«إنتل» تقود الاتجاه الجديد بتقنية «كاميرات الاستشعار العميق»

تقنية «الواقع المدمج».. الرهان الجديد لتعليم الآلات الرؤية والتفكير

«إنتل» تواصل استحواذها على شركات ناشئة تخدم توجّهها العام بنقل صناعة التقنية بكاملها إلى تقنيات «الواقع المدمج». من المصدر

لم يكن الإعلان، أخيراً، عن قيام شركة «إنتل»، عملاق صناعة المعالجات الدقيقة والرقائق الالكترونية عالمياً، بالاستحواذ على شركة «موفيديوس» الناشئة العاملة في مجال الرقائق الإلكترونية، أمراً مفاجئاً، أو قفزاً في الفراغ، بل استكمالاً لسلسلة من الاستحواذات وعمليات الشراء التي قامت، ويتوقع أن تستمر خلال الفترة المقبلة، بها «إنتل» لشركات ناشئة وأفكار وحلول مبتكرة وجديدة، تخدم توجهها العام الذى بلورته وأعلنت عن تفاصيله رسمياً للمرة الأولى خلال منتدى مطوري «إنتل»، بداية الشهر الماضي، والخاص بنقل صناعة التقنية بكاملها إلى ما يعرف بتقنيات «الواقع المدمج». وهو مستوى جديد يتجاوز ما عرفه العالم وتعامل معه من قبل حول تقنياتها المعروفة «الواقع الافتراضي»، و«الواقع المعزز» الذي كان اشهر تطبيقاته «لعبة البوكيمون جو»، إذ ترى «إنتل» أن «الواقع المدمج» هو المرحلة التي سيتم فيها تمكين الآلات من رؤية ما حولها والوعي به، ومن ثم التفكير في التصرف حيال ما تراه بصورة مستقلة، حسبما ظهر مراراً في أفلام الخيال العلمي.

مركز معالجة

وعلى المدونة الرسمية لشركة «إنتل»، نشر الرئيس التنفيذي للشركة، برايان كرزانيش، تفاصيل مطولة حول استراتيجية «الواقع المدمج»، وفي المقابل نشرت «موفيديوس» بياناً على موقعها بشأن عملية الاستحواذ. ومن خلال التفاصيل المتاحة يتبين أن شركة «موفيديوس» هي شركة ناشئة صغيرة، لا يتعدى عدد باحثيها وموظفيها المئات، وهي تعمل في تصنيع الشرائح الالكترونية الدقيقة المدمجة المستخدمة في ما يعرف بـ«الرؤية الحاسوبية»، أو الشرائح المخصصة لمساعدة الحاسب والأجهزة الأخرى على الرؤية، أو ببساطة تصنيع شرائح دقيقة تعمل كما لو كانت مركز معالجة للصور الملتقطة من الواقع الفعلي بطريقة حية ولحظية ومتتابعة ومتصلة طوال الوقت. ويتم تركيب هذه الشريحة داخل الجهاز أو الآلة نفسها، ويمثل هذا الأمر القيمة الحقيقية والفعلية التي دفعت «إنتل» للاستحواذ عليها.

«مشروع ألوي»

في المقابل، فإن لدى «إنتل» مشروع جديد وطموح يحمل اسم «مشروع ألوي» أو «السبيكة»، والمتعلق بمفهوم «الواقع المدمج» وما يرتبط بها من حلول وتقنيات وأدوات، تستهدف جميعاً الوصول إلى مرحلة الرؤية الواقعية الحقيقية التي تدمج ما بين «الافتراضي» و«الواقعي» دمجاً كاملاً، وتتطلب تقنيات وشرائح دقيقة مخصصة لهذا الأمر، على غرار ما تصنعه «موفيديوس». ومن هنا، كان من المفيد لـ«إنتل» و«موفيديوس» معاً أن يلتقيا في كيان واحد، على الصعيد المالي والإداري والتخطيطي والبحثي والتقني، بما يشكل مزيجاً جديداً من قدرة «موفيديوس» على تصنيع الشرائح المخصصة لمعالجة الصور لحظياً، أي العمليات الخلفية للرؤية، وبين تقنية «إنتل» لكاميرات الاستشعار العميق، التي توفر المادة الخام لشريحة «موفيديوس»، لمعالجتها لحظياً، وتحقيق مهمة الاحساس والوعي بما هو محيط بالآلة أو الأداة المستخدمة، أي «جعل الآلة ترى».

«الواقع المدمج»

يختلف «الواقع المدمج» الذي تسعى إليه «إنتل» عن «الواقع الافتراضي» و«الواقع المعزز»، فـ«الواقع الافتراضي»، هو الواقع الذي يكون فيه كل شيء افتراضياً تخيلياً، لكنه مصنوع ومعروض بطريقة تطابق وجوده في الواقع الفعلي، كأن تنشئ سوقاً كاملة عبر برنامج حاسوبي وتعرضها على الشاشة، فيمكن للمستخدم استخدام «الماوس» أو وحدة تحكم ليتجول في هذه «السوق الافتراضية» التخيلية على الشاشة. أما «الواقع المعزز» فيكون فيه واقع فعلي حقيقي، يجري إسقاط أهداف تخيلية غير حقيقية عليه، أي يتم تعزيز الواقع بشيء متخيل لا أساس له في الواقع، وأقرب مثال على هذه التقنية هي «لعبة البوكيمون» الشهيرة، ففيها يتم التعامل مع المعلومات والبيانات الموجودة على الخرائط الواقعية الفعلية، المربوطة بخدمة تحديد الموقع الحية التي تتغير لحظياً مع الحركة، ويتم اسقاط «البوكيمون» على الخريطة، ليذهب ممارس اللعبة إلى منطقة «البوكيمون» لاصطياده.

أما «الواقع المدمج»، فهو يقوم على الجمع الكامل الشامل لكل ما هو واقعي، ليندمج مع ما هو افتراضي من جميع الزوايا، لينتج عن ذلك تطبيقات شديدة التنوع، لعل أبسطها وأسرعها «نظارة الرأس الافتراضية» التي عملت «إنتل» على تطويرها بتقنية «الواقع المدمج»، والتي تعمل بصورة مستقلة تماماً عن أي جهاز آخر، فليس فيها أسلاك أو متحكمات أو وسائل مساعدة، فقط يتم وضعها على الرأس والنظر فيها لتبدأ معايشة «الواقع المدمج».

كاميرات الاستشعار

والتطبيقات بعيدة المدى المستهدفة من «الواقع المدمج» تتمحور حول جعل الآلة قادرة على الرؤية فعلياً، وتستخدم «إنتل» في ذلك تقنيتها الرائدة المتقدمة المعروفة باسم «كاميرات الاستشعار العميق».

وفي هذا السياق، قال برايان كرزانيش في كلمته أمام منتدى مطوري «إنتل» إن «(الواقع المدمج) سيكون أحد التغيرات الجوهرية التي ستعيد تحديد الطريقة التي نعمل بها وكيف نرفّه عن أنفسنا وكيف نتواصل أيضاً»، فيما علق نائب الرئيس ومدير عام مجموعة «إنتل» للتقنيات الجديدة، أوش والدن، على قرار شراء «موفيديوس» بقوله إن «(إنتل) تسعى لنشر هذه التقنية عبر جهودها في (الواقع الافتراضي والمعزز والمدمج)، لتجعل آلات عديدة قادرة على الرؤية، كالطائرات بدون طيار (الدرونز) والروبوتات وكاميرات الأمن الرقمية وغيرها».

اختراقات كبيرة

وفي البيان الصحافي لـ«موفيديوس»، قال رئيس الشركة، ريمي الأوزان، وهو فرنسي من أصل تونسي، إن «منصة (موفيديوس) الرائدة لمعالجة الرؤية داخل الآلة، ستتوحد مع تقنية (إنتل) الرائدة لحلول الاستشعار العميق، وبعد الاستحواذ ستكون (موفيديوس) جزءاً من فريق يستهدف هذه التحديات بالحوسبة السحابية والشبكات والأدوات معاً، لتصنع مزيجاً رابحاً من أجل الماكينات والأجهزة ذاتية التشغيل التي يمكنها الرؤية ثلاثية الأبعاد، وتفهم ما حولها وتقوم بالملاحة استناداً الى ذلك».

وتابع: «هذه مجرد البداية، فنحن على حافة اختراقات كبيرة في الذكاء الاصطناعي، وسنرى أنماطاً جديدة من ماكينات التشغيل الذاتي مزودة بقدرات أكثر تطوراً، مع التقدم الذي نحرزه في واحدة من أكبر مجالات التحدي والصعوبة في عالم الذكاء الاصطناعي، وهو أن نجعل الآلات ليس فقط ترى، بل أيضاً تفكر».

تويتر