مع انتشارها بمعدلات لافتة وتزايد أعبائها على الشركات والمؤسسات مع الوقت

«داتاميير» تنصح بمكافحة «البيانات المظلمة» بأدوات «متكاملة الوظائف»

«البيانات المظلمة» يمكن أن تتحول إلى مصدر خصب للفرص الضائعة والقرارات المتخبطة داخل المؤسسات. من المصدر

مع تزايد أدوات جمع وتوليد وتداول البيانات أصبح هناك عشرات الآلاف من المؤسسات والمنظمات والشركات، على اختلاف أنواعها وأحجامها، التي تعاني ظاهرة «البيانات المظلمة»، أو البيانات والمعلومات التي تتوالد وتتناثر باستمرار هنا وهناك، بطريقة غير مفهرسة، ما يؤدي إلى تراكمها فوق بعضها، ويحجب بعضها البعض الآخر وبالتالي تسودها جميعاً حالة «إظلام»، فتصبح عملياً غير ذات جدوى أو قيمة، متحولة إلى عبء يضغط على الشركات والمؤسسات، ويعرضها لإرهاق مادي وإداري مستمر من دون القدرة على الاستفادة منها واستخراج ما فيها من قيمة.

وقد خلص إلى هذه النتيجة التحذيرية تقرير أعده أحد كبار المديرين في شركة «داتاميير»، المتخصصة في حلول ونظم تحليل البيانات الضخمة datameer.com، أندرو بروست، ونشرته المدونة الخاصة بالشركة، لكن التقرير نصح بالمقابل الشركات والمؤسسات باستخدام أدوات تحليل «متكاملة الوظائف» لمكافحة ظاهرة «البيانات المظلمة»، لافتاً إلى خطورة هذه الظاهرة، لكونها تتسارع بمعدلات لافتة وتتزايد أعباؤها مع الوقت، وتتحول إلى مصدر خصب للفرص الضائعة والقرارات المتخبطة داخل المؤسسات.

نقاط ضعف

طريقة صعبة

أكد أحد كبار المديرين في شركة «داتاميير» المتخصصة في حلول ونظم تحليل البيانات الضخمة datameer.com، أندرو بروست، أن الاعتماد على أدوات تحليل متكاملة متعددة الوظائف، لمكافحة «البيانات المظلمة»، يعد طريقة صعبة على الكثير من الشركات والمؤسسات، خصوصاً التي ليس لديها القدرات والكفاءات اللازمة والتمويل الكافي، لكنه أشار إلى أن هذه الطريقة ملهمة لحلول تناسب الشركات والمؤسسات الأصغر حجماً.

- «البيانات المظلمة» تتوالد وتتناثر باستمرار بطريقة غير مفهرسة.

- السوق تعج بأدوات تعامُل مع البيانات الضخمة تركز على مرحلة دون سواها.

وركز تقرير بروست بصفة أساسية على ما رصده من نقاط ضعف واضحة في أساليب واستراتيجيات مكافحة هذه البيانات، بل وحتى مستوى الوعي بها على نحو سليم داخل قطاعات واسعة من العاملين في مجال الأعمال التجارية والصناعية والخدمية، إذ كانت سبل المواجهة هي النقطة المحورية التي استحوذت على القدر الأكبر من التقرير وتحليلاته وتوصياته.

وقال بروست إن «أخطر نقاط الضعف التي ترتكبها المؤسسات والشركات في تعاملها مع ظاهرة (البيانات المظلمة) هي استخدام أدوات ونظم كل منها يعالج جانباً من جوانب التعامل معها على حدة، من دون وجود ترابط وتكامل في ما بينها بصورة مناسبة»، مضيفاً أن «هذا المنهج يجعل من الصعب الوصول إلى ضوء لامع، يمكن أن يشرق على (البيانات المظلمة)»، على حد قوله.

مراحل متعددة

وأوضح بروست أنه «عادة ما يتم التعامل مع تيار البيانات المتدفق على مدار اليوم عبر مراحل تبدأ بالإعداد والتجهيز ثم التحليلات، ومن ثم وضعها في صورة بصرية ورسومية تساعد على الفهم والاستخدام في صناعة أو اتخاذ قرارات متنوعة ومتتالية»، مشيراً إلى أنه «من الملاحظ حالياً أن السوق تعج بالعديد من أدوات التعامل مع البيانات الضخمة التي يركز كل منها على مرحلة من المراحل دون سواها، فنجد أدوات تقوم بوظيفة التوليد والتجميع، وأدوات ثانية تعمل على الفهرسة، إلى جانب أدوات ثالثة للتحليل، ورابعة للتمثيل البصري والبياني والرسومي، لكن هناك القليل جداً من الأدوات التي يمكنها أن تتعامل مع هذه الوظائف المتعددة في وقت واحد، بما يتناسب واحتياجات كل مؤسسة على حدة».

التطوير أثناء العمليات

ونصح بروست في هذه النقطة بأن تلجأ المؤسسات، لاسيما الكبرى منها، إلى أدوات ونظم للتعامل مع البيانات الضخمة، قابلة للتوافق مع منهجية التطوير أثناء العمليات أو ما يعرف بطريقة «ديف أوبس»، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى مجموعة من الممارسات التي تؤكد على التعاون والتواصل بين كل من مطوري البرمجيات ومتخصصي تقنية المعلومات المحترفين في أثناء ميكنة عملية نشر البرمجيات وتغيير البنية التحتية المخصصة للتعامل مع البيانات الضخمة.

وبين أن «هدف هذه المنهجية هو بناء ثقافة وبيئة يمكن أن يحدث فيها بناء واختبار وطرح وتشغيل البرمجيات وأدوات التعامل مع البيانات بسرعة وبصورة متكررة وأكثر ضماناً وثقة، وبصورة نابعة من خصوصية بيئة العمل داخل المؤسسة نفسها»، لافتاً إلى أن «هذا من شأنه أن يضمن الوصول إلى حلول تمنع تراكم البيانات فوق بعضها بعضاً، وتحول دون تحولها إلى بيانات مظلمة يصعب الحصول على ما فيها من فائدة».

تجربة ميدانية

ولمزيد من التوضيح عرض بروست في تقريره تجربة ميدانية حقيقية، تم فيها تطبيق منهجية التطوير أثناء العمليات أو «ديف أوبس» مع «البيانات المظلمة» المتراكمة لدى واحدة من شركات الخدمات المالية العملاقة. وفي هذه التجربة تم استخدام إحدى أدوات التعامل مع البيانات الضخمة تدعى «التريكس»، تتميز بكونها تؤدي وظائف متعددة وليس وظيفة واحدة، فضلاً عن قابليتها للتطوير بمنهجية «ديف أوبس». وخلال التجربة تمت المعالجة والموالفة بين مجموعات البيانات، سواء كانت مدفونة في ملفات السجلات، أو نقاط البيع أو غيرها، للحصول عليها في صورة ذكية، بدلاً من أن تكون كامنة ومحجوبة، وبعد ذلك بدأت عمليات إزالة كل ما ليس له قيمة، وجعل البيانات متألقة وجاهزة للملاحظة والتحليل.

وفي مرحلة التحليل، جرى التركيز على بيانات منصات التداول في سوق المال، للعثور على علاقة بين أنماط تداول ومعينة، وحوادث مختلفة من الاعتداء وإساءة الاستخدام، مثل غسيل الأموال على سبيل المثال.

وفي بداية التحليل بدت العلاقة عَرضية وغير واضحة بين ما يمكن الاشتباه في كونه غسيل أموال، وبين أنماط البيانات المتاحة، لكن مع التقدم في التحليل والتنقيب في مزيد من البيانات، تم تحديد علاقات واضحة ومتينة بين سلوكيات غسيل الأموال، والبيانات المسجلة أثناء عمليات التداول، وانتهى المطاف بتحديد سلسلة من العلاقات التي اعتبرت «مفتاحاً» للكثير من الحالات غسيل الأموال.

وبالوصول إلى هذه المرحلة بدأت مرحلة الإضافة والتطوير على أداة التحليل نفسها، حيث عمل موظفو الشركة أنفسهم بأخذ البيانات التي تم تحليلها، وبدا منها أن لها علاقة بأنشطة غسيل الأموال، وبنوا نموذجا تنبؤياً منها، وهو ما سمح في النهاية بالكشف عن أنشطة غسيل الأموال اللاحقة وهي في بدايتها وضبط المشاركين فيها.

والمثير للإعجاب في هذه التجربة أن شركة الخدمات المالية طورت من علاقتها بأدوات التحليل، وبدلاً من أن تشتري تراخيص باستخدامها من الشركة المنتجة، قررت الاستحواذ على شركة البرمجيات بكاملها، وتحويل التقنية التي تعمل بها إلى محور رئيس لنظم تحليلات البيانات الضخمة الموجودة في الشركة.

تنبؤ قابل للتكرار

ووصف بروست هذا المشروع بأنه ناجح بكل المقاييس، مبيناً أنه اختار أدوات تحليل متكاملة متعددة الوظائف، ثم جرى تنفيذه بمنهجية التطوير أثناء العمليات، التي أضاف فيها المتعامل إضافات مهمة وجوهرية من جانبه، الأمر الذي جعل بإمكان الشركة تبديد «الظلمة» عن البيانات المتراكمة لديها، وإنارتها من مختلف جوانبها بأدوات «إنارة البيانات»، حيث كانت أولى الثمار أنها امتلكت نموذجا تنبؤياً خاصاً بالكشف المبكر عن عمليات غسيل الأموال، ولم يكن هذا النموذج سوى «بادرة» أمكن التعلم منها في أغراض كثيرة تالية.

وهذا الأمر جعل بروست يقول عن هذه التجربة إنها «انتصار تقني أخلاقي»، بدأ بالإعداد والفهرسة وانتهى «بالتألق والتأنق»، لافتاً إلى أن «المتعامل تمكن من بناء علاقات جيدة في دورة حياة التيار المتدفق من البيانات الضخمة التي يملكها، ويطبق عليها نوعاً من الفهم (العميق) الذي يمكّن غير المتخصصين من المثابرة والحرص على الغوص في بياناتهم، لاستخلاص رؤى وزوايا لم يعرفوا أنها موجودة بالفعل، وهذه النقطة هي القوة الضاربة لأي جهود تستهدف مكافحة ظاهرة (البيانات المظلمة)».

تويتر