

وأضاف: «هنا يقوم النظام بقياس كمية الدم التي يتم توزيعها بهذه المنطقة من المخ، باستخدام (التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة)، ثم نقل هذه البيانات إلى حزمة البرمجيات الموجودة بالنظام، والتي تقوم بدورها بتحليل البيانات وتحويلها إلى ما يشبه البصمة أو الصورة التي تظهر بها، وهذه البيانات تتضمن استجابات سلبية دالة على الإجابة بـ(لا)، أو استجابات إيجابية دالة على الإجابة بـ(نعم)، ومن خلال سؤال المريض، وهو يرتدي هذه الطاقية، ثم مشاهدة أيٍّ من مناطق المخ التي أضاءت أو حدث بها النشاط وطبيعة الاستجابة السلبية والإيجابية، يستطيع النظام معرفة ما إذا كان المريض يقول نعم أم لا».

ولأن المساحات المسؤولة عن إجابات (نعم أو لا) توجد في الجزء نفسه من المخ للشخص نفسه، يمكن تدريب حزمة البرمجيات على إجراء تحليلات خاصة، يتم على أساسها بناء شكل البصمة الخاصة بالمنطقة التي توجد لدى كل مريض منفرداً.

وتابع بيرباومر أن البرنامج يقوم أولاً بتحديد هل الاختلاف في الشكل الخاص بالاستجابة بنعم أو لا، يبدو واضحاً بشكل كافٍ في المخ أم لا، وإذا كان الاختلاف واضحاً بشكل ملحوظ، فإن النظام يظهر رسالة على الشاشة، تقول إن هذه إجابة مؤكدة بـ(نعم) أو إجابة مؤكدة بـ(لا).

وتمّت تجربة النظام بصورة مبدئية على أربعة مرضى، حيث وجهت لهم أسئلة، مثل: هل باريس عاصمة الولايات المتحدة؟ وتبين أن النظام لابد أن يتعلم ويفهم بصمة كلمة «لا» وكلمة «نعم» لكل مريض منفرداً، بمعنى أن كل نسخة من النظام تستخدم لمريض واحد، ويتم تدريب النظام حتى تتم تهيئته تماماً للتعامل مع المريض، وبعد ذلك يمكن المضي قدماً في استخدامه من قبل الأصدقاء، والقائمين على الرعاية الطبية.

ونجح فريق البحث والشركات التقنية المتعاونة معه، في خفض وزن النظام ليراوح بين خمسة وسبعة كيلوغرامات، ويصبح في صورة تسمح باستخدامه منزلياً مع المرضى، وليس في المستشفيات فقط، ولم يكشف المركز عن كلفة هذا النظام، وإن كان قد أشار إلى أن النظام تتم تغطية تكاليفه من قبل شركات التأمين الطبي.

تويتر