رفضت مساعدة السلطات بالوصول إلى محتويات هاتف «آي فون» يعود لأحد المشاركين في هجوم سان برناردينو
«أبل» تحقق مكاسب تسويقية في خلافها مع الحكومة الأميركية
«أبل» عملت بهدوء على تعزيز الخصائص الأمنية في نظام تشغيلها «آي أو إس» بمضي الوقت. غيتي
يرى البعض موقف شركة «أبل» الرافض لطلب محكمة أميركية مساعدتها في الوصول إلى محتويات هاتف «آي فون» يعود لأحد المشاركين في هجوم سان برناردينو، مطلع ديسمبر الماضي، مستنداً إلى مصالحها التسويقية والمالية، باعتبار الحفاظ على الخصوصية وأمن البيانات جزءاً من السمات المميزة لعلامتها التجارية، بينما ترى الشركة أن مساندتها للخصوصية لا ترتبط بأعمالها ومكاسبها.
وقد يسهِم نجاح «أبل» في الصين في تفسير مقاومتها الحالية لطلب الحكومة الأميركية. وتطلب نجاح الشركة في دخول السوق الصينية وإقناع أكبر شركات الاتصالات في البلاد «تشاينا موبيل» ستة أعوام، وتكررت رحلات الرئيس التنفيذي للشركة، تيم كوك، إلى الصين للاجتماع مع بعض كبار المسؤولين في الحكومة، ومحاولة إقناعهم شخصياً بالأمر. وأثمرت هذه الجهود في عام 2013 عن موافقة الحكومة الصينية على بيع «آي فون» في البلاد، وهو ما وصفه كوك لاحقاً بأنه «يومٌ فاصل» بالنسبة لشركة «أبل».
وحالياً تعد الصين ثاني أكبر أسواق «أبل» بعد الولايات المتحدة، إذ أنفق المستهلكون الصينيون 59 مليار دولار لشراء منتجات «أبل» العام الماضي، وتحول هاتف «آي فون» إلى رمز للمكانة الاجتماعية في الصين، وسبيل للأمن الشخصي، بالنظر إلى صعوبة اختراق الجهاز في بلد يقلق مواطنوه كثيراً من محاولات القرصنة والجريمة الإلكترونية.
وباتت معايير الخصوصية والأمن جزءاً من العلامة التجارية لـ«أبل»، لاسيما على الصعيد الدولي الذي تجني منه الشركة 234 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل ثلثي مبيعاتها. وفي حال وافقت «أبل» على التعاون مع إحدى الحكومات، فقد يعني ذلك قبولها بالتعاون مع الحكومات جميعاً.
وقال أستاذ القانون في جامعة «بافالو» الأميركية والمهتم بدراسة التشفير والقانون الإلكتروني، مارك بارثولوميو، إن تيم كوك يستفيد من موقفه الخاص والعلامة التجارية لشركة «أبل» في مساندة خصوصية المستهلكين، واعتبر ذلك تفكيراً يعنى بالعواقب على المدى البعيد.
وسابقاً وصف كوك الخصوصية بالواجب المدني. وخلال خطابه إلى متعاملي «أبل»، الأسبوع الماضي، ذكر طلب الحكومة الأميركية لأداة خاصة تسمح باختراق هاتف «آي فون» يعود لأحد مهاجمي سان برناردينو، وقال: «تقترح الحكومة أن هذه الأداة ستُستخدم لمرة واحدة في هاتف واحد، لكن ذلك ببساطة ليس صحيحاً، وبمجرد توفيرها يمكن استخدام التقنية نفسها مراراً وتكراراً في أي عدد من الأجهزة».
ووجد منتقدو «أبل» في المزايا التجارية التي قد تنالها الشركة عبر دعم الخصوصية منفذاً لمهاجمتها. وذكرت وزارة العدل الأميركية أمام المحكمة نهاية الأسبوع أن معارضة «أبل» للسلطات تعود إلى اهتمامها بنموذجها التجاري والاستراتيجية العامة للتسويق للعلامة التجارية.
وردّ المسؤولون في شركة «أبل» بالقول إن دفاعهم ليس خياراً تجارياً، ونفوا وجود تداعيات على أعمال الشركة. وتلقى كوك رسائل تشجيع عبر البريد الإلكتروني من المستهلكين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.
وفي الواقع لم تركز «أبل» من الناحية الإعلانية على أمن البيانات والخصوصية. وعملت الشركة بهدوء على تعزيز الخصائص الأمنية في نظام تشغيلها «آي أو إس» بمضي الوقت. وفي نهاية 2013 ومع إطلاقها «آي أو إس 7» شفرت «أبل» افتراضياً جميع البيانات التي تخزنها التطبيقات على أجهزة المستخدمين. وفي العام التالي جعل «آي أو إس 8» من المُستحيل على مهندسي الشركة استخراج أي بيانات من الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية التي تنتجها «أبل».
وقال كوك إن الشركة تبيع الأجهزة من الهواتف المحمولة والحواسيب اللوحية والمحمولة، ولا تعتمد على الجمع واسع النطاق لبيانات المستهلكين.
وخلال مؤتمر في أكتوبر الماضي، دعا كوك الخصوصية بأنها «قيمة رئيسة» لشركة «أبل»، وقال: «نعتقد أنها ستصير أكثر أهمية للمزيد والمزيد من الأشخاص مع مرور الوقت».
وفي الصين، وكحال غيرها من الشركات الأجنبية التي تبيع الهواتف الذكية، تخضع أجهزة «أبل» لفحص السلطات التنظيمية الصينية، كما تُبقي «أبل» خوادم الحاسوب داخل الصين، لكن الشركة ذكرت سابقاً أن الحكومة الصينية لا يُمكنها الاطلاع على البيانات، كما أن مفاتيح الخوادم لا تُخزن في الصين. ومن الناحية العملية وحسب القوانين الصينية تستطيع حكومة البلاد الوصول لأي بيانات مُخزنة في الصين.
وفي حال انصاعت «أبل» لطلب الحكومة الأميركية لفتح هاتف «آي فون» الخاص بأحد مرتكبي هجوم سان برناردينو، ثم طلبت بكين بعدها أداة مماثلة، فمن غير المرجح أن تتمكن «أبل» من التحكم في كيفية استخدام الصين لها، وحينها إذا ما قررت «أبل» رفض الطلب الصيني فقد تُواجه سلسلة من العقوبات. وذكر محللون أن المسؤولين الصينيين يُحاولون نيل مزيد من التحكم في التشفير وأمن الحواسيب والهواتف التي تُباع في البلاد، على الرغم من أن الحكومة الصينية، العام الماضي، تراجعت عن اقتراح يقضي بتقديم الشركات الأجنبية مفاتيح التشفير الخاصة بالأجهزة التي تبيعها داخل الصين، بسبب ضغوط من مجموعات تجارية أجنبية. وقال مدير السياسة في مؤسسة «أكسس ناو» Access Now غير الربحية والعاملة من أجل دعم حريات الإنترنت، رامان جيت سينغ شيما: «غالباً ما ينسى الناس التأثير العالمي لهذا»، وأضاف: «الحقيقة أن الخسارة الناجمة عن قيام حكومة ديمقراطية بشيء مثل هذا هائلة، إنها أكثر سلبية في الأماكن التي يُوجد بها قدر أقل من الحريات».
وأثار رفض «أبل» لطلب الحكومة الأميركية جدلاً واسعاً ورأيين متناقضين كلياً. وخلال الأيام الأخيرة نظم مناصرو «أبل» تظاهرات لدعمها في مدن منها سان فرانسيسكو لبيان دعمهم للشركة.
وقال مدير الحملة في مجموعة «فايت فور ذا فيوتشر» Fight for the Future للدفاع عن الحريات المدنية، إيفان جرير: «نُكافح للإبقاء على افتراض بأنه ينبغي للشركات حمايتنا»، مضيفاً: «تقوم (أبل) بما ينبغي لكل شركة القيام به». وعملت المجموعة على تنظيم تظاهرات لدعم موقف «أبل».
في المقابل، هاجم آخرون موقف «أبل»، ومنهم المرشح المحتمل عن الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016، دونالد ترامب، الذي انتقد «أبل» وطالب بمُقاطعة منتجاتها.
وترددت أصداء هذه الأزمة حول العالم، لكن يبدو أنها لا تُؤثر في قرارات الكثيرين باقتناء هواتف «آي فون» ومنتجات «أبل» الأخرى. وفي ما يخص موقف حاملي الأسهم في «أبل»، ففي الماضي قال بعض المستثمرين في الشركة إن بعض المبادرات ذات الدافع الاجتماعي لشركة «أبل» غير ضرورية لأعمالها الرئيسة، لكن سرعان ما خفتت آراؤهم. وخلال اجتماع مع المساهمين في عام 2014 قال كوك للمستثمرين إنهم حال رغبوا في اتخاذ قرارات الشركة بناء على حساب الأرباح والخسائر فقط، فينبغي عليهم الانسحاب من المساهمين.
لكن الحفاظ على خصوصية البيانات قد تُشجع المستثمرين ولاحقاً المزيد من المستهلكين على دعم موقف «أبل» مالياً، نظراً لأنه قضية تتصل مباشرة بالعمل، كما قال الأستاذ في كلية «سلون» للإدارة في معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا، مايكل كوسومانو. وأضاف: «في الوقت الراهن يشتري الناس الهواتف بغض النظر عن مسائل التشفير، لكن علينا الانتظار ورؤية كيفية تطور هذا الصراع الدامي».