تقنيات تحسّن حياة ذوي الإعاقة وتعزّز إسهامهم في العمل

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يوجد في العالم نحو مليار شخص من ذوي الإعاقة أو ممن يعانون الإعاقة، وفي أوروبا وأميركا تبلغ نسبتهم واحد من بين كل خمسة أشخاص.

ونظراً لقلة احتمالات مشاركتهم ضمن القوة العاملة يواجه هؤلاء معدلات أكبر من الفقر تبلغ ضعفَي غيرهم. ومن هنا تتضح الأهمية البالغة للتقنيات التي يمكنها تحسين حياة ذوي الإعاقة، وتعزيز إسهامهم في العمل.

كما أن هذه التقنيات مجدية من الناحية الاقتصادية، وحسب مؤسسة «سكوب» الخيرية المعنية بذوي الإعاقة إذا ما تمكن مليون شخص معاق من العمل، في المملكة المتحدة، فسيقود ذلك إلى نمو اقتصادها بنسبة 1.7%، أي ما يعادل 64 مليار دولار، وفقاً لما تناول تقرير لموقع «بي بي سي».

وتستهدف بعض التقنيات مساعدة مرضى العصبون الحركي، ويصل عددهم إلى 400 ألف شخص في مختلف أنحاء العالم، ومنهم عالم الفيزياء البارز ستيفن هوكينغ، ويصل عدد المُصابين بمرض تصلب الأنسجة المتعدد إلى 2.3 مليون شخص.

ومع ذلك، تتمتع الخلايا العصبية المتحكمة في حركة العين بدرجة أكبر من المقاومة للأمراض التنكسية، وهو ما ينطبق على أجزاء أخرى في الوجه، مثل الوجنتين، ولذلك يستخدم هوكينغ وجنته للتواصل مع العالم المحيط.

وابتكرت شركة «إل سي تكنولوجيز» LC Technologies الأميركية جهازاً يتيح لمستخدميه التحكم في الحاسوب من خلال حركة العين. ويُعد «آيغيز إيدج» Eyegaze Edge أحدث ابتكارات الشركة التي أسسها مجموعة من المهندسين في عام 1988.

وتطور الجهاز كثيراً مقارنة مع نسخته الأولى التي كانت معقدة وثقيلة وباهظة الكلفة. وقالت المديرة الطبية في الشركة، نانسي كليفلاند، إن حجمه حالياً يتناسب مع حقيبة على متن طائرة تجارية. ويستخدم «آيغيز إيدج» تكنولوجيا تُعرف باسم «مركز الحدقة/‏ انعكاس القرنية» Pupil Centre/‏Corneal Reflection.

ويُوضع الحاسوب اللوحي أمام المستخدم، وتوجد أسفل منه كاميرا فيديو صغيرة، ويتوجه ضوء «ليد» بالأشعة تحت الحمراء القريبة إلى عين المستخدم. وتقيس الكاميرا المسافة الفاصلة بين مركز الحدقة وانعكاس ضوء «ليد» على القرنية، وهي الجزء الشفاف في مقدمة العين. وتختلف هذه المسافة الضئيلة تبعاً لتغير النظرة، وبالتالي يتمكن الحاسوب من تحديد موضع نظر المستخدم بدقة.

وأضافت كليفلاند أن الجهاز يساعد الأشخاص على إنجاز مختلف أنواع المهام المثيرة للاهتمام، على الرغم من أن تحريك أعينهم كل ما يمكنهم فعله، مشيرة إلى أن 12 شخصاً ألّفوا كتباً باستخدام «آيغيز إيدج».

وطورت شركة «أورغين إنسترمنتس» Origin Instruments في ولاية تكساس الأميركية جهازاً مماثلاً باسم «هيد ماوس نانو» HeadMouse Nano، وتتبع الكاميرا فيه حركة نقطة عاكسة توضع على جبهة المستخدم، وتتحكم تلك الحركة في مؤشر الحاسوب. وتتم الاختيارات من خلال مدة السكون أي بقاء الرأس في وضعٍ ثابت، أو من خلال تقنية للمساعدة تُعرف باسم sip-puff أي التبادل بين الشهيق والزفير.

ويتطلب استخدام جهاز «هيد ماوس نانو» تمتع المستخدمين بقدرٍ أكبر قليلاً من القدرات الحركية، لكنه يتميز بأنه أرخص سعراً.

وقال نائب رئيس شركة «أورغين إنسترمنتس»، ميل داشنر: «أخيراً، قللنا الحجم واستهلاك الطاقة»، وفسر ذلك بالرغبة في التوافق مع موجة تكنولوجيا الهواتف المحمولة.

وفي ما يتعلق بحاسة البصر، يُوجد في العالم نحو 39 مليون كفيف، حسب منظمة الصحة العالمية، لكن 90% منهم يتمتعون بمستوى متفاوت من إدراك الضوء.

وعمل عالم الأعصاب في جامعة أوكسفورد البريطانية، ستيفن هيكس، على تطوير «نظارات ذكية» تُبرز التضاد بين الضوء والأجسام المعتمة، الأمر الذي يزيد من إمكانية الرؤية.

وقال هيكس: «نحاول تقديم العالم في صور واقعية بسيطة لا لبس فيها» وعند ارتداء النظارات تكون الصور الأقرب هي الأكثر سطوعاً، بينما يظهر بقية مجال الرؤية أسود، ويزداد التناقض بينهما إلى الحد الأقصى.

وبدأ هيكس عمله في عام 2010، بالتعاون مع شركة «إبسون» التي تُنتج شاشات الحاسوب الشفافة، وحصل بعدها على مساعدة من المعهد الملكي الوطني للمكفوفين، إضافة إلى جائزة مالية من جوائز «مسابقة غوغل للتأثير» Google Impact Challenge.

ومثّل تخفيض وزن النظارات التحدي الأكبر أمام هيكس، ففي حال تجاوز وزنها 120 غراماً، ستتسبب في إصابة مرتديها بالصداع، حسب قوله، ولذلك قرر تحويل البطارية ووحدة المعالجة إلى جهاز محمول في اليد يرتبط مع النظارة بسلك قصير.

ويمكن للتكنولوجيا أيضاً مساعدة 1.5 مليون شخص ممن يُعانون فقدان حاستي البصر والسمع. وتُعد الأميركية هيلن كلير، أشهرهم، وكانت أول صماء كفيفة تنال درجة البكالوريوس في الفنون في عام 1904. ويعتمد الصم المكفوفون على التواصل من خلال حروف لمسية، إذ يمثل الضغط ولمس أجزاء مختلفة من اليد، حرفاً معيناً.

وحالياً يعمل نيكولاس كابروسو، من مدينة باري الإيطالية، على تحويل هذه اللمسات إلى إشارات إلكترونية من خلال قفاز خاص.

وتُحوّل أدوات الاستشعار في قفاز «دي بي غلوف» dbGLOVE الحروف الملموسة إلى نص يُنقل إلى الحاسوب، ويتابع مشغل الجهاز الحروف على يد المستخدم، وبالتالي يتيح للصم المكفوفين تشغيل الحواسيب والهواتف الذكية.

ويتعاون كابروسو في تطويره مع شريكين من فنلندا التي تركت فيها شركة «نوكيا» ميراثاً كبيراً من ابتكارات الهواتف المحمولة. ويصف كابروسو الجهاز بأنه «التناغم المثالي بين التصميم الإيطالي والتكنولوجيا الفنلندية». وعلى غرار التقنيات السابقة لمساعدة ذوي الإعاقة كان الوصول إلى حجمٍ مناسب أحد أكبر التحديات أمام كابروسو، إذ يتوجب وضع الأسلاك والمشغلات وأجهزة الاستشعار في مساحة صغيرة جداً.

وعلاوة على ذلك، تساعد التطورات الحاصلة في الطباعة ثلاثية الأبعاد والإلكترونيات الحيوية في توفير الأطراف الاصطناعية. ومثلًا طرحت شركة «ثالمك لابز» Thalmic Labs في مدينة أونتاريو الكندية عام 2014 رباطاً للذراع باسم «ميو» Myo يُتيح لمرتديه التحكم في جهاز حاسوب من خلال قراءة الكهرباء الصادرة عن عضلات هيكله العظمي، وإرسال الإشارات لاسلكياً عبر «البلوتوث» إلى الحاسوب.

وفي ديسمبر الماضي عدّل باحثون في جامعة «جونز هوبكنز» الأميركية رباط «ميو» ليسمح بالتحكم في الأطراف الاصطناعية. وقال المدير التنفيذي لشركة «ثالمك لابز»، ستيفن ليك، إن رباط «ميو» يوضع على الذراع دون حاجة إلى جراحة أو إعداد خاص للجلد، ويوفر إشارات يمكن الاعتماد عليها وتفوق ما يمكن الحصول عليه من الأقطاب الكهربائية.

وطُورت هذه التكنولوجيا أصلاً لتيسير تقديم العروض التقديمية من خلال الإيماءات، كما يستخدمها منظمو الحفلات الموسيقية للتحكم في الإضاءة، وفي حال كان بمقدورها مساعدة الأصحاء، فيعني ذلك امتداد نفعها للجميع. 

الأكثر مشاركة